الليبرالي والعلماني يتلوّن في المعركة وفقاً لتقلّبات الطقس. يحاول الليبراليون والعلمانيون في الحروب، بخاصة تلك التي تخاض في العالم الثالث (كما يسمى) أن يحرزوا في أيديهم بوصلة للغيب، ولهذا فإنهم يتحدثون بلغة الكهّان، وهل يستطيع المتكهن أو قارئ الفنجان وخطوط اليد أو ضارب الرمل أن يتخذ موقفاً واضحاً من معركة؟ بالطبع، لا: لأن هذا التلوّن ينبني على الخلل الحتمي الذي يحيق به، وهو أنه لا يمتلك بوصلة للغيب.
وحتى حين تكون المعركة محتدمة، ولا بد من خوضها، فعندئذ –فقط- يظهر دعاة التعقل، والناهون عن المجازفة، والمحذرون من المغامرات غير المحسوبة، وبعد أن ينفث هذا القائل كل خوفه وقلقه في الجماهير المتحمسة، ويرى أنهم منصرفون عنه، ولا يصغون إليه، عندئذ يصيح بهم قائلاً: ما أنا إلا من الناصحين، وأنا أخشى عليكم في النهاية من خسارة المعركة، وإلا فإنني أتمنى أن تنتصروا وسأكون أول المهنئين.
من سمات الكثير من بني ليبرال وبني علمان في الحروب: أنهم حين تأتي الحرب يتخوفونها، وحين تأتي الفتنة يخوضونها (يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا* ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا). من سماتهم أنهم يخافون أن تفتنهم نساء العدو في الحرب، ثم يعودون ليتحرشوا بنساء المقاتلين في بيوتهم (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنّي ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين). أتذكر الآن أولئك الذين قالوا في حرب الخليج الأولى: لا تخوضوا في معركة من أجل الكويت، وأولئك الذين قالوا: لا بد من تحرير الكويت، لكننا سنحررها بالسياسة وسنقنع العالم بالصحافة وبالفن! وتركوا تحرير الكويت لرجال السياسة ورجال الحرب ورجال الدين.
وسيتذكر من سيأتي بعدي هؤلاء الذين قالوا في حرب القاعدة وداعش إنهم تكفيريون دمويون ومذهبهم باطل (وهذا حقّ)، وتأففوا ممن يقول إن الحوثيين تكفيريون ودمويون ومذهبهم باطل (وهذا حقّ)، ولم يكتفوا بذلك، بل تفرّغوا لمن يقول (هذا الحق) بالتهميز والتلميز. كل ما يريد هؤلاء أن يكون زعماء الدول التي يعيشون فيها نسخاً كربونية باهتة من أمين عام الأمم المتحدة، قصارى جهد الواحد منهم أن يقول: نحن نتابع المجريات بقلق، ولن نقف مكتوفي الأيدي.