الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على محمد سيد المرسلين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد:
من الطبيعي أن يراقب المسلمون الهلال فيصومون لرؤيته ويفطرون لرؤيته, ولكن الغريب أن نرى من يصر على مخالفة الآخرين، وشق صفوف المسلمين حتى في هذا الامر الواضح تحت شعار (مخالفة العامة).
لا أريد أن أتكلم كثيراً عن هذا الموضوع، ولكن فلنقرأ هذا الباب كما هو في كتاب (علل الشرائع) للشيخ الصدوق الذي يقول عنه الشيخ عبد الحميد المهاجر: في أحد محاضراته (جميع كتب الصدوق صحيحة), انظر ماذا يقول:
باب (125) العلة التي من أجلها لا توفق العامة لفطر ولا أضحى.
حدثنا محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن السياري عن محمد بن إسماعيل الرازي عن أبي جعفر الثاني ع قال: [[ قلت: جعلت فداك ما تقول في العامة فإنه قد روي أنهم لا يوفقون لصوم؟ فقال لي: أما أنه قد أجيبت دعوة الملك فيهم, قال: قلت: وكيف ذلك جعلت فداك؟ قال: إن الناس لما قتلوا الحسين بن علي صلوات الله عليه أمر الله عز وجل ملكاً ينادي: أيها الأمة الظالمة القاتلة عترة نبيها, لا وفقكم الله لصوم ولا فطر ]].
وفي حديث آخر: [[ لفطر ولا أضحى ]].
2- حدثنا علي بن أحمد قال: حدثني محمد بن يعقوب عن علي بن محمد عمن ذكره عن محمد بن سليمان عن عبد الله بن الجنيد التفليسي عن رزين قال: قال أبو عبد الله ع: [[ لما ضرب الحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليه بالسيف فسقط، ثم ابتدر ليقطع رأسه, نادى منادٍ من بطنان العرش: ألا أيتها الأمة الضالة بعد نبيها, لا وفقكم الله لأضحى ولا فطر, قال: ثم قال أبو عبد الله: فلا جرم والله ما وفقوا, ولا يوفقون حتى يثور ثار الحسين ]].
فهم لذلك يتعمدون مخالفة أهل السنة في صيامهم (كما هو الحال في العراق اليوم) وربما أخفوا ذلك في دول أخرى حسب مبدأ التقية.
أما مخالفتهم لأهل السنة فهو واضح أيضاً لمن قرأ كتبهم, اقرأ معي النصوص الآتية:
يذكر الكليني أبو جعفر محمد بن يعقوب في صحيحه عن جعفر بن محمد أن سائلاً سأله: [[ جعلت فداك، أرأيت إن كان فقيهان عرفا حكماً من الكتاب والسنة، ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة والآخر مخالفاً لهم، بأي الخبرين يؤخذ؟ قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد. فقلت: جعلت فداك، فإن وافقهما الخبران جميعاً؟ قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل، حكامهم وقضائهم، فيترك ويؤخذ بالآخر ]] ([1]).
كتب السيد الخميني، روى ابن بابويه القمي في كتابه عن علي بن أسباط، قال: قلت للرضا -الإمام الثامن- عليه السلام: [[ يحدث الأمر لا أجد بداً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك؟ قال: ائت فقيه البلد فاستفته من أمرك، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه، فإن الحق فيه ]]([2]).
ورواية أخرى عن الإمام المعصوم أنه قال: [[ ما أنتم على شيء مما هم فيه، ولا هم عليه شيء مما أنتم فيه، فخالفوهم فما هم من الحنيفية على شيء ]] ([3]).
ومثله ما رواه عن جعفر أنه قال في جواب من سأله: [[ يرد علينا حديثان: واحد يأمرنا بالأخذ به، والآخر ينهانا عنه، قال: لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله. قلت: لا بد أن نعمل بواحد منهما. قال: خذ بما فيه خلاف العامة ]] ([4]).
قال السيد الخميني: (فتحصل من جميع ما ذكرنا من أول البحث إلى هنا أن مرجح النصوص ينحصر في أمرين: موافقة الكتاب والسنة، ومخالفة العامة) ([5]).
عن علي بن أسباط أنه قال: قلت للرضا عليه السلام: [[ يحدث الأمر لا أجد بداً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه من أستفتيه من مواليك؟ قال: فقال: إيت فقيه البلد فاستفته في أمرك، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه ]] ([6]).
(وسائل الشيعة) الحر العاملي تحت باب مستقل بعنوان (باب عدم جواز العمل بما يوافق العامة وطريقتهم): أقول: والأحاديث في ذلك متواترة.. فمن ذلك قول الصادق عليه السلام في الحديثين المختلفين: [[ اعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارهم فخذوه ]].
وقوله عليه السلام -يعني جعفر الصادق- [[ إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم ]].
وقوله عليه السلام: [[ ما خالف العامة ففيه الرشاد ]].
قوله عليه السلام: [[ خذ بما فيه خلاف العامة ]].
