طلعنا في رحله الى البر ، في منتصف الشهر ، في نهاراً ليليه سوف يكون القمرفيه بدر ، وفيه يحلاء السمر ، فقبل عدة ايام قد هطل على هذا الوادي مطر ، فتغيرت اوراق الاشجار من اللون الاصفر ، الى اللون الاخضر ، والارض قد كساها عشب وازهر ، فنصبنا خيمتنا ، في طرف جناب ، كآننا في جلستنا فيه نجلس على سحاب ، فلونه لون الرباب ، ورده ابيض كبياض الثياب ، وفيه ورد احمر كآنه خضاب ، ان منظره يسحر ، الالباب ، وعند حلول المساء راينا صخور الجبل كآنها فسيفسا ، الجبل بها قد اكتساء ، فآنزلنا من سيارات الجيوب اغراضنا ، عزبتنا ، ومعاميل قهوتنا ، وذبيحتنا وقدورنا ، وقد ملاء الفرح والسرور صدورنا ، وكان زميلنا كثير السرحان ، ينضر بعينيه الى كل مكان ، وقد قرب وقت الغروب ، ودنت الشمس الى الافق ، وغرب نصفها عنها وسطح الشفق ، والعصافير ، قد غدت الى اعشاشا مسرعه ، كانها قد اصابتها مفرقعه ، وكان المكان خلاء ، ولكن نحن اصدقاء وزملاء ، وبيننا صحبه ووفاء ، فكل واحد منها يهب نفسه دون اصدقاءه فداء .
وقد قررنا المبيت في هذا المكان ، ونقضي به برهه من الزمان ، ربما تكون لمدة يومين ، اثنين ، جمعه وسبت ، نطلع فيهامن جو العمل والكبت .
ولم يحصل لزميلنا العزيز ، ان قد نام في الخلاء ، ولم يسمع قط صوت الذئب اذا عواء ، ولا قد نظر الثعبان اذا تلوى واختفاء .
وقد قمنا لجلب الحطب والغضاء ، وكل واحد راح في اتجاه ، فجمعنا حطب كثير ، فآذا يمر من حبنبا صاحب ذلول ، وقد امتطاها زول ، وخلفه نياق كثيره ، كآنها جيش على قوماً مغيره ، فناديناه ، وفي مجلسنا اجلسناه ، ومن الزاد اعطيناه واكرمناه ، فقام على عجل واقسم قسم ، انه سوف يحلب لنا حليب كامل الدسم ، من حليب النياق الخلفات ، الاتي حليبها كآنه سكر نبات ، فحلب لنا الكثير في قدر كبير ، حتى نباءة الرغوة عن فوهته ، كآن لونها لون ضباب نزل على جبل وغطاء قمته . فودعناه ونحن نلج له بالدعاء وقد كنا بلقاءه سعداء .
فشبينا ضونا ، بناراً تتلهب ، وقد وضعنا فيها كثير من الحطب ، حتى صار لهبها ، كآنه لهب حريق ، فعبينا الماء في الابريق ، وانتظرنا حتى اجمر جمرها ، من رمثها وسمرها ، فقربنا منها الوجار وعبينتا فيها ماء الابريق بعد ان فار ، ووضعنا في المصفاة هيل وزعفران ومسمار.
وهبت علينا هبوب الشمال بنسناس ، اتانا معاه النعاس ، وذهب عنا الهم والغم والوسواس ، وهرب عنا الخناس ، وطلع علينا القمر ، ونوره على الارض قد اسفر وانتشر ، كآن لونه لون شاش ابيض ، قد اكتست بها الهضاب والشعاب ، فمنظره يسحر الالباب .
تقهوينا قهوتنا ، وزادت فرحتنا ومتعنا ، بالجوء الجميل ، والقمراء اللتي قد اذهب ظلام الليل ، وطبخنا عشانا ، وتعشيناه ، وكم لهذا الطعم من الاكل قد تمنيناه ، وشربنا من حليب النياق ، وبدينا في سوالف السمر ، ومشنا في ضوء القمر ، وفجاءة سمعنا صوت عجيب ، وقد سكتنا لنتآكد من الصوت ، واذا هو صوت ذيب ، يعوي في مكان ليس بعيد ، انه مكان قريب ، فلصوته صداء ، كآنه نداء ، انه يعوي عوي ، فوقف زميلنا لؤي ، وقد بداءت علا ملامحه الدهشه مما يصير ، فوقف كآن على رآسه الطير .
فمشينا واذا هو واقف يتلفت عن يمينه ويساره وخلفه وامامه ، كآن راسه رادار ، يعمل في برج المطار ، فقال انني سوف اذهب الى السياره ، فرجع لها وقد في الغماره . فتمشينا في القمراء بعد ان تعشينا ، ورجعنا لعزبتنا ، واذا لوي في الغماره وعرقه يصب ، كآنه صب قرب ، فقد قفل عليه القزاز والزرفال ، وصار حاله حال .
فقلنا له انزل نتسامر ونتونس ، حتى اذا الليل عسكس ، ننام ، نوماً هني ، فقال لنا سوف اسري ، فآنا اخاف ان ياتينا ذيب او جني .
فحاولنا معه بشتى الوسائل حتى تعبنا وراءينا الدمع على خده سائل ، وهو يرتجف قلق وخايف .
فآعطيناه احدى السيارات ، وذهب خلف اثنان من الثقات حتى للخط المزفلت اوصلوه ، فوادعوه ، ورجعو لنا بعد تعب وعناء .
استمر زميلنا في الطريق ، فآحس بالام في البطن وخضخضه ، كآن مصرانه تنفضها منفضه ، فصبر وصبر ، وقد عانا من شدة الامر ، فقرر المسير مهما يصير ، فلن يوقف في الخلاء ، لكي يقضي حاجته ، فآستمر وانزل حملته على مقعدته ، فالحياه حلوه وتطيب ، ولا يضحي بنفسه في الخلاء وياكلها الديب .