لكن ثمة أخطاء في مخطط المشروع هي مايستفز أهالي طيبة الطيبة ويثير مخاوفهم .
أول تلك : أن الأماكن المقرر ازالتها تتجاوز الحاجة ،حيث تشمل المنطقة الممتدة من جبل أحد إلى مسجد قباء ، ممايعني إزالة أعداد هائلة من المنازل والمرافق الخدمية والآثار النبوية ، وسيكتسح الآلآف من أشجار النخيل التي توارثها المدينيون منذ عهد النبوة .
ثانيها : أن عشرات الالآف من المواطنين في تلك المنطقة سيفتقدون “جوار الحرم ” وهو الشئ الثمين الذي لاتستطيع أموال الدنيا تعويضه .
والثالث : أن هؤلاء سيغادرون للمجهول بعد نزع ملكياتهم ، فلا أراض معدة للبناء ، ولا مساكن مهيأة لاستقبالهم ، حيث سيصبح العرض أقل من الطلب ، وهو مايصعد بمؤشر الأسعار إلى مبالغ خيالة لاطاقة لهم بها .
ويأتي رابع المستفزات لصدور أهاليها أن آثار المدينة وهويتها الأصيلة سيتم سحقها تحت جرافات الشركات ،رغم الوعود بإعادتها ، إلا إنهم يرون أن من الظلم أن يستبدل مسجداً صلى به خير الخليقة بفندق يحمل علامة تجارية لاعلاقة لها بالمكان من قريب أو بعيد .
هذه المخاوفات التي نثرها أبناء طيبة في مجالسهم وفي شبكة الانترنت ، بلغ بعضها اللجنة المكلفة بتنفيذ المشروع ، ولم يصل حتى اللحظة رداً حاسماً تجاهها سوى بعض التطمينات التي لاترتقي إلى مستوى الاقناع .
الأهالي يكتمون مشاعر متناقضة تجاه المشروع ، ففي جزء منه خدمة لضيوف الرحمن ، وفي الجزء الأكبر منه نزع جوار وهوية ورأسمالية لاتقيم للقيم الروحية والمعنوية وزناً ، ولاتعترف سوى بجملة ” هل من مزيد ؟ ” ، ويرون أن الحرم بحالته الراهنة يستوعب الحشود في أوقات الذروة مستشهدين ببقاء الساحة الغربية خالية تلك الأوقات ، ولايمانعون من تنفيذ رغبة
الملك في تحقيق أقصى درجات الراحة لضيوف الرحمن ، ويتمنون أن تقدر الحاجة بقدرها ، ولايستغل المشروع النبيل لسحق هوية المدينة النبوية ، وطمس آثارها ومعالمها ونخيلها ومساجدها التي تضرب أطنابها في عمق التاريخ ، ويقترحون أن تتنازل اللجنة المشكلة للاستماع إليهم ، والأخذ ببعض مقترحاتهم والوصول إلى نقطة وسط ، تحقق الهدف السامي من المشروع
وتزيل عن صدورهم هموم التخلي عن الجوار ، والكثير من المرافق والخدمات مقابل أموال تعود لجيوب قلة قليلة لاتعرف لجوار المصطفى قيمة سوى ” النقود ” .
عمليات ترقيم المباني المقرر إزالتها مستمرة ، وتصحو أحياء السحمان والمستراح والضيافة والشهداء وقربان والعوالي والحرة الشرقية وقباء والمغاربة والبحر والسيح والنصر والدرع وغيرها كل صباح على أصوات معدات لجنة الترقيم ،
وهي ترش جدران المنازل والمساجد والفنادق والمدارس والمستوصفات وكل مرفق يعترض طريقها ، وتستمر المعاناة في التضخم ، وسط صمت مطبق من الجهات المعنية ، وتجاهل لمناشدات السكان بالاستماع إلى أصواتهم
، مما يجعل الحرقة تتزايد في صدور أهل طيبة على قرب ساعات الرحيل ، والبعد عن جوار الحبيب ، ويفتح الأبواب على مصراعيها لكل شامت في علاقة المسؤول بالمواطن ، وساع لتأجيج مشاعر الغضب .
ويبقى أهالي طيبة الطيبة ، جيران مصطفى الأمة وهادئها بحاجة إلى من يستمع إليهم .