[ سُرجٌ مضيئةٌ من حياة الشاب الصالح/ عبدالرحمن بن محسن الأسمري - طيب الله ثراه - ].
الحمدلله العليم الخبير، ذي الحكمة في الخلق والتدبير، يخلق مايشاء ويفعل مايريد، له الحمد على ما قدر وحكم, وله الشكر على ما قضى وأبرم, فسبحانه مدبر الأمور يصرِّفها كما يشاء وهو العليم الحكيم, وأصلي وأسلم على خير الأنام, نبينا محمد عليه من ربي أفضل صلاةٍ وأتم سلام, وبعد:
فإن من سنن الله الكونية؛ أن كتب الموت على جميع الخلائق: ((كُلُّ نفسٍ ذَائِقّةُ المَوُت)) فكأسه دائرة على الجميع، وكل نفس ذائقة من تلك الجرعة، ولو كان هناك أحد حاز الخلود والبقاء في دار الفناء؛ لكان الحبيب صلى الله عليه وسلم أولى بذلك من غيره ولكنه والله ما نجا من الموت، كيف وقد نعى إليه ربُهُ نفسه الشريفة فقال: ((إنك ميت وإنهم ميتون)). وما أكرم الله تعالى عبداً بشيء أعظم من أن يوفقه للاستقامة على شرعه، والسير على طريقه حتى يلقى الله تعالى وقد استعمله في طاعته، فما أجملها من حياةٍ تلك التي يَنعَمُ صاحبها بالعيش في كنف الله ورعايته! وما أروعها من خاتمة لمن استقام على طريق مولاه حتى يلقاه! ((إن الذين قالوا ربنا اللهُ ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون*نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها تشتهي أنفسكم ولكم فيها ماتدعون))[1].
مرَّ هذا الأسبوع كأثقل مايكون على قلوبنا، بطيء الخطو، مُثقلٌ بذكرى قاسية على رحيل ذلك الشاب الصالح. بدأت الحِلق في مسيرتها، وعاد الطلاب إلى مقاعد الدراسة؛ لكن دون أن تكتحل أعينهم برؤية أخيهم عبدالرحمن منبع سعادتهم وأُنسِهم، ذلك الشاب الذي اقترن اسمه بحلقات القرآن ومجالس العلم والعلماء، بكتهُ القلوب قبل العيون، وعلى مثل عبدالرحمن فلتبكِ البواكي ...!
يجري القضاءُ وفيه الخيرُ نافلة *** لمؤمنٍ واثقٍ باللهِ لا لاهي
إن جاءه فرحٌ أو نابه ترحٌ *** في الحـالتينِ يقول الحمد الله
إلهي نحمدك على ماقضيت، لك أسلمنا، وبك آمنا، وعليك ربنا توكلنا. رحم الله تلك الروح الطاهرة التي صعدت إلى خالقها ومولاها.
حديثٌ مختلف
لم يكن فراق ذلك الشاب الصالح مؤلماً لكل من عرفه؛ بل انثَلمت بفقده قلوب أهل القرآن والصلاح؛ ممن قرأ وسمع عن تلك المآثر العطرة، والخصال الحميدة لذلك الفتى التقي.
حقاً..كانت الفاجعة أليمة والمصاب جلل؛ بأُفول ذلك النجم الساطع من سماء "رياض القرآن" لكن هي سنة ماضية، وحكمة إلهية يعلمها سبحانه، فاللهم اجعلنا من الراضين بقضائك وقدرك.
وبعد مرور أسبوع على ذلك الفقد؛ استعنت بخالقي لأسترجع شيئاً من عبق تلك المآثر الجليلة التي سطرها شاب لم يجاوز السادسة عشر من عمره، أعجز بها بعض الكبار.
وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مُرادها الأجسام
فعزمت على كتاب بعض "التغريدات" المتتالية عن ملامح حياته - رحمه الله - وقد بدأت.
وما إن شرعت في الكتابة إلا وأجد أنه بوحٌ لاينضب وبحر لايجف! فهو حديث عن عبدالرحمن، فعدت لأروي بعضاً من فصول تلك السيرة العطرة, ذكرت منها أبرز الأحداث المهمة التي رافقته - رحمه الله - في رحاب القرآن ومجالس العلم.
لا أدري كيف أبدأ؟
وبماذا أبدأ؟
فسيرته - رحمه الله - مليئة بكل خصال الخير ومكارمه، وحسبي في هذه السُرُج ما عرفته وشاهدته أثناء صحبتي له؛ لأني على يقين أن الجميع يحبه وعلى مقربة منه، وقد يغيب عني من تلك المآثر ما يوجد عند غيري من أقرانه ورفقائه، وقد عرفت بعضاً منها بعد وفاته من بعض شيوخه وزملائه؛ مايزيد النفس بهجة ويبعث في القلب انشراحا.
عبدالرحمن أُنس النفوسِ, وقُرةُ العيون, أحبَه كل من عاشره لِما امتاز به من خلق جمِّ وأدب رفيع، تلك الابتسامة التي كانت لا تُفارقُ ثغره, وتلك البشاشة التي كانت لا تغيب عن ملامحه, وتلك المروءة التي كانت تدفعه دوماً وأبداً إلى الإسراع في خدمة إخوانه وأصدقائه, حسَنُ المعاملة، طيب المعشر, عهدته - رحمه الله - صافحاً عمن أساء إليه, معترفاً بجميل من أحسن إليه, يقابل الإحسان بأضعافه:
وعلى الفتى لطباعهِ *** سمةٌ تلوح على جبينهِ
نشأته:
عبدالرحمن أبصر النور في بيت علم وصلاح؛ أسرة مباركة عرفهم القاصي قبل الداني بطيب السجايا والمكارم, أهل خير وفضل، ثبتنا الله وإياهم على دينه حتى نلقاه, نشأ - رحمه الله - نشأة مختلفة عن بقية أقرانه, فتراه منذ صغره معتزاً بسمة أهل الصلاح, متجمِّلاً بالوقار والسكينة, يسابق والده وإخوانه إلى "روضة المسجد":
وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوده أبوه
المرحلة الابتدائية:
بدأ المرحلة الابتدائية في (مدرسة الأمير مشاري بن عبدالعزيز آل سعود لتحفيظ القرآن الكريم) إضافة إلى التحاقه بـ (مجمع رياض القرآن بجامع عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما- ) فأصبح يغدو ويروح بين رياض القرآن والعلم, باراً بوالديه, تميز بالذكاء والفطنة, محب للعلم ومجالسة العلماء، حريص على مرافقة والده للدروس والمحاضرات، تميز بشدة الحياء, عرفته منذ كان صغيراً طامحاً للإنجاز والتميز؛ فتجد الثناء العاطر يلاحق ذلك الشبل في مدرسته وحلقته, فرحم الله ذلك الثغر الباسم وتلك الروح الطاهرة.
المرحلة المتوسطة:
(العام الأول)
1433هـ
- بدأ ذلكم الشبل يكبر يوماً بعد يوم, يزداد تمسكاً بتلك المبادئ والقيم التي استقاها من معين والده ذلك "الشيخ الوقور", والأسرة الصالحة - نحسبهم كذلك والله حسيبهم ولانزكيهم على الله - وظل القرآن رفيقه وأنيسه، فأكمل تعليمه النظامي بين جنبات مدرسته السابقة, تحت إشراف أساتذة فضلاء في شتى العلوم, وخصوصاً ما يتعلق بـ {مواد العلم الشرعي } وفي مقدمتها القرآن الكريم, فعُرف عبدالرحمن بِحُسن الصوت والتجويد, يتميز بأداء فريد في تلاوة كتاب الله تعالى. فرحم الله ذلك الصوت الذي طالما ترنم بكلام ربه؛ فأغدق في قلوبنا من سلسبيله العذب، كم هو مؤلم عندما يأت محفل كبير وجمع غفير في ذلك المجمع القرآني المبارك؛ فلا ترى ذلك الشاب الذي طالما قُدم من بين أقرانه لجمال تلاوته وسمته! لكن الحمد لله أولاً وآخراً على ماقضى وقدّر. رب اجعله ممن يقرأ ويرقى ويرتق يوم القيامة ياذا الفضل والإنعام.
