خالد بن عبدالعزيز العتيبي
لم يعد يفصلنا عن إعلان الموازنة العامة للمملكة سوى نحو شهرين ونصف الشهر وفيه تُعلَن الأرقام الرسمية التي سيتحدد على ضوئها مسار أهم القنوات الاستثمارية وتحديداً سوق المال.
وجميع مستثمري السوق المالية السعودية يدركون بأن السوق واجهت ضغطاً بيعياً يوصف بالعنيف منذ فترة، وذلك تأثراً بهبوط أسعار النفط واضطرابات الأسواق المالية العالمية، وانخفضت على إثره مستويات الأسعار والمؤشرات الرئيسية والقطاعية. ولا يستبعد أن تواجه السوق ضغطاً جديداً ومقبلاً نتيجة النظرة المتشائمة التي يحملها البعض حول أرقام الميزانية العامة للمملكة جراء هبوط أسعار النفط، وبالتالي تراجع الدخل الرئيسي وانعكاس ذلك على خفض الإنفاق على المشروعات في جميع القطاعات.
ولا يخفى على أحد أن جميع أسواق المال في العالم لا تخلو من دهاء المضاربين والمحافظ الكبيرة والتي تتشكل كقوى رئيسية لتحركات الأسعار، ودائماً ما يدفع ذلك الدهاء إلى هبوط مفتعل بأسباب وذرائع، يليه صعود مفتعل بزوال تلك الأسباب والذرائع، وفي كلا الحالتين فإن المستفيد الأول هم راسمو سياسات الهبوط حين يحسنون اقتناص صفقات الأسهم بأفضل الأسعار، وهم أنفسهم راسمو سياسات الصعود حين يبيعون بأفضل الأسعار. لذا فمن المحتمل أن يتم إعداد السوق لهبوط مفتعل خلال الفترة القادمة فيما لو بقيت أسعار النفط على تقلباتها الحادة، وذلك ترقباً لما سيُعلَن في الميزانية العامة للدولة من عجز، حيث سيتم استخدام ذريعة العجز المالي نتيجة أسعار النفط المنخفضة حالياً، والخوض في حديث عن تأثيرات خفض النفقات على المشروعات وذلك ليستخدم كوسيلة ضغط على السوق المالية.
درجة الحذر ومستويات الوعي من الانسياق خلف أي هبوط مفتعل للسوق يجب أن ترتفع، لأن الحقيقة هي عكس ما سوف يخرج من ذرائع، وهي أن السياسات المالية للمملكة في الأزمات المالية وأزمات تراجع أسعار النفط هي سياسات مثالية ورائعة، وتختلف عن كثير من الدول، وأتوقع أن تستمر على سياساتها الإنفاقية حتى لو كانت متحفظة، وأبني هذا الرأي بما أوضحته الملامح الرئيسية للميزانية في أعقاب إعلان ميزانية العام الجاري، حيث أوضحت: أن للمملكة سياستها المالية المعاكسة للدورات الاقتصادية لتقوية وضع المالية العامة للسنوات القادمة، وكذلك ضمان مواصلة اعتماد المشروعات التنموية والخدمية الضرورية للنمو الاقتصادي والاستفادة من بناء الاحتياطيات المالية عند انخفاض الإيرادات في الأعوام اللاحقة.
ومثل تلك الملامح تعزز الثقة بأن اقتصاد المملكة بالفعل اقتصاد مستقر ومتين وينمو نمواً حقيقياً حتى لو انخفضت الإيرادات.