(خدمات ما بعد الموت).........
بقلم: محمد أحمد بارحمة
لا بد أن تموت لنعرف فضلك ونعاملك بإحترام فتلك (خدمات ما بعد الموت) ........
وكان لزاما أن يموت (فرمان الباكستاني)
الذي أنقذ 14 نفسا في سيول جدة ليعترف البعض أن ثمة خيرا في نفوس الأجانب..
يبقى بعض الناس في الدنيا كرصيف مهمل، لا يلتفت إليه أحد، فإذا مات فاضت المحابر والحناجر بالود المتأخر..بعض الود والإعتذار المتأخر فاقد لنصف قيمته كقهوة باردة..الود المتأخر هو عبارة عن
(خدمة ما بعد الموت) التي يجود بها الأحياء..ولو خرجت قبل ذلك لحقنت في الوريد جرعة رضا، ولأعشب بستان القلب........
يقول (ماجد): كنت أذهب مع أخي الأكبر إلى المدرسة وأنا طالب في المرحلة الثانوية، كنت لا أحبذ سماع الأغاني وأخي بالعكس مهووس بها، في كل صباح كنا نمرّ بمقبرة المعلاة بمكة وكان يغلق الصوت عند مرورنا بالمقبرة، وفي أحد الأيام سألته لماذا تغلق الأغاني عند مرورنا بالمقبرة؟ فقال نحترم الأموات!
قلت: والحي الذي بجانبك لماذا لا تحترمه وتغلقها طول ما هو معك؟! قال: يازينك ساكت..علمت حينها ان الناس تحترم الأموات ولو لم تعرفهم ولا تحترم بعض الأحياء وهي تعرفهم..ولست متاكدا ما إذا كان هذا من قبيل احترام الميت أم هي رهبة الموت؟..سمعنا بحيِّ تُخشى عليه الفتنة، ولم نسمع بحيٍّ يُخشى عليه من الحب والود..
لا أدري أكان لزاماً أن يحتاج الناس للموت ليخرج الذين حولهم من مشكلة الخرس العاطفي!!
لفحَ نجيب محفوظ برود الحاضرين فصاح: لا أحب الحب الصامت أخبرني بحبك!
بعض الغياب البسيط مندوب إليه كالسفر
لنجعل المشاعر تفيض وتقول ما ظل محبوسا في حجرة الفؤاد............
كُثُر أولئك الذين انتظروا كلمة لطيفة يتورّد منها القلب كلمة ظلت حبيسة في صدره تمنى لو أخرجها في زمن الإمكان..
(بروني) ممرضة استرالية عملت في رعاية المرضى الذين بقي على وفاتهم القليل لفشل الطب في تأخير الأجل المحتوم..كتبت عن أبرز خمسة أشياء تمنوا أن يتداركوها بعد أن كانت تسألهم ما أكثر ما ندمتم عليه في حياتكم؟..واحد من هذه الأشياء التي ندموا عليها (كنت أتمنى لو ملكت الشجاعة للتعبير عن مشاعري لأعيش في سلام داخلي نتيجة التعبير الصادق)..
الشيخ الأديب علي الطنطاوي عانى في مرضه واشتكى قلة زواره، وحين زاره مجموعة من دعاة الخليج فرح بهم وشكى الوحشة والوحدة، ....... كتب : "تمسكوا بأحبتكم جيدا (وعبروا) لهم عن حبكم فقد ترحلون أو يرحلون وفي القلب حديث وشوق"..
(خدمات مابعد الموت)..ظاهرة تهدف إلى تقديس الميت الذي كان مهملاً وهو حي..فهي من طريف الحياة الإجتماعية، سخِر منها علي شريعتي فحكى:
"مات جاري أمس من الجوع وفي عزائه ذبحوا كل الخراف"..!
خدمات ما بعد الموت:
تجعلنا نُجرّم كسر عظم الميت
وفي الحقيقة كسر عظم الميّت ككسره حيا..
(خدمات مابعد الموت)..حين نبارك قتل الحي ونقول الضرب في الميت حرام!
وردة واحدة أيها الأحياء لإنسان على قيد الحياة أزهى من باقة كاملة على قبره..
وكلمة في زمن الإمكان أجدى من مرثيّه بعد فوات الأوان..أذكروا محاسن أحيائكم
والفصْل بين احترام الحي والميت
علمانية في المشاعر نعوذ بالله منها..