[تلاوة ندية لـ عبدالرحمن - رحمه الله - في الإذاعة المدرسية]
- انتقل - رحمه الله- إلى (القسم المتوسط) في الحلقة، وفي الأسابيع الأولى من الفصل الدراسي الأول لعام 1433هـ اُفتتحت حلقة خاصة في المجمع للطلاب المتميزين تُوسمُ بـ "حلقة الرائدة" ومشروع "الحلقات الرائدة" باختصار:
{هو مشروع قرآني مكثف لإتقان حفظ ومراجعة القرآن الكريم خلال ثلاث سنوات، يستهدف النُخب من طلاب المجمعات القرآنية وبمتابعة مباشرة من الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم} .
كان عبدالرحمن من أوائل المرشحين لتلك الحلقة مع صغر سنه؛ مقارنة بأعمار بقية زملائه المنظمين للبرنامج, وكان من آخر شيوخه في المرحلة الابتدائية الشيخ/ سعيد عبدالفتاح - حفظه الله - وعند انتقاله للمرحلة المتوسطة تتلمذ على يد الشيخ المقرئ/ محمود الطباخ - حفظه الله وأمد في عمره على طاعته - وقد اعتنى الشيخ محمود بذلك الشاب الذي برقت على جبينه أمارات النور والصلاح، وأولاه مزيداً من الاهتمام وبدأ يشحذ من همته ويشد من عزمه؛ فـ عبدالرحمن قد اعتاد كغيره من طلاب المرحلة الابتدائية على طريقة معينة في حفظ القرآن الكريم، لكنها ستتغير عند انضمامه للمرحلة الجديدة, وفي الوقت نفسه يواجه تحدٍ صعب يحتاج إلى بذل جهد ووقت لتحقيق هدفٍ أسمى وهو: حفظ كلام الله في تلك المدة المحددة, وكان له ما أراد - لله الفضل والمنة -.
عزمٌ وثبات
ضرب - رحمه الله - أروع الأمثلة في الصبر والتحمل أثناء فترة انضمامه لتلك الحلقة، فكان قوي العزم في مواصلة المسير رغم المشاق التي واجهته، وخاصة في آخر عام1435هـ ؛ فقد كان الحمل أثقل, وكان يتألم لتخلّف عدد من زملائه عن ركب "الرائدة" لصعوبة الطريق، فصمد عبدالرحمن وعدد قليل من زملائه، ظل شامخاً متمسكاً بالعهد الذي أخذه عليه شيخه، فآنسَته النهايات وجمالها؛ مايعترضه من مشاق البدايات: ((إن الذين يتلُون كتاب اللهِ وأقاموا الصلاةَ وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانيةً يرجونَ تجارةً لن تبور* ليوفّيَهم أجورَهم ويزيدَهم من فضله إنه غفورٌ شكور )) [2]
أي نهاية أجمل من أن يلبس والديه {تاج الوقار}! (من قرأ القرآن وتعلّمه، وعمل به أُلبس يوم القيامة تاجاً من نورٍ ضوءُه مثل ضوء الشمس، ويُكسى والداه حُلتان لايقومُ بهما الدنيا, فيقولان: بما كُسينا؟ فيقال: بأخذ ولدكُما القرآن ).[3]
وأي نهاية أجمل من أن يأتِ القرآن الذي وعاه بين جنبيه؛ يشفع له عند ربه! روى الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجيءُ القرآنُ يوم القيامة فيقول: "يارب حَلِّهِ" فيُلبس تاجَ الكرامة، ثم يقول: "يارب زِدهُ"، فيُلبسُ حُلة الكرامة، ثم يقول: "يارب ارضَ عنه", فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق وتُزادُ بكلِّ آية حسنة)[4] لمثل هذه النهايات كان يشمِّر ذلك الشاب الطامح، صغير السن، كبيرالعزم والهمة، وأحسب أنه - إن شاء الله - صدق مع ربه فصدق الله معه:
لاتعجبنَّ من علو همتهِ *** وسِنه في أوان منشاها
إن النجوم التي تضيْ لنا *** أصغرها في العيون أعلاها
ولعلي أوُرد لاحقاً شيئاً من مواقف صبره وتفانيه في سبيل الحفظ والمراجعة شاهدتها أثناء مصاحبتي له في كثير من الأوقات عند شيخنا المقرئ/ محمود الطباخ- حفظه الله -. ياذا الفضل العظيم لا تحرمه فضلك، واجعله من أهلك وخاصتك.
في رحاب العلم
- أعود قليلاً إلى بدايات انضمام أخي الفقيد عبدالرحمن للقسم المتوسط في الحلقة، وبعد ترشيحه لـ "مشروع الحلقات الرائدة" بدأ القائمون على إدارة (البرامج العلمية) في المجمع - والتي تستقطب لبرامجها المكثفة كوكبة مميزة من الطلاب بهدف التحصيل العلمي والبناء المعرفي - بترشيح عدد من الطلاب المستجدين للفصل الجديد, وفي اجتماع يوم السبت 17/4/1433هـ رُشّح عبدالرحمن للانضمام في برامج ذلك الفصل، وقد التقيت به وبشّرته بانضمامه للبرامج العلمية وأشعرته بأن بدايته مع إخوانه ستكون يوم الخميس 22/4/1433هـ فَسُرَّ بهذا الخبر أيما سرور لأنه كان يرى أن هذه؛ هي القمة التي يجب أن يعتليها مع بقية زملائه وقد آن موعد الصعود ليجد من يعينه على طلب العلم، وينمي تلك المواهب الفذه التي حباه الله إياها، فبدأ مع زملائه في تلك البرامج الجادة بالإضافة إلى استمراره في "حلقة الرائدة" .
مشاركة قديمة بخط عبدالرحمن - رحمه الله - كتبها يوم الخميس 1433/6/5 هـ
- استمر - رحمه الله - في تلك البرامج العلمية؛ يشارك زملاءه الهمّ ويشاطرهم الهمّة، يُجل كبيرهم وصغيرهم، لاتراه إلا مطيعاً، ولاتسمعه إلا محفِّزاً أو مهنئاً أو مسليا؛ وكأني أرى تلك "المشاكسات" اللطيفة التي يُدخل بها السرور على نفوس إخوانه في لعبة (كرة القدم)، فـعبدالرحمن لا يهتم كثيراً بذهاب "الكرة" إلى ذلك (الهدف) بل كان قناصاً بارعاً في إرسال السعادة إلى قلوب إخوانه ومشرفيه، ببراءته المعهودة, وروحه الجميلة، وكان - طيب الله ثراه - رغم حداثة سنه وقصر المدة التي عاشر فيها الطلاب؛ قد حاز على مكانة كبيرة وحظ وافر من المحبة في قلوبهم, يتحلّقون حوله بعد نهاية كل درس، ويأنسون لحديثه الذي لا يخلو من توجيه أو نصح أو ملاطفة: (المؤمن يألَف ويُؤُلَف ...)[5] -أكمل عبدالرحمن مع إخوانه العام الأول - بالنسبة له - بفصليه (الأول و الثاني) وأتمَّ بحمد الله حفظ كتاب "الآداب" للشيخ/ فؤاد بن عبدالعزيز الشلهوب إلى جانب مشاركته معهم في حضور عدد من الدروس الإيمانية والمحاضرات العلمية عند عدد من المشايخ وطلبة العلم ولعلي أذكر بعضاً منها - بإذن الله - بعد نهاية الحديث عن (المرحلة المتوسطة).
