بعد الانتصار الكبير الذي حققه حزب "العدالة والتنمية" -ذو التوجهات الإسلامية- في الانتخابات البرلمانية في تركيا، والذي فاق جميع انتصاراته في جميع الانتخابات السابقة التي خاضها ، وتعنت الأحزاب الثلاثة في المفاوضات بشأن "حكومة ائتلافية"، ولجوء الرئيس التركي للدعوة لإعادة الانتخابات، بدأ "العدالة والتنمية" بزعامة البروفيسور أحمد داوود أوغلو، مشاوراته مع الأحزاب الأخرى لصياغة دستور جديد للبلاد، بدلا من الدستور الحالي الذي تم وضعه عام 1982م، وهو الأمر الذي أعلن عنه الرئيس رجب طيب أردوغان، بعد فوزه في انتخابات الرئاسة من الجولة الأولى, رغم تكتل الأحزاب العلمانية والشيوعية والقومية والكردية ضده، وهو الأمر الذي أعطى لـ "أردوغان" الرئيس القادم بانتخابات مباشرة من الشعب، ليجسد طموح الشعب التركي في "دستور جديد"، يلبي ظروف المرحلة, والمتغيرات التي حدثت منذ عام 1982م حتى الآن، ويفتت "الأصنام" التي وضعتها بقايا المرحلة الأتاتوركية ، التي حاولت قطع الشعب التركي عن جذوره الاسلاميه، وأصوله الحضارية, وسلخ عن هويته وتشويه عقيدته، وتغريبه من أخمص قدميه حتى مفرق رأسه.
القوى العلمانية التركية تعرف تماما خسارتها الكبيرة من تعديل الدستور التركي، ولذلك شنت حملة شعواء على الرئيس أردوغان، وحزب العدالة والتنمية، وحاولت من خلال مكنتها الإعلامية الضخمة أن تقلب الحقائق، فزعمت أن "أردوغان" يريد من خلال تعديل الدستور، تكريس سلطته، وتوسيع صلاحياته واتهمت "العدالة والتنمية" بالديكتاتورية، ولكن الحقيقة التي أدركها الشعب التركي بعد فشل مفاوضات "الحكومة الائتلافية" على إثر الانتخابات البرلمانية التي لم يفز فيها العدالة والتنمية بالأغلبية، أن الأحزاب العلمانية والقومية تناور ,ولا تريد تحمل المسؤولية، لذلك كان شرطها الأساس رفض تعديل الدستور، أو صياغة دستور جديد يتلاءم مع ظروف ومتطلبات المرحلة.
والسؤال المحوري والأساسي لماذا ترفض الأحزاب العلمانية تغيير أو تعديل الدستور أو وضع دستور جديد، في الوقت الذي يُصر فيه "أردوغان" وحزب "العدالة والتنمية" على أن تعديل الدستور من أولويات المرحلة، بالنظر الى الواقع السياسي التركي، ونتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية خلال العقد الأخير، يدرك تماما أن الأحزاب العلمانية تتخوف من أي تعديلات للدستور ستفقدها أي مكاسب حصلت عليها خلال حقب السنوات المريرة الماضية، وتصنيم "أتاتورك"، وتقديسه، ورفع صوره في الدوائر الحكومية ووضع تماثيله في الحدائق والميادين، ولا يجروء أحد على نقد أتاتورك وتجربته المخيفة، ويحاول العلمانيون التمترس خلفها، بأنه "مؤسس تركيا الحديثة".
فهل ينجح الرئيس "أردوغان"، وزعيم حزب "العدالة والتنمية" أحمد داوود أوغلو، في وضع "دستور جديد" وإقناع الناخب التركي للتصويت لصالحه وضرب أخر معاقل العلمانية الأتاتوركية ؟