ما بين ( بِربِس )..و..( حكاية حسن )..حكايةٌ طويلةٌ جداً.
كتبها..صالح جريبيع الزهراني
حكاية بربس ستكون في الأخير ..دعونا نبدأ بحكاية حسن أفضل..
من المعروف أن مجموعة ( إم بي سي ) ومنها قنوات العربية والحدث وبروسبورت تعود ملكيتها لمواطن سعودي..ومحسوبة على الإعلام السعودي..ولكنها في الحقيقة ليست إلا مشروع تستِّرٍ تجاري آخر وبصيغة أخرى..مثلها مثل معظم شركاتنا ومؤسساتنا ومحلاتنا التجارية..فالمالك سعودي ويوظف بعض السعوديين ذرَّاً للرماد في عيون السعوَدَة ويقبل بفتات الأرباح..بينما الإدارة الحقيقية التي تقود دفة العمل وتجني الأرباح لجيوبها الخاصة هي من غير السعوديين..ولأن هذا التستر في مجال الإعلام فإن أثره سيكون أكثر خطورةً من مجرد فقد بعض الملايين أو بعض الوظائف.
ومن المعروف أن المدرسة الإعلامية والإعلانية اللبنانية التي تلهث خلف تقليد النموذج الإعلامي الأوروبي هي من تسيطر على السوق وعلى المشهد الآن في مجال الإعلام بمعظم دول الخليج..بعد أن تسلمت زمام الأمور من المدرسة المصرية التقليدية البالية التي لم تتطور حتى اليوم عن نظام ( بال وسيكام )..وصوت صرير العجلات أثناء (التفحيط) فوق التراب.
ولن يكون سرَّاً إذا قلنا بأن الإعلاميين اللبنانيين المارونيين خاصة ومعهم بعض اللبنانيين الدروز والشيعة هم من يشغل غالبية الوظائف الفنية والإدارية في وسائل الإعلام الخليجية التجارية على وجه التحديد..وهم من يقود توجهاتها الفكرية والسياسية..وهنا مكمن الخطر.
ولن يكون سرّاً أيضاً القول بأن الخليجيين في تلك الوسائل وحتى من يشغل منهم مناصب إدارية عليا ما هم إلا عرائس مسرح ودمى واجهات و ( خيال مآتة ) لا يهشَّون ولا ينشَّون..وفي أحسن الأحوال ليسوا سوى موظفي تبصيم وتختيم وإدارة شؤون موظفين بمسمى رؤساء تحرير ومدراء عموم.
وبما أن اللبناني ( عموماً ) يصاب بـــ( أم الرُّكب ) من مجرد ذكر حزب الزبالة وذكر حسن نصر إيران وحافظ وبشار النعجة وحزب الذبح السوري..فإنني لم أستغرب أن يأتي وثائقي ( حكاية حسن ) الذي عرض على قناة العربية مؤخراً بهذه الهشاشة وبهذه البلادة وبهذا الرعب من إظهار الحقيقة..بل إنني متأكد أنه لم يأتِ بمبادرة من أي إعلامي لبناني في قناة العربية وإنما جاء بطلب من جهةٍ ما..أو لشعور بالحرج والتقصير إزاء ( الشيخ ) الذي تتعرض دولته لهجوم حاد من إعلام إيران وأذنابها في سوريا والعراق ولبنان..( وليك يا زلمي بدنا نعمول شي ضد حزب ألله اللي عم يشتم السعوديي لا يزعل منا شيخنا )..ولا أستبعد أن تكون داخل القناة عناصر خففت ملوحة مادة الفيلم إلى هذه الدرجة من ( السماجة ).
لكنني أستغرب أشد الاستغراب دفاع بعض المثقفين عن قناة العربية ومدير عام قناة العربية في موضوع الفيلم تحديداً..وكأن همهم الأول ليس إظهار الحق وإنما الرد على الأخونجية والدواعش الذين سيهاجمون العربية أصلاً بسبب الفيلم ومن غيره..وقد أتى بعض مثقفينا بمبررات ( ترقيعية ) تتهم وعي المشاهد بالغباء وعدم إدراك الرسالة ( اللغز الخفية الماورائية الكونية) في هذا الفيلم العظيم..وعندما يفصحون عن تلك الرسالة العظيمة نجد أن مؤدَّاها هو إفهامنا بطريقة موضوعية ذكية إبداعية خرافية بأن حسن عميل لإيران.
الله أكبر..الله أكبر..ظهر الحق..وأخيراً كشف لنا هذا الفيلم العظيم بأن طفل الضاحية عميل لإيران..هيَّا نحتفل.
ألا يعرف هؤلاء المدافعون بأن هذه المعلومة تعرفها جدتي ( مزنة ) قبلهم؟!ربما لا يعرف هؤلاء الأذكياء الأفذاذ..فلنعذرهم..ولكن ألا يعرفون أيضاً بأن مدير عام قناة العربية ليس إلا ( خيال مآتة ) وأن كل مؤهلاته هي أنه كان سميناً فأصبح نحيفاً وألف كتاباً حول ذلك؟! لعلهم لا يعرفون..فلنعذرهم.