[إحدى المشاركات لـ عبدالرحمن - رحمه الله - في الإذاعة المدرسية (قصة طريفة) ]
- من المواقف التي تبين علو همته - رحمه الله - وحرصه الشديد على فعل الخيرات أنه أتاني ذات مرة معاتباً؛ يطلب أن يكون ذلك البرنامج أسبوعياً لوجود متسع من الوقت ولقلة الارتباطات والأعمال لدى زملائه، وقد كان هذا البرنامج يقام يوم الخميس - في الأسبوعين مرة واحدة - وهو: أن يصوم جميع أعضاء (البرامج العلمية) ثم يشهدون الصلاة على الجنائز في أحد مساجد الرياض، ويتبعونها حتى تدفن، ثم ينطلقون بعد ذلك لزيارة المرضى في أحد المستشفيات ويدخلون السرور عليهم ببعض الهدايا، وفي نفس اليوم يُخرج كل واحد منهم صدقته سراً - ولو شيئاً يسيراً - فكان يرى عبدالرحمن أن هذه الأعمال هي بمثابة الزاد إيماني الذي يجب ألا ينقطع؛ تأسياً بأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - في الحديث المشهور الذي خرّجه مسلم وغيره, وجاء في آخره ذِكر فضلٍ عظيم لمن قام بتلك الأعمال: (... ما اجتمعن في امرئٍ إلا دخل الجنة). - وفي نهاية العام الدراسي 1433هـ كُرِّم عبدالرحمن كأحد الأعضاء المتميزين في ذلك العام، وكان تكريمه غير مستغرب؛ فالتميز يلاحقه في كل أمر من أمور حياته. اللهم أكرمه برضوانك، والفوز بجنتك وغفرانك. - وأشير إلى أن عبدالرحمن - رحمه الله - ومنذ دخوله المرحلة المتوسطة؛ كان لاينقطع عن القرآن حتى في (الإجازات الصيفية) فهو مرتبط بالشيخ محمود طوال أيام العام، فما إن ينتهي العام الدراسي إلا ويلتحق بالدورة القرآنية المكثفة في نفس المجمع، وكان نصيبه من الحفظ والمراجعة أكثر من بقية زملائه لالتحاقه بـ " حلقة الرائدة"، وإن عرض له سفر مع والده وأهله إلى (جنوب المملكة) فهذا لايعني انقطاعه عن الورد اليومي؛ بل كان يحمل معه خطة مفصلةً في الحفظ والمراجعة قام بإعدادها الشيخ - حفظه الله - وتكون متابعته مع شيخه عن طريق الاتصال.
(العام الثاني )
1434هـ
قيادة وتأثير
- انتقل عبدالرحمن مطلع العام الجديد 1434هـ إلى السنة الثانية من المرحلة المتوسطة، وشرع مع زملائه في القراءة والتعليق على كتاب "روضة الأنوار في سيرة المختار" لمؤلفه/ صفي الرحمن المباكفوري - رحمه الله - إلى جانب استمراره في حلقته، وأصبح عبدالرحمن أكثر حرصاً على زملائه في الحلقة ومن أشدهم بذلاً وتضحية، فكنت أرقبه في كثير من المواقف؛ يوجِّه زميلاً له في أحد جوانب المسجد، ويناصح الآخر عن خطأ بدر منه تجاه إخوانه أو معلميه, ولاشك أن الطالب في هذه المرحلة قد يعتريه مثل هذه التصرفات لكن ظل كبير العقل يُرشد إخوانه ويأخذ بأيديهم دون الحاجة إلى إخبار الإدارة أو مشرف الحلقة عن تلك الأخطاء، وهو في توجيهه تجده هاشاً باشاً طلق الوجه - كما عُرف عنه - فلا يملك زميله إلا أن يصغي له ولنصحه, وبدَأَت ملامح القيادة والتأثير التي انطلقت من ثقته بنفس وبما يملكه من قدرات ومواهب تظهر جلياً عليه؛ فقد بدأت أسرته الكريمة تُسند إليه بعضاً من شؤون البيت، وبدأ في قيادة السيارة والاعتماد على نفسه في الذهاب لحلقته ومدرسته. - انتهى الفصل الدراسي الأول من نفس العام، ودوَّن عبدالرحمن تميزاً إضافياً له في المجمع؛ فعبدالرحمن لم يتخلّف يوماً واحداً عن الحلقة أوالبرامج رغم تحمله لكثير من المسؤوليات، لا سيما الكبرى منها: "الحلقة الرائدة"
له هممٌ لا منتهى لكبارها *** وهمته الصغرى أجلُ من الدهرِ
- بدأ الفصل الثاني من نفس العام، ورُشّح عبدالرحمن قائداً لأحد المجموعات في (البرامج العلمية) وخالف بذلك الأصل المعمول به في البرامج؛ وهو أن قيادة المجموعة تكون لمن هو في العام الثالث، لكن تلك المواهب والقدرات التي يتمتع بها عبدالرحمن غيّرت تلك الأًصول والقواعد، وجعلته يتفوق على بعض أقرانه. - ظل - رحمه الله - قائداً لهذه المجموعة وحقق مع إخوانه في هذا الفصل تميزاً في الحضور وإنجاز المهام والواجبات المطلوبة؛ من تلخيصٍ للدروس، وإعدادٍ للبحوث في بعض أبواب السيرة, وكان - رحمه الله - أعجوبة في بذله لإخوانه وإيثارهم على نفسه؛ فعندما تقام منافسة بين المجموعات تجده يذهب لكل مجموعة ويلاطفهم ببعض الكلمات المحفزة، ويعرض لهم الخدمة فيما يحتاجونه؛ رغم أن "الجائزة" في نهاية المنافسة ستكون من نصيب مجموعة واحدة، لكن لم تكن تلك هي همته ولامبتغاه؛ بل كان يتمثّل في تعامله أخلاق نبيه صلى الله عليه وسلم، فرحمات ربي عليك تترى يانقي الفؤاد إلى يوم المعاد.
الأيام العلمية
- وفي يوم الخميس 23/5/1434هـ أقيم في المجمع (اليوم العلمي الأول) في السيرة, وكان إكمالاً لما بدأناه في كتاب "روضة الأنوار في سيرة النبي المختار" بدأ الدرس بعد صلاة الفجر وحتى الساعة العاشرة صباحاً, وقد تميزت أسرته في ذلك اليوم وشاركت بعدد من الفوائد ونالت نصيبها من التكريم الخاص باليوم العلمي، وقبل نهاية الفصل الدراسي شارك في (اليوم العلمي الثاني) والذي أقيم يوم الخميس 15-6-1434هـ وقد أتمّ عبدالرحمن مع بقية إخوانه دراسة ما تبقى من الكتاب قبل صلاة الظهر من ذلك اليوم، فلله الحمد على التيسير والإعانة.
كان درس السيرة يعقد في ذلك العام كل يوم سبت بعد صلاة المغرب، وكان - رحمه الله - من المواظبين على الحضور، بل لا أبالغ إن قلت أنه لا يتخلف عن الدرس مهما كانت الظروف؛ إلا أن يكون في خدمة والديه، وفي بداية كل درس تطرح أسئلة لمراجعة الدرس السابق؛ فيُظهر عبدالرحمن قدرة هائلة في استظهار الأحداث وسردها بالتواريخ, وذكر الفوائد المستفادة من تلك الأحداث, اللهم اجمعه مع نبيك وصحبه الكرام في مستقر رحمتك. - ومما عُرف به - رحمه الله - أنه كان مضرب مثل في الكرم والسخاء، فـعبدالرحمن تعلّم من والده وإخوانه تلك الأخلاق الفاضلة, وسار على نهجهم؛ يفرح بزيارة إخوانه له في منزله ويتفانى في إكرامهم والحفاوة بهم. -ومما لا أنساه في ذلك العام أيضا:
* أنه كان من أحرص الطلاب على حضور الدرس الأسبوعي والذي يقام في جامع عبدالله بن عمر (فجر الخميس) وكان لمدارسة أحكام التجويد, وتصحيح التلاوة لدى بعض الطلاب، فيصلي مع والده في مسجد الحي ثم ينطلق إلى الجامع للالتحاق في الدرس.
