تحيّة طيبة معطرة للزملاء الأماجد أعضاء المنتدى والسادة الكرام ضباط المنتدى ، ومبارك عليكم الشهر الفضيل .
وبعد
طلبت مني أم أولادي -أمد الله بعمرها- صباح اليوم الأحد بضع وريقات من الخس ، فجمعت علي ثيابي وتوجهت نحو المتجر فراعني ما رأيت ، منظر تقشعر منه الجلود وتصطك الركب ..
أمم وجماعات شتى من كل مكان وعربات تفيض وتترع بأصناف الطعام ، وأطفال وشيوخ ونساء ورضّع وزواحف وحشرات وأصناف من خلق الله يسعون في السوق ويملئون جنباته ..
تخاذلت أن اقتحم جمعهم واشق صفهم نحو الخضّار فنويت الرجوع ، ثم تراءت لي أم أولادي -سلمّها الله- وهي تقول : خس .. خ س !
فجبنت على العودة من غير حاجتها .
فتجاسرت وشمّرت وتحزمت ثم اقتحمت صفوفهم وشققت جموعهم ونلت من ذا لطمه ومن ذا ركله ومن ذا لكمه وشتيمة حتى استويت واقفا على رأس الخضّار ،
فلما قضيت حاجتي من السيد الخضار أردت الخروج وكان المنظر من الداخل أشد هيبة ..
تحزمت بعمامتي ودعوت الله مخلصاً بما فتح علي .. ثم لما عزمت على الانطلاق شعرت بخدي يرتطم بالأرض ، فقد دفعني أحدهم بقوة حتى استوى وجهي على الأرض .
فلما تفحصته وجدته رجل ضخم جسيم بطين لحيم شحيم سمين الضواحي ممتلئ البدن عظيم البسطة مديد القامة مفرط الطول كأنما هو ســاريــة ، قطوب الوجه اجتمعت فيه كل المقابح والعيوب .
وعن يمينه وشماله ومن فوقه ومن تحته ومن بين يديه أطفال من شتى الأعمار والاوزان والاحجام والألوان والاجناس . منهم من يسرق ومنهم من يبكي ويصيح ومنهم من يلعب ويضحك ومنهم من يضرب قرينة ومنهم من يتعلق بثوبه .
مرّ من فوقي هو وموكبه المبجل ولم يعقب وكأن الذي سقط على الأرض متاع فاسد .
وقفت وتأملت منظره وهو يقتحم الصفوف والناس من حوله مضطربين وقد تفرقوا وتشتتوا وتمزقوا وأمسوا ثغورا فتذكرت الدنيا والموت وعلمت أنّ مثله كمثل الموت الذي يخبط يده كل يوم في بيتٍ من بيوت الناس وينزع من بينهم روح كانت قبل ساعة تأكل وتشرب وتحب وتكره وتعد وتستعد وتنادي وتجيب وتصعد وتنزل وتصحو وتنام .
فزال غيظي وانجلى غضبي وسألت الله حسن الختام .