ولعلهم لا يعرفون أيضاً (كوثر البشراوي) التي ( خمخمت ) بسطار أحد جنود بشار الجحش بعد أن ملأت الدنيا وشغلت الناس في قناة إم بي سي..ولا (لونا الشبل) التي عادت من الجزيرة لفرع مخابرات دمشق اليوم الثاني من الثورة السورية..ولا يعرفون (غسان بن جدو) صاحب قناة الميادين..ولا يعرفون ولا ولا..
إن المتابع لبرامج قناة العربية ومجموعة إم بي سي لن يبذل جهداً كبيراً ليكتشف (اللبننة) الظاهرة فيها .. حتى على أزياء مذيعيها السعوديين ( الفُدغ ) وبعض ضيوفها..الذين(يستعرُّ) المخرج اللبناني من إظهارهم بالثوب السعودي حتى وإن كانوا مجرد محللي مباراة داخل ملعب بالرياض..فضلاً عن برامجها الأخرى التي لم يسلم حتى الثقافي منها من العنصرية اللبنانية مثلما تم تسخير برنامج كامل مثل ( نوافذ ) لتلميع المثقفين اللبنانيين قبل غيرهم..ولم تتبق (كهلة) لبنانية مثقفة وغير مثقفة لم يستضفها المذيع المثقف اللبناني مقابل ضيفين أو ثلاثة من السعودية ( لزوم الشغل )..بل حتى برنامج على خطى العرب المختص بالجزيرة العربية تحديداً لم يخضع للمراجعة العلمية الدقيقة..ووجدنا فيه الكثير من(السلق) والمغالطات والأخطاء التاريخية والمعلوماتية في مسميات الأماكن والأشخاص والأحداث والنحوية في لفظ الشعر وسرد الرواية..لأنه (تبعوون مش تبعنا).
أما نشرات الأخبار فإن عطسة ( جعجع ) أهم عند فريق تحرير العربية من بيان الديوان الملكي السعودي..وخروج ريتا مع (البوي فريند الجديد تبعَّعا) يذاع قبل خبر استشهاد جندي سعودي على الحدود.
ونحن نرى كل يوم كيف تحتفي مجموعة إم بي سي بكل هامشي ومهرج ومقزز في شوارعنا..وتترك إنجازاتنا وعلماءنا ومبدعينا ومشاريعنا وجامعاتنا وهمومنا الحقيقية..فتستضيف الأراجوزات وتفرد لهم المساحة وتتابع المنضبعين المنبطحين المأخوذين بأسوأ ما في الدنيا من أفكار ومظاهر من مسلوبي الهوية العربية من أبنائنا وتصنع منهم نجوماً ( بالهراوة )..وتعرض مساوئنا قبل محاسننا..وتهتم بأمور شكلية سطحية تافهة تسعى إلى تتفيهنا وتكريس الصورة النمطية عن السعودي البدوي الجاهل الغني المغفل..ليضمن طوني وجوني تفرده وبقاءه فوق رؤوسنا..ولعل من يطَّلع على الفتح السعودي العظيم الذي نشرته قناة العربية بعنوان (بربس) سيعي ما أقول..والمتمثل في شباب ( شيفات) يرتدون ثياب الهومليس ويرقصون على الروك آند رول مع شوية طِيْرَان..وعنوان يقول..رقصة سعودية تتجه للعالمية.
أما من شاهد فيلم حكاية الصغير حسن فليستح على وجهه وليخجل من نفسه حين يدافع عن مدير راقد ( راحت عليه ) وتسرب الماء من تحت رجليه .. وحين يدافع عن عمل تافه مهزوز بارد جبان لا يصدر إلا عن إعلاميين مرعوبين من حزب الزبالة..أو عملاء أغبياء له يحاولون إخبارنا بما نعرفه ويلمّحون لبطولاته وهم يفترضون فينا الغباء.
إنه لمن المؤسف حقاً أن نجد شباباً إعلامياً سعودياً مبدعاً تنتشر أعمالهم الوطنية الرائعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويفوزون في كل المحافل العربية والدولية بأفضل الجوائز..ثم لا يجدون أماكن لهم ليدافعوا عنا في قنوات يفترض أنها سعودية..والمؤسف أكثر أن إعلامنا الرسمي النمطي التقليدي البارد الباهت الذي ما زالت تسيطر عليه البيروقراطية وأفكار المحنطين في وزارة الإعلام..المتأخر دائماً في الدفاع عنا وعن قضايانا..لا يستطيع استيعاب هؤلاء الشباب ولا يستطيع أن يكون عند مستوى ديناميكيتهم وطموحاتهم وإبداعاتهم..والمحزن أكثر وأكثر وأكثر أننا ما زلنا نعتمد إلى اليوم على غيرنا ليذود عنا إعلامياْ رغم امتلاكنا للقدرات المادية والبشرية.