د. صنهات العتيبي
: drsunhat
ازدادت هذه الايام وتيرة الحديث عن تدخل روسي مختلف في عمق الأزمة السورية. فالإدارة الأميركية تقول إن لديها معلومات مؤكدة عن وصول جنود روس الى الأرض السورية ومشاركة طيارين روس فعليا بمساعدة النظام الأسدي المتهالك. من جانب أخر، ذكرت الاستخبارات الإسرائيلية أن روسيا قامت بنقل مئات من التجهيزات العسكرية المصممة لإعالة عدد كبير من الجنود إلى قواعد عسكرية في الساحل السوري والى مطارات خاضعة لنظام الأسد قرب دمشق.
عناوين الصحف وتقارير الوكالات عن النشاط المتزايد للعسكرية والدبلوماسية الروسية، مبهرة بتصريحات بوتين المستفزة وأكاذيب لافروف المعتادة! تدل على تحول استراتيجي في المنطقة وفي شكل الصراع وفي طريقة التعامل مع الأزمة، فما هي رسائل الدب الروسي؟
التدخل الروسي في أزمة سوريا ليس جديدا، ولا يمكن لأحد أن يقول أن روسيا تستأنف الآن دعمها للأسد فقد وقفت روسيا بجانب نظام الأسد بالثورة السورية وبدونها! كذلك لا أحد يستطيع ان ينكر التطور الذي حصل في المعالجة الإعلامية للأزمة السورية حتى بدا وكأن من خلفها «رسائل» يجب ان تصل الى الشعب السوري والعرب وتركيا والشعوب المخدوعة في أوروبا وأمريكا وغيرها! فعلا لقد طرأ «تغير جوهري» على أجواء الأزمة السورية وطريقة التعامل معها خاصة بعد الظهور المفاجئ لأزمة اللاجئين على سواحل أوروبا وكأن تهجير السوريين وليد اللحظة! ثم جاء هذا التأكيد المتكرر والمتزايد والمعلن حول واقع المشاركة الروسية على الأرض وفي السماء، وكأن صاحب المخطط يريد من العالم أن يتقبل أمرا سيحدث!
الإشارات الروسية المتوفرة تؤكد وجود رغبة روسية إيرانية مشتركة، وموافقة أمريكية مبطنة، لتأمين بقاء نظام الأسد بكل وسيلة ممكنة! وعند «الربع ساعة الأخيرة» من الصراع كما ذكر لافروف تريد روسيا وإيران، وأمريكا الصامتة، تمكين نظام الأسد من الاحتفاظ بمناطق تواجد العلويين في الساحل السوري. هذه المنطقة تعتبر استراتيجية جدا للدب الروسي فهناك القاعدة الروسية في طرطوس والحلم الروسي العتيد بالوصول للمياه الدافئة. وهي أيضا منطقة حيوية للوحش الإيراني وتشكل حيزا مجتزأ من حلم بناء الهلال الشيعي وتطبيقا حرفيا لاستراتيجية مد الأيادي الصفوية الملوثة الى عمق القلب العربي الجريح، وهناك من سيقول تسلم الأيادي!! أما بالنسبة لأمريكا فتشكل الدولة النصيرية في الساحل حجرا إضافيا تلقيه في بحر الصراع الطائفي ووقودا خالصا يتم ضخه في استراتيجية تقسيم المنطقة الى كانتونات طائفية تعيش على القتل بالهوية وتؤسس لحرب مائة عام دموية في الشرق الأوسط الجديد!