وقوله عليه السلام: [[ ما أنتم والله على شيء مما هم فيه، ولا هم على شيء مما أنتم فيه، فخالفوهم، فما هم من الحنيفية على شيء ]].
وقوله عليه السلام: [[ والله ما جعل الله لأحد خيرة في اتباع غيرنا، وإن من وافقنا خالف عدونا، ومن وافق عدونا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منه ]].
وقول العبد الصالح عليه السلام في الحديثن المختلفين: [[ خذ بما خالف القوم، وما وافق القوم فاجتنبه ]].
وقول الرضا عليه السلام: [[ إذا ورد عليكم خبران متعارضان فانظروا إلى ما يخالف منهما العامة فخذوه، وانظروا بما يوافق أخبارهم فدعوه ]].
وقول الصادق عليه السلام: [[ والله ما بقي في أيديهم شيء من الحق إلا استقبال الكعبة فقط ]] ([7]).
(والأحاديث.. قد تجاوزت حد التواتر، فالعجب من بعض المتأخرين حيث ظن أن الدليل هنا خبر واحد.. واعلم أنه يظهر من هذه الأحاديث المتواترة بطلان أكثر القواعد الأصولية المذكورة في كتب العامة) ([8]).
ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق في كتابه (علل الشرائع) تحت باب (العلة التي من أجلها يجب الأخذ بخلاف ما تقوله العامة): عن أبي إسحاق الأرجاني رفعه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: [[ أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقوله العامة؟ فقلت: لا ندري، فقال: إن علياً عليه السلام لم يكن يدين الله بدين إلا خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عليه السلام عن الشيء الذي لا يعلمونه، فإذا أفتاهم جعلوا له ضداً من عندهم ليلبسوا على الناس ]] ([9]).
نعمة الله الجزائري يقول: (إنا لا نجتمع معهم على الإله، ولا على نبي، ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون: إن ربهم هو الذي كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيه، خليفته بعده أبو بكر، ونحن لا نقول بهذا الرب، ولا بذلك النبي، بل نقول: إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا، ولا ذلك النبي نبينا)([10]).
جاء في كتاب التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف -علي الحسيني الميلاني
الفصل الثاني ما نصه:
لقد جاءت الأحاديث الصحيحة تنصّ على وجوب عرض الخبرين المتعارضين، بل مطلق الأحاديث على القرآن الكريم، فما وافق القرآن أخذ به وما خالفه أعرض عنه، فلولا أنّ سور القرآن وآياته مصونة من التحريف ومحفوظة من النقصان ما كانت هذه القاعدة التي قرّرها الأئمّة من أهل البيت الطاهرين، آخذين إياها من جدهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولا أمكن الركون إليها والوثوق بها.
ومن تلك الأحاديث:
قول الإمام الصادق عليه السّلام: [[ ... ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة، وخالف العامّة فيؤخذ به، ويترك ما خالف الكتاب والسنّة ووافق العامّة ... ]] ([11]).
فهذه الأحاديث ونحوها تدلّ على أنّ القرآن الموجود الآن هو نفس ما أنزله الله عزّ وجلّ على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، من غير زيادة ولا نقصان، لأنّه لو لم يكن كذلك لم يمكن أن يكون القرآن مرجعاً للمسلمين يعرضون عليه الأحاديث التي تصل إليهم عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فيعرف بذلك الصحيح ويؤخذ به، والسقيم فيعرض عنه ويترك.
ويذكر ثقة الإسلام -كما يقولون- محمد بن يعقوب الكليني في مقدمة كتاب الكافي بأنه أعتمد نقطتين أساسيتين في تصحيح الأحاديث وتضعيفها وهما:
الأولى: ما وافق القرآن فهو صحيح، وما خالفه فهو ضعيف.
الثانية: ما وافق العامة فهو ضعيف، وما خالفهم فهو صحيح.
يتبين من ذلك أن أمر مخالفة العامة عندهم ليس هو مجرد أحاديث حتى يقول من يقول أنها ضعيفة, بل هي عقيدة عند علمائهم كما يصرحون بذلك في كتبهم؟
فمن هو الذي يريد أن يفرق الأمة ويشتت شملها؟
أمن هو المتعصب الذي همه أن يخالف الآخر حتى لو وقع في المحضور؟
([1]) الكافي للكليني في الأصول، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث (1/68).
([2]) رسالة التعادل والترجيح للسيد الخميني.
([3]) رسالة التعادل والترجيح للسيد الخميني.
([4]) رسالة التعادل والترجيح للسيد الخميني.
([5]) رسالة التعادل والترجيح للخميني.
([6]) عيون أخبار الرضا لابن بابويه القمي (ج1)، ومثله في (التهذيب) للطوسي.
([7]) الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي.
([8]) الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي.
([9]) علل الشرائع لابن بابويه القمي.
([10]) الأنوار النعمانية باب نور في حقيقة دين الإمامية وأنه يجب اتباعه دون غيره (ج2).