في موضوع نشرته أمس الثلاثاء صحيفة " لوفيغارو " الفرنسية ، تستهزء فيه من إجراء تفكّر في اعتماده السلطات البريطانية كحّل لمعضلة التحرش الجنسي ضد النساء في وسائل النقل العمومية ، يقضي بتخصيص "حافلات وردية "للنساء فقط ، تساءلت" لوفيغارو " و هي الصحيفة الليبرالية المحافظة ، هل نحن ذاهبون نحو تخصيص حافلات للسود و أخرى للبيض و ثالثة للمثليين ، كتعبير عن استيائها من الإجراء البريطاني الذي ترى فيه تمييزا عنصريا " يضع الرجال في سلة واحدة على أنهم بهائم و مرضى و النساء فرائس و ضحايا .
و بعيدا عن الطرح الذي ترغب " لوفيغارو " إعطاءه لاقتراح وزير النقل البريطاني " كلار بيري " الذي اهتدى إلى فكرة تخصيص حافلات " للنساء فقط " للحد من التحرشات الجنسية المتنامية في وسائل النقل الجماعية كحلّ لارتفاع نسب الإعتداءات الجنسية في النقل العمومي البريطاني إلى حدود 20 % ، فإن مثل هذا الإجراء في حال اقترحه وزير عربي في دولة إسلامية لا محالة سيواجه بالتنديد و الاستنكار بل ستلصق به تهمة الأصولية و الرجعية ، و لهذا السبب لا نجد في دول عربية ، و هي التي تتبنى الإسلام دينا للدولة في دساتيرها و تبوؤه المكانة الأولى في موادها الدستورية ، حافلات " للنساء فقط " أو " مسابح للنساء فقط " أو قاعات للرياضة للنساء فقط ، و هي مطالب اجتماعية ملحة لدى بعض النساء في مجتمعات عالية الكثافة تتحول فيها وسائل النقل العمومية إلى علب سردين ، فيما لا تتحرج دولة مثل بريطانيا ، في تخصيص حافلات لنسائها ، لأن الأخيرة اشتكين الاعتداء عليهن في الحافلات ( اللمس الجنسي ) فلم تجد السلطات البريطانية العمومية بأسا في الإهتمام بانشغالهن فاهتدت إلى تخصيص " حافلات وردية" لهن تنهي مسلسل المضايقات الذي يتعرضن له يوميا في وسائل النقل العمومية .
و يعد اقتراح الوزير البريطاني للنقل سابقة في أوروبا ، فقطارات الجنس اللطيف غير موجودة في عواصم القارة العجوز ، لكنها تجربة خاضتها قبل بريطانيا عواصم ( غربية ) أخرى في آسيا و أمريكا اللاتينية ، ففي الصين " قطارت و حافلات وردية " أطلقتها الحكومة الصينية منذ سنوات على خلفية تعرض قرابة 64 % من الصينيات للتحرش الجنسي في النقل العمومي بالاخص النساء ما بين ( 20 و 40 سنة ) ، و في البرازيل " مترو" ريو دي جانيرو ( الوردي ) أيضا ، و في المكسيك تحوز النساء على وسائل نقلهن تحت مسمّى ( للنساء فقط ) منذ العام 2008 ، و في نيويورك ، عاصمة الحضارة الأولى في العالم ، لا توجد حافلات أو قطارات أو مترو " للنساء فقط " لكن ثمة سيارات طاكسي للسيدات ( شي رايد ) " She Ride " و في باريس أيضا سيارت طاكسي ( وومين كاب )" Women Cab " و في لندن طاكسي ( بينك لايديز ) "Pink Ladies " و كلها تجارة مربحة صارت توفّر الراحة للنساء اللائي يهربن من مضايقات النقل العام .
الغرب يعود دونما علم ، إلى تعاليم إسلامية يهجرها العرب ( المسلمين ) ، منها الفصل بين الجنسين ، في مواقع كثيرة تجنبا لحرج الطرفين لدواع نفسية صار يثبتها العلم و الدراسات الحديثة التي تصدرّها مخابر العالم المتقدم ، مثل الفصل بين الجنسين في الصف ّ ( أي اقسام الدراسة ) و في المضجع ( بعد بلوغهما ) و في العمل و الإدارة ، و غيرها من المواقع التي أثبتت الدراسات أن الخلط فيها بين الجنسين لا يقود إلى النتائج المرجوة . فيما العرب المسلمين يهرولون نحو تبني سلوك الغرب في كل شيء جميله و قبيحه ، و ليسوا يجرؤون على تطبيق بعض تعاليم إسلامهم خوفا من تهم الاصولية التي ابتكر مصطلحها الغرب نفسه ، و ها هو يعود إلى خيارات عملية هي من ديننا دونما إدراك و ربما بإدارك و دون عقدة طالما الإجراء يصب في صالح راحة المواطن و سعادته !