صالح السعيدي
رغم ان توثيق الجماعات المتطرفة لعملياتها قديم ويعود الى بدايات نشوئها، فان الشكل الذي اتبعه تنظيم داعش في عملياته وتصويرها العالي الجودة، دشن ما يمكن تسميته بعصر الوحشية الرقمية، فقد ولى ذلك الزمن الذي تظهر فيه صور العمليات بكاميرا مهتزة وصور باهتة تغمرها الزوايا المظلمة، وأتى عصر التصوير المتقن لجرائم داعش الاخيرة، لا سيما احراق الطيار الاردني أو نحر الاقباط وباسلوب الافلام السينمائية، جملة من الدلالات، اولاها اهتمام قيادة داعش بالرسالة الاعلامية وبفن السينما على وجه الخصوص، وولعها باستخدام الصورة كوسيلة لتوصيل الرسائل للآخر، سواء كان هذا الاخر مواليا او معاديا، مسلما او كافرا، كما يمكن ان يفيد تفكيك شفرة داعش الاعلامية المحشوة في تلك المشاهد في معرفة كيف يفكر قادة داعش وماذا يريدون.
بصمة الزعيم
واذا ما تجاوزنا مسببات النزعة السادية في تعذيب الضحايا هدف الردع والارهاب المبتغى من وراء تصوير تلك العمليات الوحشية، فإن ذلك الاهتمام المفرط بفن السينما الداعشية، يعبر عن بصمة زعيم التنظيم ابي بكر البغدادي. فالواضح ان الرجل يريد بهذه «الطفرة النوعية» في التوثيق الاعلامي أن يعيش وهم انه خليفة المسلمين وان له دولة فعلا بكل رموزها ومتطلباتها، ولعل ذلك ما يفسر مسارعة تنظيم البغدادي الى نشر خريطة لحدود الدولة وعملة خاصة (دينار)، واصدار جوازات سفر باسم الدولة الاسلامية، ومن ضمن مؤسسات تلك الدولة وزارة اعلام تتولى تسويق الرسائل الاعلامية، كما يوجه «الخليفة» البغدادي بهذه الطفرة التقنية رسالة لأتباعه ومريديه مفادها انه مختلف عمن سبقه من «أمراء» التنظيمات المتطرفة السابقين.
أجسام وقامات فارعة
اما عن تفاصيل الرسائل المحشوة بين ثنايا تلك الصور، فقد ظهر اهتمام البغدادي بالتفاصيل الصغيرة «مراسيم البروتوكول المواكبة لكل عملية ذبح»، فهناك حرص شديد على ارتداء الضحية بدلة الاعدام الحمراء أو البرتقالية، وابراز واضح لقوام منفذي العمليات الذين تم اختيارهم بعناية من ذوي الاجسام والقامات الطويلة والفارعة، كما يهدف الاستعراض الطويل لوضع الضحايا واحوالهم قبل تنفيذ الجريمة، ايصال رسالة مزدوجة، فهو من جهة يزيد من قهر ومعاناة المتعاطفين مع الضحايا، ومن جهة اخرى يثير الغليل لدى مؤيدي البغدادي لدرجة الشفاء، ويزيد من استمتاعهم بمشاهدة الضحايا وهم يموتون رعبا قبل قتلهم ذبحا.
كما لم تفوت وزارة اعلام البغدادي استثمار الخلفية الرئيسية في مشهد الذبح، ففي حالة الكساسبة كانت الخلفية عبارة عن مبان مهدمة للتعبير عما اقترفه الكساسبة من فعل استدعى اعدامه حرقا، وفي فيلم الاقباط ظهر البحر كخلفية رئيسية، والبغدادي هنا في ذلك يخاطب اوروبا التي تقع خلف ذلك البحر مباشرة، ويبلغها انه بات جاراً لها، ألم يقل البغدادي من قبل انه سيفتح روما قريبا؟!