يبدو واضحا أن جماعة الإخوان وأنصار مرسي حققوا نصرا أوليا على نظام السيسي في موضوع رحلة ألمانيا ، فحجم الهلع الذي انتاب أوساطا رسمية عديدة من توابع الزيارة وما يحدث فيها والمظاهرات المتوقعة ضده ، وهو ما انعكس صراخا وتحذيرا وحشدا في الإعلام الموالي ، يؤكد هذا المعنى ، ويبدو أن الضغط النفسي لأنصار مرسي في ألمانيا جعل حالة من التخبط والاضطراب تحدث في ردات الفعل هنا في القاهرة ، حتى وصل الحال بدعوة الرئاسة لوفد من الممثلين والممثلات السينمائيين والمطربين والمطربات لمصاحبة السيسي في رحلته ، وهو حدث مثير جدا ، ولا أظن له مثيلا في أي نظام آخر ، مهما كانت درجة تخلف الدولة . شيء من هذا حدث في أول زيارة للسيسي إلى الولايات المتحدة لحضور اجتماع بالأمم المتحدة ، ولكن الزفة هذه المرة كوميدية بالفعل ، هل أصبح الدعم السياسي للرئيس المصري مرهونا بإلهام شاهين ويسرا وداليا البحيري ومن معهم ، ما هذا الهوان ، وكيف يمكن أن يفسر الديبلوماسيون المصريون هذا المشهد المتخلف للإعلام الألماني أو الحكومة الألمانية ، هل حسب أحدهم حسابا لصورتنا أمام الألمان ، ومن هذا المجنون الذي أقنع السيسي بأن حشد هؤلاء الممثلين والممثلات والمطربين سيكون ردا على مظاهرات أنصار مرسي المتوقعة ضده في ألمانيا ، من الذي ورط رئاسة الجمهورية في هذا الهراء . رحلة السيسي إلى ألمانيا كانت مرتبكة من بدايتها ، بعد الصدمة التي تسبب فيها إعلان رئيس البرلمان رفضه استقبال السيسي بسبب الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان وأحكام الإعدام بالجملة في مصر ، وهو الموقف الذي يشاركه فيه حزبان رئيسيان منهم حزب رئيس البرلمان ، أيضا هناك وجود قوي للحركة الإسلامية في ألمانيا ، والإخوان لهم مراكز إسلامية كبيرة وتاريخية ولها جذور قديمة في مختلف أنحاء ألمانيا ، وأهم من ذلك أن ألمانيا فيها ملايين من الأتراك العاملين هناك من سنوات طويلة ، ويغلب عليهم التعاطف مع الحالة الإسلامية ، وهناك جهود حقيقية من نشطاء عرب وأتراك ومصريين لترتيب احتجاجات ضد السيسي ستسبب له الإ الشديد ، غير أن مثل هذه الاحتجاجات مألوفة في السياسة الغربية ، خاصة والعالم كله يرى الانقسام الكبير في مصر ، ويعرف أن ملايين المصريين يعارضون السيسي كما أن هناك ملايين يؤيدونه ، فهل تتصور الإدارة المصرية أن هذه صورة مجهولة غربيا مثلا ، ويحرصون على عدم بروزها ، وهل يتصورون أن حشد بعض الممثلات والفنانين والمطربين مع السيسي سينظف هذه الصورة ويعطي الانطباع بأن هناك إجماعا شعبيا مصريا حول السيسي ، وأنه لا توجد معارضة شعبية ضده مثلا . هذا التحدي سيكون على السيسي مواجهته واستيعابه في أي رحلة له خارج البلاد ، خاصة في الدول الأوربية ، والعالم الحر بشكل عام ، لأن صورته وصورة مصر الآن في الخارج مترعة بالدم والسجون والمشانق والإعدامات وقمع الاحتجاجات الشعبية والقوانين القمعية والمكبلة للحريات ، كما أن السلم الذي وصل عن طريقه للسلطة ، المظاهرات ، كسره وحرقه ومنع أي قوة أخرى من استخدامه من بعده ، فهل سنظل نكرر هذه المهزلة كلما سافر ، هل سنفرغ الفنانين والممثلين والممثلات لمرافقة الرئيس في سفراته الخارجية لشد أزره ورفع معنوياته وتحسين صورته ! ، فضلا عن جوقة من رجال أعمال نظام مبارك والمحاسيب الذين يستخدمون لعبة السفر مع الرئيس وتشجيعه والهتاف له والتصفيق له في الخارج بدلا من الطريقة النفاقية القديمة بنشر إعلانات الصحف لإظهار الولاء العظيم للزعيم والقائد . مع الأسف ، هذا الذي يحدث يعطي انطباعا عكسيا عما أراده رجال الرئيس ، إنه يعطي انطباعا بالاهتزاز وضعف الثقة ولا يعطي انطباعا بالثقة والقوة ، يعطي انطباعا بأن السيسي محاصر من قبل أنصار مرسي وأن صورة مرسي وشارات رابعة تلاحقه في كل مكان يذهب إليه وتفزعه وتربكه ، كما أن مثل هذه السلوكيات الدعائية الرخيصة والبدائية تشوه صورة النظام في الخارج أكثر مما هي مشوهة أساسا .