* في أحد رحلات نهاية الأسبوع: كان يتألم وهو يرى بعض الأخطاء التي تصدر من بعض زملائه لاسيما عند اشتداد المنافسة في لعبة (كرة القدم)، فيقوم عبدالرحمن بعد صلاة المغرب؛ ذلك الجسم النحيل، الذي يعلوه سمت العلم والدعوة، يدفعه إيمانه بربه وشفقته على إخوانه، فيسدي لهم من عباراته الجميلة ما يصوب به تلك الأخطاء، ما أعذبها من كلمات صادقة كان يرتجلها- أنار الله قبره - .
(العام الثالث)
1435هـ
- في هذا العام انتقل عبدالرحمن إلى السنة الثالثة والأخيرة له في (المرحلة المتوسطة) وأصبح على استعداد تام لمواجهة تلك التحديات؛ والتي تتمثل في تحمله لجزء كبير من مسؤلية البيت وخدمة الأهل، إضافة إلى قيادته لمجموعته في (البرامج العلمية) ناهيك عن التحدي الأصعب لتحقيق الهدف الأسمى؛ الذي كان يعكف طويلاً لأجل الوصول إليه وهو: إتمام حفظ كتاب الله تعالى على يد شيخه في " الحلقة الرائدة" فـعبدالرحمن وبقية إخوانه في هذه الحلقة يستفتحون عامهم الثالث والأخير حسب الخطة المرسومة لهم من قِبل الجمعية، وفي ظل هذه الظروف كان - رحمه الله - متوازناً يعطي كل ذي حق حقه، ملأ أوقاته كلها في نفع نفسه ومن حوله، فلا تراه إلا أمام شيخه يتلو كتاب الله، أو في المسجد يتدارس مع زملائه العلوم الشرعية أو مع أهله مشغولاً في خدمتهم.
رحلته مع المتون العلمية
- بدأ - رحمه الله- مطلع العام الثالث في [دراسة المتون العلمية] حفظاً وشرحاً:
* متن نواقض الإسلام للإمام المجدد/ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله-.
* متن "الأصول الثلاثة" و"القواعد الأربع" للإمام المجدد/ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله -.
* متن "الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية" للإمام النووي - رحمه الله-.
وكان من تيسير الله وتوفيقه لعبدالرحمن أن هيأ له حضور شرح متن "الأربعين النووية" عند فضيلة الشيخ المحدث/ خالد بن عبدالعزيز الهويسين - حفظه الله - يوم السبت الموافق 28/5/1435هـ في اليوم العلمي الذي نظمه معهد الشيخ سليمان القاسم - بحي الشفا- وقد بدأ الشيخ في شرح المتن من بعد صلاة الظهر، وأتمه بعد صلاة العشاء، فلله الحمد على تمام النعمة واكتمال المنة.
ثم أتمَّ بعد ذلك:
*متن "تحفة الأطفال" للشيخ/ سليمان الجمزوري - رحمه الله - وقد شرح المتن فضيلة الشيخ المقرئ/ محمود الطباخ - حفظه الله -. - ولا ريب أن القرآن قد أخذ النصيب الأكبر من وقته وخاصة في هذا العام، فأصبح يأتي إلى شيخه عصر كل يوم إلى ما قبل أذان المغرب بقليل ثم يعود إلى البيت، وفي الأيام التي لايكون فيها درس علمي بعد المغرب؛ يصلي ثم يعود إلى البيت مرة أخرى، وبعد الأذان ينطلق ليصلي العشاء في مسجد الشيخ/ محمود الطباخ - حفظه الله - وبعد الصلاة يجلس عبدالرحمن في حلقة "الجامعيين" والتي كانت ولازالت تحت إدارة الشيخ منذ أن أنشئت إلى وقتنا الحاضر، فيبدأ - رحمه الله - في إكمال ما تبقي من حفظه ومراجعته، وفي أحيانٍ كثيرة يكون آخر الطلاب خروجاً من المسجد لحرصه على إتمام القدر المحدد من الحفظ والمراجعة، فيودّع شيخه بابتسامته المعهودة ويمضي إلى بيته. - كنت أساعد شيخنا في متابعة طلاب "الحلقة الرائدة" وخصوصاً عبدالرحمن لأنه موعود بإتمام الحفظ نهاية هذا العام، فكنت أُكثر عليه الاتصال والسؤال، إضافة إلى أن هناك يوم خاص في نهاية الأسبوع بعد صلاة الفجر للمراجعة، وتعويض ما فات من الحفظ طيلة أيام الأسبوع؛ فوجدته صابراً، متفائلاً في كل أحواله، وعند مرضه تجده يعوّض ذلك اليوم بيوم آخر دون أن يطلب منه الشيخ ذلك . - في هذا العام: تجلت موهبة عبدالرحمن في التأثير وقدرته على القيادة؛ فأصبح عضداً قوياً لمشرفي البرامج، وقد عيّن مشرفاً على بعض اللجان في (رحلة مكة المكرمة) التي أقيمت في الفصل الثاني من العام 1435هـ. - وكان - رحمه الله - يدير لقاءات خاصة بقادة المجموعات في (البرامج العلمية) تهدف إلى دراسة بعض المقترحات النافعة وسبل الارتقاء بالمجموعات المشاركة، ومن ثم رفع تلك المقترحات لإدارة البرامج، فنفع الله بها نفعاً عظيماً. أسأل ربي أن يثقل بها موازينه.
لحظات خالدة
واقترب موعد تحقيق الحلم الذي طالما حدثني عنه - وكأني بذلك الصوت الهادئ المتدرّع ثقة ويقيناً بخالقه - يتهادى إلى مسمعي: "أريد أن أختم القرآن قبل انتقالي للثانوي" أنعِم بها من همةٍ سمَت بـ عبدالرحمن فلا يرى إلّا المعالي مكسباً ومتجرا، في عصر رضي بعض أقرانه من الشباب - إلا مارحم ربي - باللهو واللعب، والله المستعان.
أصبحت خطوات عبدالرحمن تتسارع يوماً بعد يوم، وعزمه يشتد لنيل ذلك المطلوب وهو أن يحوز على الخيرية الموعودة عند حفظه لكتاب ربه؛ كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)[6] وليصعد في الدنيا قبل الآخرة: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين)[7]، وفي عصر يوم الخميس الموافق 28-8-1435هـ كانت تلك اللحظات البهيجة لـ عبدالرحمن وأهله ومحبيه؛ بأن أتم على يد شيخه كتاب الله كاملاً تحت سقف "جامع عبدالله بن عمر- رضي الله عنهما -" بحضور والده وإخوانه وجمع مبارك من معلمي الحلقات وأولياء الأمور. فاللهم اجعل تلك الساعة وذلك الجمع شاهداً له يوم يلقاك، وأكرمه بشفاعتك، واحشره مع السفرةِ الكرام البررة.
- وبعد أن هيأ الله لـ عبدالرحمن حفظ كتابه؛ وضع له شيخه خطة جديدة للمراجعة تبدأ من شهر رمضان المبارك في نفس العام 1435هـ ثم سافر في أثناء الشهر مع أهله ووالدَيه إلى جنوب المملكة، وقد قُدّم - رحمه الله - للإمامة في صلاتي التراويح والقيام فيما تبقى من الشهر.
جانب من ختمته - رحمه الله - (فيديو)
إنما المرءُ حديثٌ بعدَهُ
- رحل عبدالرحمن عن المرحلة المتوسطة وقد وضع له أثراً مباركاً، وإرثاً كبيراً من صور التضحية والبذل، شارك في العديد من الملتقيات العلمية والأنشطة الدعوية، إلى جانب بعض المشاريع الخيرية مثل: "تفطير الصائمين" و "توزيع زكاة الفطر" مع جماعة المسجد، ومساهمته الفاعلة مع زملائه في "مشاريع السقيا"، إلى جانب حضور الدروس العلمية والمحاضرات لعدد كبير من العلماء والمشايخ.
- ومما دونته لـ عبدالرحمن من المشاركات النافعة في (البرامج العلمية) خلال هذه المرحلة مايلي:
حفظ وشرح كتاب "الأداب" للشيخ/ عبدالعزيز الشلهوب (درس أسبوعي طيلة عام1433هـ).
