يسمونه في العراق، المتملق... وفي سورية، اللقلوق، وفي لبنان، ماسح جوخ، والفرنسيون لكثرة احتقارهم لمثل هذه الشخصيات يطلقون عليه (لاعق الأحذية)، السياسيون يصفونه بـ(الانتهازي والوصولي)... أما روفائيل ميكافيلي (مؤلف كتاب الأمير) فقد وصف التملق بأنه مرض... وتحدث في كتابه هذا عن حواشي الملوك... أما الدكتور علي الوردي فقد وصف هؤلاء بـ(وعاظ السلاطين)، وكممارسة مرفوضة ومكروهة سميت من قبل بعض الكتاب والمثقفين (الثقافة الانتهازية)، هذه الثقافة التي انتشرت بشكل واسع في الكثير من المجتمعات (سواء كانت هذه المجتمعات في الدول الأوروبية أو النامية..)، حيث أوصلت ممارسيها إلى بعض المناصب المرموقة والشهرة، وعلى سبيل المثال الكاتب الكبير (شاتو بريان) الذي رشح نفسه ذات مرة لمنصب رئاسة الجمهورية الفرنسية والسياسي المخضرم (تاليران) و(بيير بيزار)، الأمين العام لحركة (لاعقي الأحذية) الذي ترأس المؤتمر الأخير للحركة وألقى كلمة جاء فيها: (... يتهموننا بأننا عورة في المجتمع الفرنسي، ولكننا ضرورة لا يمكن الاستغناء عنا ويتعذر أن ينجح أي نظام حاكم بدون الاستعانة بنا، والإصغاء إلى نصائحنا، نعم نحن فخورون بالعمل الذي نقوم به، ولا بد من أن نحتل مكاننا في المجتمع، وكفانا إهانة وازدراء وإهمالاً...).
وفي السياق نفسه كتب الدكتور غسان الرفاعي (كاتب سوري مقيم في باريس) قصة شاب فرنسي، كان يتغيب عن الدوام ولا يؤدي عمله الذي يكلف به، ويثير استفزاز الآخرين... طلب لاعق الأحذية الذي يرأس الشاب في موقع عمله إضبارته فقرر تسريحه من الوظيفة... بعد سنوات وإذا بهذا الشاب المسرح من الوظيفة يصبح وزيراً يمثل الحزب الاشتراكي الفرنسي.
بادر لاعق الأحذية إلى إصدار تعميم، طلب فيه من كل موظفي الوزارة أن يجتمعوا أمام الوزارة لاستقبال الوزير الجديد (ابن الوزارة البار) كما أطلقت عليه، وحينما وصل الوزير بطلعته البهية ألقى لاعق الأحذية كلمة حماسية امتدح فيها الوزير الجديد وكفاءته ونظافة يده، وتوقع أن تصبح الوزارة أرقى وزارة بفضل إرشاداته وتوجيهاته... يقول لاعق الأحذية: لقد لامني كل موظفي الوزارة على (رخصي ونفاقي) وسألوني كيف أجيز لنفسي أن أنافق وألعق حذاء الوزير، وكنت قد سرحته من الوظيفة سابقاً بسبب إهماله وتغيبه عن الدوام...
لقد وصف تروتسكي هؤلاء بأنهم طبقة الإداريين المنافقين الذين يمتدحون كل ما يصدر عن القيادة، وهم سبب البلاء في تشقق أي نظام تقدمي...
وتحضرني هنا كتابات أحدهم قبل سقوط النظام البائد الذي كان يكرس كتاباته لمهاجمة المرجعية في النجف الأشرف متهما رموزها باستغلال الأموال لمصلحة الأبناء والأحفاد والأصهار، كما اتهم هذه الرموز بأنها غير عراقية ومن أصول إيرانية (كـأن ذلك وصمة عار وانتقاص من الفرد...) وبعد سقوط النظام انقلب مادحاً آية الله العظمى السيد علي السيستاني (المرجع الأعلى لشيعة العراق والعالم)، واقترح منحه جائزة نوبل! وانضم إلى أحد الأحزاب المشاركة في الحكومة وحصل على منصب إعلامي!..
وأخيراً فإن هؤلاء الذين نقصدهم هم ممن يتقنون فن ممارسة الثقافة الانتهازية وأنا لا أقصد على الإطلاق من تخلى عن قناعاته السياسية فهذه القناعات غير ثابتة وقابلة للتطور (أو التراجع) ولا ضرر بذلك وأنا واحد منهم، بعد مراجعة متأنية ...