السعودية وتركيا وتلاقي المصالح من جديد
رغم أنّ الأمور كانت تسير برتابةٍ وتوتُّر بين البلدين خلال فترة قريبة بسبب دعم السعودية الكامل للسلطات المصرية الجديدة التي جاءت بانقلاب على الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان محمد مرسي، ووقوف تركيا ضد ما يحدث في مصر وإيوائها لقيادات الإخوان، إلَّا أن العلاقات بين البلدين بدأت في شهود انفراجات عديدة خلال الشهور الماضية، بالتوازي مع خفوت العلاقات بين الجانب السعودي والمصري من جهةٍ أخرى، مع تولي الملك الجديد سلمان -بتياره الذي يخالف التيار السابق في عهد الملك الراحل عبدالله-.
شهدت العلاقات بين البلدين تقاربًا على المستويات الدبلوماسية والعسكرية أيضًا. يمكننا أن نذكر هذه التقاربات ذات الدلالات القويَّة في نقاط مختصرة:
في مارس الماضي أعلن الرئيس التركي عن دعم تركيا لعاصفة الحزم في اليمن. والتي تقودها السعودية ودول عربية أخرى. كما أكد أنَّ تركيا على استعداد لتقديم الدعم اللوجستي للسعودية. الخارجية التركية قالت في بيانٍ لها أنّ السعودية أطلعت أنقرة على العملية مسبقًا. ما يعني أنّ التنسيق بين البلدين وصل مرحلة كبيرة من التقارب.
كانت أمريكا وتركيا قد أعلنتا عن اتفاق لتدريب المعارضة السورية المعتدلة في فبراير الماضي. ولكن في يونيو الماضي أعلن وزير الخارجية التركي مولود شاوش أوغلو أن برنامج التدريب والتسليح للمعارضة السورية المعتدلة سيستكمل قريبًا بضمّ كلٍ من السعودية وقطر والأردن، في تنسيق عسكري استخباراتي واسع أيضًا.
في سبتمبر الماضي وتماشيًا مع الخط التعاوني بين البلدين، بينما كانت أغلب الدول المناهضة للسعودية ترمي عليها باللوم في حوادث مقتل العديد من الحجيج هذا العام، خرج الرئيس التركي ليقول أنه ليس من الصواب الإصرار على إظهار المملكة السعودية بمظهر المذنب في حادث التدافع في مشعر منى.
بعدها بشهر، وفي يوليو الماضي أعلنت السعودية وتركيا عن اتفاقية تعاون عسكري بينهما، تركيا كانت قد دخلت سوق السلاح السعودية من خلال شركة «أسلسان» التركية للصناعات الدفاعية، عبر توقيع اتفاقية مُمثَّلةً في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وشركة تقنية الدفاع.
بعد كلّ هذه المقدِّمات، يمكننا قراءة الزيارة التي قام بها رئيس الأركان السعودي لنظيره التركي في إطارها الصحيح. فالتعاون العسكريّ بين البلدين قد بدأ منذ أكثر من ستَّة أشهر مع عملية عاصفة الحزم التي أبدت تركيا ترحيبًا بالتعاون اللوجيستي فيها. الزيارة الرسميَّة تُمثِّل بالطبع ارتفاعًا ملحوظًا في مدى الشَّراكة والتعاون العسكري بين البلدين. فمن ناحية باتت السعودية تتعامل عسكريًا مع تركيا عبر شراكات مع الشركة التركية سابقة الذكر، ومن ناحية تدعم تركيا والسعودية نظرية إسقاط الأسد من أية تفاهمات مستقبلية، كما يتفقان على تدريب المعارضة العسكرية “المعتدلة”، فهل ستشهد السعودية وتركيا شراكات أعمق؟ هذا ما تخبرنا به الزيارة الاخيرة لرئيس الأركان، وإن كان الجانبان لم يعلنا أيّ شيء عن الزيارة حتى الآن. جدير بالذكر أن الرئيس التركي هاتف الملك سلمان وأمير قطر تحدثوا -خلال المكالمة التي تمت الجمعة- عن رؤيتهم جميعًا لحلّ قضايا المنطقة.