شرح شروط "لا إله إلا الله" (درس).
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (درس).
الشمائل المحمدية (درس).
الإتزان في حياة المسلم (درس).
الولاء والبراء (درس).
الثبات على الدين (درس).
حفظ اللسان (درس).
دراسة كتاب " روضة الأنوار في سيرة النبي المختار" (درس أسبوعي طيلة عام 1434هـ).
سيرة الإمام الحسن البصري - رحمه الله - (درس).
آداب متعلم القرآن (درس).
الهمة في طلب العلم (درس).
خطر الذنوب والشبهات على الفرد والمجتمع (درس)
"الشاب الداعية" مصعب بن عمير- رضي الله عنه - (درس).
الهمة العالية (درس).
ضعف الإيمان: أسبابه وعلاجه (درس).
شرح حديث: "ياغلام إني أعلمك كلمات..."(درس).
شرح حديث: "ثلاثٌ من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ..." (درس).
أحوال السلف الصالح مع الصلاة (درس).
شروط قبول العمل الصالح (درس).
ترجمة الصحابي الجليل: عبدالله بن عباس - رضي الله عنه- (درس).
أشراط الساعة الصغرى (درس).
"الأسباب المعينة للقيام لصلاة الفجر (ندوة).
"دور الشاب المسلم في بيته" (ندوة).
"قواعد وأساليب نافعة في حفظ كتاب الله" (ندوة).
"مهارات التفكير" (دورة تدريبية).
"الخطيب المفوّه" (دورة تدريبية).
"مهارات النجاح" (دورة تدريبية).
المرحلة الثانوية:
(العام الأول)
1436هـ
- يدلف عبدالرحمن إلى (المرحلة الثانوية) تتنامى في نفسه آمالٌ جِسام لخدمة دينه وأمته بعد أن شرّفه الله بحمل كتابه الكريم, وكفى به فضلاً وتكريما؛ فقد روى الحاكم في "المستدرك" من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ القرآن فقد استَدرَجَ النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه...)[8] الحديث .
ظل عبدالرحمن مرافقاً لشيخه حتى بعد انتقاله للـقسم الثانوي في الحلقة، واستمر في مراجعة القرآن إلى جانب التحاقه بـ (البرامج العلمية) وأكمل مع زملائه ما بدأه في المرحلة المتوسطة من دراسة للمتون العلمية, فبدأ مطلع هذا العام في دراسة متن "كتاب التوحيد" للإمام المجدد/ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - .
- استمر - رحمه الله - مع زملائه في تلك البرامج الجادة وشارك في العديد من الندوات، والدورات التدريبية، فبَدَت تلك المهارات أكثر نضوجاً من ذي قبل, وأصبح - رحمه الله - ركناً ركيناً، وابناً باراً لـ (مجمع رياض القرآن) فكانت له إسهامات موفقه، من آخرها: المشاركة في تنظيم الحفل الختامي لـ"ملتقى أشبال ديراب2" والذي أقيم نهاية هذا العام للأشبال الملتحقين بالحلقات - تحت إشراف إدارة المجمع - .
نظرة الوداع لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
- شارك - رحمه الله - في الرحلة الأخيرة له مع زملائه إلى مدينة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد كان مسؤلاً عن (اللجنة الاجتماعية) في تلك الرحلة، فكان يفرح بتقديم الخدمة لإخوانه والبذل لهم، وكان من برامج الرحلة: زيارة فضيلة الشيخ/ صالح بن عواد المغامسي - حفظه الله- في منزله، وكان عبدالرحمن على موعد مع "لحظة احتفاء خاصة" وهي أن يحظى بتلك الهدية الثمينة التي تسلّمها من يد الشيخ - حفظه الله - الذي طالما تمنى لقاءه والجلوس معه.
- أكمل الفقيد - رحمه الله - الفصل الثاني بخطوات ثابته، ونفس واثقة مطمئنة، يزداد رجاحة في العقل, ولباقة في المنطق، توسم الجميع في عبدالرحمن مستقبلاً مشرقاً في نفع أمته في سبيل العلم والدعوة، لم لا؟ وهذا الفتى قد أطَر نفسه على حب القرآن وتحصيل العلم الشرعي منذ نشأته، فأصبح مثالاً صالحاً يحتذي به من حوله من أقرانه وجلسائه، لكن ليقضي الله أمراً كان مفعولا؛ فقد كان- رحمه الله - يقضي آخر أيامه معنا في هذا العام.
عبدالرحمن وهمّ الأمة
في الفصل الدراسي الثاني من هذا العام؛ فُتح المجال لجميع المنتسبين للبرامج باختيار مواضيع للكلمات الارتجالية التي سوف تُلقى بعد الصلوات - خلال رحلات نهاية الأسبوع - وقد بدأ الجميع بالتفكير لاختيار الموضوع المناسب؛ إلا عبدالرحمن فلم يتردد في طرح موضوعه الذي قال بأنه كان يفكر في طرحه منذ فترة، وكان بعنوان :"مـــاذا قدمتَ لأمتــــك؟ " هذه آخر همومه قبل رحيله، وتلك آخر كلمات ارتجلها - رحمه الله - أمام زملائه بعد صلاة العشاء من يوم الجمعة الموافق 19/7/1436هـ.
فتىً لايضمّ القلبُ همّات قلبهِ *** ولو ضمَّها قلبٌ لما ضمَّهُ صدرُ
- ولعله من المناسب عند ذكر أحداث العام الأخير للفقيد؛ إيراد شيء من تلك المشاركات التي كانت آخر عهده بزملائه في (البرامج العلمية):
الدعاء: فضله وأهميته (درس).
حسن الخاتمة (درس).
ترجمة الصحابي الجليل: خالد بن الوليد - رضي الله عنه - (درس).
شرح حديث ثوبان - رضي الله عنه- (درس).
شرح حديث "أصحاب الصخرة" (درس).
آداب الأخوة وآفاتها (درس).
الالتزام الأجوف (درس).
آثار الذنوب (درس).
أهمية الوسط الطيب للشاب المسلم (درس).
قسوة القلب (درس).
الحسد ومظاهره السيئة (درس).
يوم تبلى السرائر (درس).
قصة موسى- عليه السلام - في سورة القصص (درس).
سيرة العلامة ابن باز - رحمه الله - (درس).
بر الوالدين "نماذج مشرقة من سِيَر السلف الصالح، والسِيَر المعاصرة" (درس).
وقفات مع أول "10 آيات من سورة المؤمنون" (درس).
خطوات ومداخل الشيطان (درس).
"الثبات في زمن المتغيرات" للشيخ الدكتور/ خالد البكر - حفظه الله- (محاضرة للشيخ أقيمت يوم الأربعاء 6/4/1436)
خوارم المروءة (درس).
"أخلاقيات التعامل مع التقنية والاعتناء بتطوير الثقافة العامة" (جلسة حوار).
"الأعمال الممكن إقامتها سراً في هذا العصر" (ورشة عمل)
"ضرورة التسلح بالعلم الشرعي في هذا العصر واستغلال الوسائل الحديثة في ذلك" (جلسة حوار)
مهارات التفكير - برنامج الكورت - (دورة تدريبية).
الخرائط الذهنية في المواد الدراسية (دورة تدريبية).
مهارات التواصل الاجتماعي (دورة تدريبية).
بوصلة الذات (دورة تدريبية).
اللهم اجعل تلك اللقاءات والدروس، وما وعى فيها من خير وعلم؛ شافعة له يوم يلقاك يا ذا المنّ والعطاء.
شيوخه:
- كان لمشايخ عبدالرحمن بعد التحاقه بالمدارس النظامية والحلقات؛ أثر بالغ في شخصيته - رحمه الله - فاستكملوا ما بدأه والده وإخوانه من بناء صالح رصين لذلك الشبل - ديناً وخُلُقاً - فقد دفعوا بـ عبدالرحمن منذ صغره إلى ميادين القرآن والسنة، فتشرّب قلبه حبّا لكتاب ربه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وازداد انتماؤه لمجالس الذكر والعلماء.
