🌸 قصة تحمل بين طياتها عظة وعبرة ..
فهل من معتبر ؟!
نسوق القصة بمناسبة مقطع صب دهن العود الملكي وغسل اليدين به
ومقاطع صب السمن على اليدين والاستعراض بكثرة الذبائح وأحجامها
ونحوها من مظاهر الاستخفاف بالنعم التي تستشري هذه الأيام
قال الراوي :
... وأطلت السيدة أم الأمراء ( اعتماد ) من قصرها الإشبيلي فرأت - عن بعد - نسوةً بدوياتٍ يخضن في الوحل والطين
فأعجبها منظرهنّ
وأرادت تجريبه فاستأذنت زوجها ملك إشبيلية الشاعر العاشق ( المعتمد ابن عباد ) في أن تخرج إلى ظاهر إشبيلية لتتمتع بالخوض في الطين مع بناتها !!
فمنعته رسوم السلطنة وهيبتها من أن يأذن لها في ذلك
غير أنه تعود أن لا يرفض لها طلباً
فمن فرط شغفه بها أصدر مرسوما إلى كل ( عطار ) بإشبيلية بأن يسوق كل ما لديه من عطر ومسك وأعواد طيب إلى قصر الملك بثمن يسيل له اللعاب
وقام الخدم بعجن المسك والأعواد بالعطور في باحة القصر الواسعة
فكانت أشبه بالطين والوحل إلا أن ماءه عطر ذو رائحة نفاذة
ثم نزلت ( اعتماد ) مع بناتها يخضنَ في الطين المُعطر ذهاباً وجيئة
وكان يوماً مشهوداً تسرب خبره من القصر إلى بيوتات الخاصة والعامة بإشبيلية والأندلس
وعلم الناس أي مكانة لاعتماد في قلب المعتمد
قال الراوي :
ولم يكن هذا السرف ليذهب دون عقوبة إلهية
فقد جاء ( ابن تاشفين ) والمرابطون وخلصوا الأندلس من تهديد النصارى القشتاليين ومن ( ملوك الطوائف )
ثم أخذوا المعتمد وزوجته اعتماد وبناتهما إلى الإقامة الجبرية في ( أغمات ) بالمغرب في ذل وهوان
ورأى فيه أصناف البؤس والتعاسة
حتى قيل : ( أخبار ابن عباد تذيب الأكباد ) !!
ولم تستسغ " اعتماد " حياة الفاقة ورأت ( الطين الحقيقي ) !!
وحصل أن تجادلت مع زوجها الملك الأسير ( المعتمد ) يوماً وتشاحنا حتى قالت له :
" منذ عرفتك ما رأيت منك خيراً قط "!!
فقال لها - بدهشة وألم - : ولا يَوْمَ الطِّين ؟!
فخجلت وسكتت !
ودخلت عليه بناته - وهو في السجن في قبو قذر ينضح ماء مع برودة شديدة سببت له المرض - في يوم عيد بأسمالٍ بالية رثة وكن يغزلن للناس بأجور زهيدة
حتى إن إحداهن غزلت لبيت صاحب الشرطة الذي كان في خدمة أبيها وهو في سلطانه
ولما رآهن أبوهن في أطمار رثة قال هذه الأبيات :
فيما مَضى كُنتَ بِالأَعيادِ مَسرورا ** فَساءَكَ العيدُ في أَغماتَ مَأسورا
تَرى بَناتكَ في الأَطمارِ جائِعَةً ** يَغزِلنَ لِلناسِ ما يَملِكنَ قَطميراً
بَرَزنَ نَحوَكَ لِلتَسليمِ خاشِعَةً ** أَبصارُهُنَّ حَسيراتٍ مَكاسيرا
يَطأنَ في الطين وَالأَقدامُ حافيَةٌ ** كأَنَّها لَم تَطأ مِسكاً وَكافورا
لا خَدَّ إِلّا تَشكّى الجَدبَ ظاهِرهُ ** وَلَيسَ إِلّا مَعَ الأَنفاسِ مَمطورا
أَفطَرتَ في العيدِ لا عادَت إِساءَتُهُ ** فَكانَ فِطرُكَ لِلأكبادِ تَفطيرا
قَد كانَ دَهرُكَ إِن تأمُرهُ مُمتَثِلاً ** فَرَدّكَ الدَهرُ مَنهيّاً وَمأمورا
مَن باتَ بَعدَكَ في مُلكٍ يُسرُّ بِهِ ** فَإِنَّما باتَ بِالأَحلامِ مَغرورا
وبعد حياة الترف عاشت اعتماد حياة البؤس ثم مرضت وماتت
ومات المعتمد ..
ومن عجائب الدهر أنه نودي على جنازته عندما مات : ( الصلاة على الغريب ) ..