في سياقٍ آخر –لكنه متصل– كانت قطر وتركيا عقدتا اتفاقية تعاون في مجال التدريب العسكري والصناعة الدفاعية وتمركُز قوَّات تركية على الأراضي القطرية. عُقدت الاتفاقية في ديسمبر الماضي، وتمّ سريانها والبدأ بالعمل بها في يونيو الماضي. في حواره مع شبكة سي إن إن أكَّد وزير الخارجية القطري أن قطر ستتدخل عسكريًّا في سوريا إذا اضطرَّت لذلك، هذا الحوار منشور الأربعاء الماضي 21 أكتوبر.
الآن مع حديث تركيا أن قطر ستكون من ضمن الدول التي ستتبنى تدريب المعارضة السورية هي والسعودية والأردن، يبدو أنّ تركيا تحاول بناء محور لها في المنطقة، ومع تزايد التعاون بين قطر والسعودية من جهة، وتركيا من جهة أخرى.
مصر والسعودية، و«الخلاف» من جديد؟!
لم يبدُ غريبًا ولا غير متوقعًّا أن تكون مصر على الطَّرف الآخر من السعودية في عدَّة ملفَّات، وهو ما يتحدث عنه المحللون والخبراء منذ عدَّة شهور. فبدايةً من 1- ملفّ اليمن الذي دعمت فيه مصر السعودية في عاصفة الحزم، لكنَّها وأثناء المشكلة العالقة بين السعودية والحوثيين ترسل سفيرًا جديدًا يؤكِّد أنّه آن الأوان لإقامة شراكة إستراتيجية بين مصر واليمن، كما استقبل وفدًا للحوثيين كذلك، 2- في سوريا يبدو النظام المصري حليفًا لروسيا وإيران (يمكن الإشارة هنا إلى أن سيرجي لافروف طلب أن تكون المحادثان بينه وبين الطرف الآخر متوازنة بوجود مصر وإيران)، فالنظام المصري أعلن سابقًا أنه على استعداد لرعاية حوار غير مشروط بين النظام والمعارضة، بعض التقارير تحدثت أكثر عن اتصلات بين قصري الرئاسة في القاهرة ودمشق، وهو ما لا يعجب السعودية كذلك. 3- موقف مصر المتصالح مع حزب الله وإيران، وقد أعلنت إيران سابقًا إشادتها للدور المصري في محاربة الإرهاب، وأبدت رغبتها في أن تؤدي مصر دورًا أكبر في القضايا الإقليميَّة. 4- العلاقات المصرية الروسية والتي زادت مع صعود عبدالفتاح السيسي إلى سدة السلطة، حين زار الرئيس الروسي مصر، روسيا تعتبر السعودية ضالعة في المشكلة العالقة في سوريا كما تعتقد أنّها ضالعة في مشاكل قريبة من الأراضي الروسية.
بكلّ هذه المقدِّمات مع ما سبق من حديث عن تحالف تركي سعودي قطري لتدريب وتسليح المعارضة السورية في مواجهة نظام الأسد الذي تدعمه روسيا وإيران ومصر، ومع إصرار روسيا على إدخال مصر وإيران في المحادثات الجارية حاليًا بينها وبين تركيا والسعودية وأمريكا، لتكون المحادثات “أكثر تمثيلًا” كما قال وزير الخارجية الروسي، فإنّ الأوضاع في المنطقة وخريطة التيارات المتنازعة فيها يبدو أنَّها ستتغير قريبًا. ويبدو أنّ مصر تميل سريعًا وبخطى واسعة نحو روسيا في مواجهة تيَّار تركيا/أمريكا وبدرجة أقلّ السعوديَّة.
الموقف المتغيِّر لمصر جعل وزارة الخارجية الأمريكية متحيِّرة، فقد أصدرت بيانًا أعربت فيه عن حيرتها من موقف مصر الداعم للضربات الجويَّة الروسيَّة ضد الفصائل المسلحة في سوريا. إذن يمكننا الآن أن نعرف الأطراف بشكل أوضح كالتالي:
طرف ضدّ النظام ويتبنَّى التدريب والدعم العسكري للمعارضة المسلحة “المعتدلة”. يقف في هذا المعسكر: تركيا والسعودية وقطر والولايات المتحدة (الأردن بدرجة أقلّ).
طرف مؤيِّد للنظام، للضربات الروسية ضد معارضيه، روسيا بالطبع ومصر وإيران (بدرجة أقلّ حاليًا).