- تتلمذ عبدالرحمن على يد مشايخ فضلاء في (مدرسة الأمير مشاري بن عبدالعزيز آل سعود لتحفيظ القرآن الكريم) وكذلك في حلقته (مجمع رياض القرآن) ومن هؤلاء المشايخ: مدرسة الأمير مشاري بن عبدالعزيزلتحفيظ القرآن الكريم:1
1. الشيخ/ عبدالإله السريع - حفظه الله - .
2. الشيخ/ عثمان الخنين - حفظه الله - .
3. الشيخ/ عبدالرحمن الفاضل - حفظه الله - .
4. الشيخ/ عبدالرحمن الدوسري - حفظه الله - .
5. الشيخ/ سعد القعود - حفظه الله - .
6. الشيخ/ محمد العليان - حفظه الله - .
مجمع رياض القرآن بجامع عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - :
1. الشيخ/ سعيد عبدالفتاح - حفظه الله - .
2. الشيخ المقرئ/ محمود الطبّاخ - حفظه الله - .
3. الشيخ/ أحمد إبراهيم - حفظه الله - .
4. الشيخ/ محمد عبدالعزيز - حفظه الله - .
وفاته:
توفي - رحمه الله - صباح يوم الاثنين الثاني من شهر ذي القعدة عام 1436هـ إثر حادث مروري على طريق قرية (تباشعة) التابعة لمركز وادي بن هشبل - بجنوب المملكة - وأُسعف إلى مستشفى "المدني" بخميس مشيط، وهناك فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها سبحانه، وصلي عليه بعد صلاة العصر في جامع قرية (الحيمة) ودفن بمقبرة "حبكان"، وكان - رحمه الله - قد خرج ذلك الصباح في خدمة والديه بعد أن صلى الفجر مع والده وإخوانه في مسجد القرية. ويالها من خاتمة حسنة طُويت بها صفحات حياته المشرقة.
وقفات مع بشائر الخاتمة
البشارة الأولى: أن آخر كلمة نطق بها - رحمه الله- هي "كلمة التوحيد" كما نقل ذلك الشاب/ محسن بن محمد الأسمري والذي باشر حادث الفقيد، ويروي لنا والد عبدالرحمن أنه أثناء تغسيله - رحمه الله- كان رافعاً سبابته، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي ذر- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد قال لا إله إلا الله؛ ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة). ومن أحب شيئاً مات عليه؛ كما قال ابن القيم: "فمن كان مشغولاً بالله وبذكرهِ ومحبته حال حياته؛ وجد ذلك أحوج ما هو إليه عند خروج روحه إلى الله"[9] اهـ. فاللهم أمِّنهُ يوم الفزع, واحشره في زمرة المقربين، وارفع درجته في عليين. البشارة الثانية: أن آخر أعماله - رحمه الله - قبل وفاته كانت كلها طاعةً وقربةً لله تعالى، وأي طاعة أعظم من أن يشهد المسلم صلاة الفجر جماعة مع المسلمين! (من صلى الصبح فهو في ذمة الله...)[10] الحديث . وأي طاعة أجلّ من أن يخرج المرء في طاعة والديه ثم يرحل عن الدنيا وقد رضوا عنه! (رضا الله في رضا الوالد...)[11] الحديث. وهذا من كرمه سبحانه بأن وفقه لتلك الأعمال الفاضلة في آخر لحظات حياته ليقبضه على خير حال، فقد جاء عند الامام أحمد في مسنده: (إذا أراد الله عز وجل بعبدٍ خيراً عسَّله، قيل: وما عَسَلُه؟ قال: يفتح الله عز وجل له عملاً صالحاً قبل موتِهِ، ثم يقبضه عليه)[12]. البشارة الثالثة: توليه لإمامة المصلين في شهر رمضان المبارك وإسماعهم لكلام الله، فعن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثةٌ لا يهولُهم الفزع الأكبرُ، ولا ينالهُم الحساب، هم على كثيبٍ من مسكٍ حتى يفرغ من حساب الخلائق: رجلٌ قرأ القرآن ابتغاء وجه الله تعالى، وأمَّ بهِ قوماً وهم راضون ...)[13] الحديث . البشارة الرابعة: تواطؤ كثير من الرؤى الصالحة عن عبدالرحمن بعد وفاته، والرؤى الصالحة من المبشرات كما بوّب البخاري في صحيحهِ:{باب المبشرات} وساق فيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة).
و روى الترمذي عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ((لهم البُشرى في الحياةِ الدنُيا وفي الآخرة لاتبديل لكلماتِ الله ذلك هو الفوزُ العظيم)) فقال: (هي الرؤيا الصالحة يراها المسلمُ أو تُرى له).[14]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في "منهاج السنة" بعدما ذَكر حديث أبي الدرداء: "... فإذا تواطأت رؤى المؤمنين على أمرٍ؛ كان حقا، كما إذا تواطأت رواياتهم أو رأيهم، فإن الواحد قد يغلط أو يكذب وقد يخطئ في الرأي، أو يتعمد الباطل، فإذا اجتمعوا؛ لم يجتمعوا على ضلالة، وإذا تواترت الروايات أورثت العلم، وكذلك الرؤيا" .اهـ
البشارة الخامسة: أن عبدالرحمن عُرف بخصال عظيمة حال حياته، ورد فيها فضل عظيم من المتفضل سبحانه، على لسانه نبيه صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ..."[15] وذكر منهم: شابٌ نشأ في طاعة الله , ورجلٌ قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقها عليه, ، فاللهم إنّنا نشهد أنه نشأ في طاعتك، وقلب ببصره كتابك، وقضى جُلَّ وقته بيت من بيوتك، وأحب إخوانه فيك، فآمن يارب فزعه، وأظله في ظل عرشك .
عاجل بشر المؤمن
من عاجل بشرى المؤمن في الدنيا؛ أن يضع الله له القبول والمحبة في قلوب الناس، وهذا فضل من الله محض، ودلالة على محبة الله لذلك العبد، فيعجّل له البشرى في الدنيا بهذا الثناء والرضا من الناس، ويدّخر له في الآخرة جزيل الثواب، وأحسب - إن شاء الله - أن أخي وحبيبي عبدالرحمن من هؤلاء المؤمنين الذين أحبهم الله ورضي عنهم وأرضا عنهم الناس، جاء عند الشيخين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب اللهُ العبدَ نادى جبريل: إن الله يُحب فلاناً فأحببه, فيحبُّه جبريل، فينادي جبريلُ في أهل السماء: إن الله يُحب فلاناً فأحبوه، فيحبُّه أهلُ السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض )[16]. وقد روى الامام الترمذي هذا الحديث، وزاد: [فذلك قول الله: ((إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ سيجعلُ لهم الرحمنُ وُدّا )) ].
قال السيوطي - رحمه الله- عند شرحه للحديث: " أي: هذه البشرى المعجلة دليل للبشرى المؤخرة إلى الآخرة"[17] اهـ .
وعندما فسًر العلامة ابن كثير قول الله تعالى: ((إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ سيجعلُ لهم الرحمنُ وُدّا)) قال - رحمه الله -: "يخبر الله تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات في قلوب عباده الصالحين مودة؛ وهذا أمر لابد منهُ ولا محيد عنه"[18] اهـ .
ولما بدأت في كتابة هذه الورقات عن ملامح فقيدنا - رحمه الله - كان لزاماً علي أن ألتمسَ شيئاً من تلك المشاعر الصادقة، والأشجان الغزيرة، التي خلَّفها رحيل عبدالرحمن، فحفَر بتلك السجايا الحميدة ذكرى متينة, وأثراً طيباً في قلوب المحبين, فهنيئاً لك يا ريحانة الفؤاد ما نلته، وتقبّل المولى منك ماقدمته، وأنزل لُطفه بتلك القلوب التي ما فتئت تذكرك عند رؤية مصحفك، وروضة مسجدك، قلوبٌ كانت تنتعش وتستفيق على سؤالك وتفَقدك، رب اجمعنا به في جنتك, وأكرمنا وإياه بشفاعة نبيك - صلى الله عليه وسلم- واجعله ووالديه وأهله ممن يستظل تحت ظل عرشك, يا ذا الفضل والمنة .