الرسالة الأهم للروس ستكون توضيح الهدف لمن لا يستطيع أن يرى أو كانت على عينيه غشاوة ليبرالية! الهدف الأسمى لهذا الحراك يتمثل في ضرورة إلحاق هزيمة بالقوى الإسلامية وإرجاع المارد الإسلامي الذي يحاول الاستيقاظ الى المخدة! لقد أصبحت سوريا بالنسبة لروسيا والغرب بمثابة خط دفاع متقدم في وجه تمدد الحركات الجهادية الإسلامية وقد كان لها تاريخ حافل لا تقوى الذاكرة الروسية على تجاهله. الاستراتيجية المشتركة للدب الروسي والعم سام، ومعهم الصديق الإيراني! تقضي بمواجهة جميع حركات الإسلام السني وإن كان الحديث يقتصر فقط على تنظيم الدولة بصفته الشماعة التي لم يخلق مثلها شماعة لتبرير حرب دينية لا حدود لهمجيتها طالت الشعب السوري المنهك فأصبح اليوم يتحمل وزر أحداث وذكريات وقعت قبل عشرات وربما مئات السنين!
من ناحية اخرى، من الواضح جدا ان الدبلوماسية الروسية تحاول تأكيد «استراتيجية الاحلال» وذلك بالتوجه قولا وفعلا نحو استبدال «القوة على الأرض لمواجهة تنظيم الدولة» التي ظلت أمريكا تبحث عنها أربع سنوات وزيادة لتكون «نظام الأسد» نفسه بلحمه وشحمه ودمه الذي ليس فيه دم! بالأمس قال لافروف وهو لا يمزح «الجيش السوري هو القوة الأكثر فاعلية لمواجهة التهديد الارهابي على الأرض»! الرسالة الروسية المعلنة هي ضرورة دمج نظام الأسد في منظومة الحرب على تنظيم الدولة ويقضي ذلك بإحلال حلف جديد في قلبه النظام الأسدي عوضا عن الحلف العربي الأمريكي الذي خفت عنترياته الى الحد الأدنى! وأزمة اللاجئين التي طرأت فجأة جديرة بإقناع بعض الأوروبيين الذين لا يفهمون هذا من النوع الاستراتيجيات الجهنمية!
وهناك رسالة ودية! من روسيا للعالم فحواها ان موسكو لم تخسر موقعها كقوة عظمى تخبر العالم علنا بتمددها وتدخلها في هذه الدولة او تلك، إياك أعني وأسمعي يا أوكرانيا! وكذلك تفعل إيران وتتدخل في العراق وسوريا علنا وتتقبل واشنطن كل ذلك بأريحية مستغربة ثم ترسل طائراتها بدون طيار لتقصف أعداء هذا الفريق في إدلب وحلب وفي عموم الخارطة العربية الممزقة! هل تحدث هذه التطورات خدمة للتحالف المخفي (بين أمريكا وروسيا وإيران ونظام الأسد)؟ في سياق «دوخة اقتصادية» أصابت الأوربيين وفي ظل غيبة للتحالف المعلن (العربي الأمريكي) والذي من الواضح أن أمريكا توجهه لتحقيق هدف واحد محدد عنوانه «القضاء على الجماعات الإسلامية وبقاء الأسد»!
الروس يقولون بوضوح «نحن هنا»! ونحن اللاعب الدَولي الأول في الساحة السورية ورسالتهم لتركيا تقول «المنطقة الآمنة» شمال سوريا لا بد أن تصطدم بالمنطقة الآمنة للعلويين في الساحل السوري، دبروا حالكم! وسيسمع صدى هذه الرسالة العرب أو بعض العرب الذين يحاولون عمل شيء لإيقاف نزيف الدم السوري وإيقاف جنون البراميل المتفجرة التي تلقى على رؤوس الأطفال! حسنا، هل الرسالة واضحة؟ الروس يقولون حتى في حالة سقوط مطارات الأسد فسيلقي البراميل طيارون روس لا تأخذهم في اطفال المسلمين لومة لائم، ولا تسأل عن غروزني! وقد يستعير العرب كلمة زين العابدين الأثيرة «فهمتكم» بعد فوات الأوان!!
المواضيع المتشابهه 
د. صنهات بن بدر العتيبي.. رسائل الدب الروسي.. ما المضمون؟ 
العرض الشجري
