عندي زميل في العمل اسمه ماجد ، طبع الله على بصيرته وختم على قلبه وضرب على سمعه فتعرّف على فتاة عن طريق الانترنت ، وكان متحدث لبق عبق حسن العبارة ظريف المحاضرة حلو المحاورة عذب المفاكهة مليح النغمة أنزل الله على لسانه حلو الكلام كما ينزل المطر الغزير على الأرض ، فأعجبت به وتولعت فيه وظلت علاقتهم تكبر وتنمو يوماً بعد يوم حتى استقامت على قدمين ويدين ولسان وشفتين راسخة لا ينقصها سوى لقاء !
وبالفعل اتصلت عليه ذات ليلة وأخبرته بأنها في السوق الفلاني وطلبت منه أن يقابلها ، فظلّ يتقلب مضطربا حيرانا كأن الدنيا أُغلقت في وجهه وصكت ابوابها ، يسأل نفسه كيف سأقابلها ؟ ازعم أنها لو رأتني لانسلخ الحب الذي في قلبها واستحال كرهاً وبغضا !!
هل ستقبلني وأنا أقبح الناس صورة وأبشعهم منظرا ؟ هل سيصمد حبها لي مع دمامة وجهي وشناعته وفظاعته !.
أقسم بالله العظيم وكتابه الكريم لو قيل لأحدهم تهجأ كلمة " قبح " لقال : م اج د !
انطلق صاحبنا إلى السوق وتوجه نحو المكان الذي تواعدا عنده وظل يبحث عن شابة ترتدي حقيبة حمراء وحذاء أزرق كما اتفقا ، تفحص المكان يميناً وشمالاً .. ولم تر عينه الحقيبة والحذاء المذكورين آنفاً إلا على امرأة واحدة كانت بطينة بدينة ممتلئة باللحم والشحم كأنها نصف بقرة ..!
يقول ضحكت وقلت في نفسي : تخيل !! سبحان الله كم تحمل هذه الدنيا من صدفٍ عجيبة وغريبة ومريبة وكئيبة ومصيبة أيضاً !!
يقول: ثم واصلت البحث يميناً وشمالاً وتأملت خلق الله تأملا مليا وأمعنت في التنقيب وبالغت في الفحص وقلبت السوق ظهرا وبطنا وأرسلت نظري إلى كل مكان ولم اجد شيء في السوق يرتدي حقيبة حمراء وحذاء أزرق سوى نصف البقرة تلك !!
فتجاذبتني الظنون وتنازعت فيني الشكوك ثم قلت هذا غير معقول !!
فرفعت هاتفي واتصلت بها حتى اقطع الشك بسكين اليقين .. أنصف البقرة هذه هي فاتن عشيقتي ذات الصوت الفيروزي المحلِّق !!؟
فجأة رآها تنتفض وتدخل يدها في حقيبتها وتقلّبها ثم تخرج هاتفها وتجيب بسرعة : وينك يا عيوني تأخرت !
فاقشعر بدني وامتقع لوني وهتكت الحسرة قميص قلبي وباتت الندامة ملء ضلوعي فلم يخطر لي على بال بـأن عشيقتي فاتن .. عبارة عن كتلة لحمية تمشي على الأرض!
يقول : ولم ادر ماذا افعل فعدلت عن عزمي وأفقت من سكرتي وأقلعت عن غيي وأبصرت الرشد والهدى وطرق الخير المثلى وعزمت على الفرار ثم تذكرت اني لو تركتها سأجرح قلبها وستصاب بالحزن الشديد وشعرت برحمه تجاهها وتمنيت لو هي رفضتني ، فوجدتني مدفوع إلى لقاءها ومسوق إليها فلا محيد ولا محيص ولا مناص من مواجهتها فمشيت تجاهها وكأنني في عزاء ، ثقيل الخطوة كفيل هدّه الظمأ ، فلما سلمت عليها ، نظرت إلي وقد نالها مني روعة شديدة حتى كادت تزهق نفسها من الهلع وكأنها تنظر إلى عزرائيل ، ثم انفجرت في وجهي قائلة : "شكلك مشبه يالحبيب ، ما اعرفك يالله توكل !"
يقول : فتذكرت قبح وجهي وبشاعة منظري فحمدت الله وشكرته وعدت إلى الله تائباً ، وتفيأت ظلال الراحة .