قالوا عن الفقيد
(1)
أبدأ تلك المشاعر برسالة أبوية حانية، تفيض حزناً وكمداً على رحيل عبدالرحمن وهي لفضيلة شيخنا الشيخ المقرئ/ محمود الطبّاخ - متعه الله متاع الصالحين - والذي لا أشك بأنه أكثر من تألم لفقد عبدالرحمن بعد والديه وأهله، فقد كان له أثر بالغ على شخصية عبدالرحمن وولعه بالقرآن، فكان عبدالرحمن لايفارق الشيخ إلا في أوقات يسيرة، تعلّم من شيخه الكثير منذ أن لازمه في عام 1433هـ حتى قبل وفاته -رحمه الله -، فجزاه الله عن عبدالرحمن خير ما جزى والداً عن ولده، ومعلماً عن تلميذه:
" عبدالرحمن أسأل الله أن يكون فاز بجنات الخلد فهو من أهل القرآن - أحسبه كذلك ولا أزكيه على الله - فقد حلمت له بكل شيء إلا أن أفتقده ... سبحان الله !
حلمت له بأن يكون إماماً يؤتم به في الصلاة؛ فقد كان حسن الصوت، قسوت عليه كثيراً في حلقة القرآن، وما قسوت عليه إلا ليكون كما أردت له، وكما حلمت له، وقد كان - بفضل من الله- . بدأ يكبر وبدأت أشعر بعقله وبرفقه وببره، والله ما كنتُ أشعر أني أحبهُ لهذا الحد إلا بعد أن فقدتُه، أسأل الله له المغفرة والرحمة ولا نقول إلا مايرضي ربنا: إنا لله إنا إليه راجعون " .
(2)
رسالة من مدير (مدرسة الأمير مشاري بن عبدالعزيز) الأستاذ الفاضل/ سعود بن مقعد القحطاني حين سألته عن عبدالرحمن - رحمه الله - :
بسم الله الرحمن الرحيم
" سألتني ياشيخ خالد عن الطالب/ عبدالرحمن الأسمري - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - وجزاك الله خيراً على ما تقوم به، فأقول وبالله التوفيق:
يشهد الله أنك جددت حزني عليه في هذه الساعة، فمن هو عبدالرحمن الأسمري؟ ليس طالباً عادياً في مدرسة فحسب؛ بل كان من أميز الطلاب أخلاقاً وأدباً وحياءً، يحترم الكبير، ويقدّر معلميه، وكنا كإدارة مدرسة ومعلمين نعامله هو وبعض إخوانه كزملاء معنا في العمل لا كطلاب؛ لتعاونهم معنا ولأدبهم وأخلاقهم العالية.
والحقيقة أن العام الذي كان يدرس فيه عبدالرحمن - رحمه الله- (الثالث متوسط) كان عاما متميزاً عن بقية الأعوام، لأن ذلك الفصل كان فيه مجموعة من الطلاب على مستوى كبير من الأدب والالتزام وحب الأعمال الخيرية.
تميّز عبدالرحمن - رحمه الله - بتلاوته للقرآن الكريم، فقد فقدنا برحيله صوتاً جميلاً كان يتغنى به بالقرآن ، عبدالرحمن لن أنساه.. فقدجعل لنفسه مكاناً مرموقاً في ذاكرتي وذاكرة معلميه وزملائه بأدبه وأخلاقه واحترامه, وذات مرة أخرجه وكيل المدرسة من فصله وأرسله للإدارة بسبب خلاف بسيط بينه وبين أحد زملائه، فتركت زميله وأخذت أعاتبه رغم أني لم أتحقق من هو المخطئ! لكن لأني لا أريد أن أراه مشاركاً في خلافات الطلاب؛ لأني اعتدت عليه زميلاً لا طالباً، ووالله إني لا زلت أذكر وسأزال أذكر ذلك الوجه المضيء، والرأس الذي طأطأهُ خجلاً من كلامي حتى حارت دموعه في عينيه؛ فأدنوته مني وقلت له: ((قسوت عليك لأني أحبك)) ولن أنسى تلك النظرات التي والله وأنا أكتب هذه الورقة أجبرتني على أن تذرف دموعي.
نزل خبر وفاة عبدالرحمن - رحمه الله- عليّ كالصاعقة ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا جل وعلا، فله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بقدر. اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً منها، وإنا لله وإنا إليه راجعون. رحمك الله يا أبامحسن، وسامحك الله يا أباحمود وعلى ما فعلته بي في هذه الظهيرة, ولكن عزائي أني كلما دعوت له سألت الله أن يجعله شفيعاً لي معه يوم القيامة؛ لحسن ظني بالله فقد شرفني سبحانه بتعليم هذا الشاب الذي عرفت منه كل خصال الخير، تغمده الله بواسع رحمته وجميع موتى المسلمين، وأن يجعله ممن يقرأ ويرتق يوم القيامة, اللهم اجعله شفيعاً لأمه وأبيه وأقاربه ياذا الجلال والإكرام " .
(الشيخ/ عثمان الخنين - معلم سابق بمدرسة الأمير مشاري بن عبدالعزيز آل سعود لتحفيظ القرآن الكريم ) .
(5)
"درسته سنوات عديدة, فكان نعم الطالب المحب للخير والقرآن, يارب اغفر له وارحمه واجمعنا به ووالدينا في جنتك".
(الشيخ/ عبدالرحمن الفاضل - معلم سابق بمدرسة الأمير مشاري بن عبدالعزيز آل سعود لتحفيظ القرآن الكريم ) .
(6)
"شهادة حق؛ مانشأ في شباب قبيلتنا أحد مثله، وهو أول من حفظ القرآن من شبابنا، وأول من أمَّ المصلين للتراويح في هذا السن - رحمه الله - "
(الشيخ/ حسن الحمامي - باحث دكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - ).
(7)
" فقيدنا الغالي عبدالرحمن الأسمري - رحمه الله - كان مشروع عالم رباني، وداعية صالح يخدم أمته ويقدم لها الكثير، فلقد كان من أهل القرآن حفظاً وعملا، ومحباً لأهل العلم، متفوقاً في دراسته خاصةً في العلوم الشرعية منها، عاجلته المنية وهو في طريقه هذا فنسأل الله أن يحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في جنة الخلد، ونحن معهم بفضله ورحمته، إنه ولي ذلك والقادر عليه "
(الشيخ/ أحمد إبراهيم - معلم في المرحلة المتوسطة والثانوية بمجمع رياض القرآن- ).
(8)
" كان عبدالرحمن -رحمه الله - متّقد الذهن، وكان متميزاً في دراسته بالإضافة إلى تميزه في حفظ القرآن الكريم، وكان رحمه الله يتميز بالأدب الجم وباحترام أساتذته ومشايخه، أسال الله أن يغفر له ويرحمه، وأن يجمعنا به في أعالي جنان الخلد، وأن يصبر والديه وأخوانه ...آمين " .
(الشيخ/ سعيد عبدالفتاح - معلم في المرحلة الابتدائية بمجمع رياض القرآن سابقاً - ).
(9)
" من علو همة هذا البطل أنه في آخر تسميع له في الحلقات؛ كان هناك اختبار للجمعية، وفي العادة كنا نوقف الطلاب عن الحفظ من أجل المراجعة والاستعداد للاختبار، إلا أنه أبى أن يتوقف واستمر في المراجعة التي بدأها سابقاً من سورة البقرة، فأنهى خمسة أجزاء من سورة التوبة إلى سورة الكهف، وقام بتسميعها عندي خلال أسبوع واحد فقط، وفي نفس الوقت سمع القدر الذي سيشارك به في اختبار الجمعية من سورة الناس إلى سورة مريم, ومن بِره بي - رحمه الله - : كنت قد نويت الحج مع بعض الزملاء في العام الماضي 1435هـ وفي يوم 20 من شهر ذي القعدة كان لقاؤهم خارج الحي الذي أسكن فيه، وعلم عبدالرحمن أني سأذهب فأبي إلا أن يوصلني بسيارته مع أنه في ذلك اليوم كان لدى والده ضيوف في البيت، وقال لي بهذا اللفظ:"لو أردتني أن أوصلك إلى مكة فأنا مستعد لذلك" فابتسمت له وفرحت بذلك، وبالفعل جهز سيارته وأتى عند باب البيت قبل أن أنتهي من تجهيز متاع السفر، وظل منتظراً عند الباب حتى انتهيت، وأقسم ألا أحمل شيئاً من الأمتعة وقام بحملها بنفسه. كان خفيف الظل، بهيّ الطلة، حسن الصوت، يحب العلم ويكثر من السؤال، كنت أحبه وكأنه ابناً لي، كم كان خبر وفاته مؤلما! غفر الله له وأسكنه الفردوس " .
(الشيخ/ محمد عبدالعزيز - معلم في المرحلة المتوسطة والثانوية بمجمع رياض القرآن - ).
(10)
" عبدالرحمن - رحمه الله - رغم صغر سنه كان قائداً لزملائه وموجهاً وناصحا، كان يحب خدمة من حوله، وكان لحفظه القرآن في سن مبكر أثر في تحفيز بقية زملائه, غفر الله له وجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة "
" رحمك الله ياعبدالرحمن، كم كنت محباً ومعجباً بآرائه، رغم صغر سنه؛ إلا أن فِهمه ونظرته وكأنك أمام كهل علَّمته الحياة؛ طموحاته – آماله – أهدافه – أفكاره. كان رحمه الله يُشير ويقترح عليّ أموراً أعجب من ملاحظتِه إياها. عبدالرحمن صاحب نفسٍ تواقة، يارب أسكنه الظلل، وألبسه الحلل في أعلى عليين مع النبيين والصديقين "
" عبدالرحمن لم يكن مجرد طالب في الحلقات بل كان أخاً للجميع، يبذل من وقته لزملائه، كنت أقيم بعض المسابقات الثقافية فأعجب من حماسه العالي وبث روح التفاعل في نفوس إخوانه، تميّز باهتمامه بحفظ القرآن ودراسة العلوم الشرعية,كان يضحي من وقته لخدمة إخوانه وتلمس حوائجهم في مجموعة البرامج وكذلك الحلقات. رحمك الله يا من كنت بهجةً وضياء لحلقاتنا المباركة"
(أ.عبدالمحسن العنزي - مشرف تربوي بمجمع رياض القرآن - ).
(13)
" كان رحمه الله يعاتبني إذا رأى مني خطأً، كان يحب لأخيه ما يحب لنفسه، صاحب خلق حسن مع الناس ويحب عمل الخير ومساعدة الناس، كان صاحب ابتسامة رائعة مهما كانت ظروفه، عبدالرحمن كان صاحب همة عالية منذ صغره؛ أراد أن يختم كتاب الله ويلبس والديه تاج الوقار وها قد حقق حُلمه، رحل وهو حامل للقرآن، فرحمك المولى يافقيدنا الغالي "
(الطالب/ نايف القحطاني - صديق لعبدالرحمن وزميله في الحلقة والبرامج العلمية - ).
(14)
" كان رحمه الله محباً لأصدقائه؛ يسعى لما ينفعهم ويسعدهم، وكان حريصاً على السنن الرواتب، وكان كل ما أخطأ أحد من أصدقائه في أمر ساعده وصوّبه, رحمه الله رحمة واسعة "
(الطالب/ سالم القحطاني - صديق لعبدالرحمن وزميله في الحلقة والبرامج العلمية - ).
(15)
" عبدالرحمن كان أخي الذي لم تلده أمي، افتقدته وافتقدت ابتسامته، افتقدت تلك الكلمة التي كان يسمعني إياها دائماً ((الله يصلحك)) رحل من كان يرحب بي عندما التقيه بأجمل العبارات وألطفها، رحل من كنت أذهب وإياه سوياً للحلقة، سأفتقده والله لأنني لا أذكر أني تغيبت عن الحلقة إلا وأجد عبدالرحمن يتصل بي ويسألني عن سبب غيابي، ما أجملها من ذكريات؛ كنت أجلس معه بعد الصلاة فيسألني عن الاختبارات في المدرسة والإنجاز في الحلقة، يستقبلنا بابتسامة طيبة، ونفس منشرحه، عبدالرحمن فاز بالدنيا والآخرة بإذن الله؛ فقد حفظ القرآن ودرس في حلقاته صباحاً ومساءً وأحبه الجميع، اللهم اجعمني به في دار كرامتك، واجعل القرآن شافعاً له ولوالديه...آمين " .
(الطالب/ سعد القحطاني - صديق لعبدالرحمن وزميله في الحلقة والبرامج العلمية - )
همسة ختام
همسة ختامٍ لهذه السرج المضيئة أهمسها في أذن كل شاب محبٍ لـ عبدالرحمن عرفه حال حياته أو بعد موته:
قد قرأتَ في هذه الأسطر سيرة عطرة لهذا الشاب الصالح، وأثراً مباركاً خلَّفه بعد رحيله، غادر الحياة بعدما قضى أيامها ولياليها في ركب القرآن وأهله، كان يعمرها بالصلاة والذكر لله عز وجل فذاق بذلك لذة الطاعة والأنس بالله عز وجل كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية: "إن في الدنيا جنة؛ من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة" ، فاصدُق النية يا أُخي مع ربك، واعزم على رشد أمرك, والتحق بالركب الميمون؛ ليرفع الله ذكرك في الدنيا والآخرة ويخصك بفضله وإنعامه، ويسخر لك من عباده المؤمنين من يدعو لك بعد موتك؛ ويذكرك بخير كلما رأى مصحفاً أو دخل مسجداً؛ فالصحبة الصالحة خيرها دائم لا ينقطع إلى يوم الدين.
وإليك يا طالب الحلقات:
عرفت الطريق فالزمه، ولا تضيع جادته فتخطفك الأهواء بكلاليبها، وإياك والفتور عن مواصلة المسير؛ فالعمر قصير، والعاقبة حسنة إن أخلصت نيتك لربك في حفظك لكتابه العزيز، وأخذك من معين سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم- والجأ بالدعاء إلى خالقك بأن يثبتك ويزين الإيمان في قلبك؛ ولتكن سيرة زميلك - رحمه الله - وقوداً وأُنساً لك في طريق القرآن والعلم؛ لتنفع دينك وأمتك. أجارك ربي من الهوى والزيغ ومضلات الفتن.
رحم الله فتىً هذب الدينُ شبابه
ومضى يزجي إلى العلياء في عزم ركابه
مخبتاً لله صــير الزادَ كتابه
وارداً من منهل الهادي ومن نبع الصحابة
إن طلبت الجود منه فهو دوماً كالسحابة
أو نشدت العزم فيه فهو ضرغام بغابة
جاذَبَته النفس للشر فلم يبد استجابة
متق لله تعلو من يلاقيه المهابة
رقّ منه القلب لكن زاد في الدين صلابة
م للأرض يمحو عن محياها الكآبة
ثابت الخطو فلم تُطف الأعاصير شِهابه
جربته صولة الدهر فألفت ذا نجابة
اللهم يا أرحم الراحمين أقل عثرته، واعف عن زلته، وعِده بحلمك؛ فإنه لا يرجو غيرك، ولا يثق إلا بك، وأنت واسع المغفرة، اللهم أجر أهله في مصيبتهم، وأعقب لهم خيراً منها في الدنيا والآخرة، اللهم اجمعنا به جنتك، وأكرمنا وإياه ووالديه وأهله بظل عرشك, واجعل القرآن شفيعه وأنيسه في قبره, رب لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، واقبضنا إليك وأنت راض عنا يا رحمن.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله, والحمد لله رب العالمين.