الإعجاب بشخص من خارج حدود وطني كـ"إردوغان" مسألة لن تضر بوطنيتي أبدا، ولا علاقة لها بالوطنية من الأساس، وأيضا عدم الإعجاب به أو حتى كرهه مسألة لن تخرج كارهيه من الملة
نعيش هذه الأيام حالة تدعو إلى العجب، فالذين ظلوا لأعوام عديدة يرفعون شعار "لا تحاكم على الأفكار والنيات"
نراهم اليوم يحاكمون غيرهم على المشاعر والأحاسيس!
يريدون منا أن نمنع مشاعرنا من الذهاب إلى خارج حدود الوطن، فإن حدث وأعلن أحدنا أو حتى لمح بأنه يحب شخصا من خارج حدود وطنه أو أبدى إعجابا به، فهو العميل الخائن للوطن !
والمشفقون من هؤلاء القضاة الجلادين يتعاملون مع هذا النوع من الإعجاب أنه حالة مرضية نفسية تستدعي العلاج الفوري، وإلا ستتفاقم الحالة وتتطور إلى مبايعة المعجب به على السمع والطاعة والولاء التام!
إن العقول التي تقيم محاكمات على المشاعر والأحاسيس اليوم تستحق الرثاء بحق، ولا أدري أي منطق أعوج هذا الذي يمتلكون ؟
فبمنطقهم الأعوج لا بد وأن نشكك في ولاء كل مفكر وأديب وسياسي أبدى إعجابه بـ"مهاتير محمد" رئيس وزراء ماليزيا السابق،
بمنطقهم الملتوي لا بد أن نتهم الفيلسوف المصري "عبدالوهاب المسيري" بأنه عميل دنيء كونه لم يبد إعجابه فقط بـ"علي عزت بيجوفيتش" إنما ألّف فيه كتابا ثم أقام ندوة فقط ليتغنى به وبعقليته وإنجازاته،
والسير في تعرجات هذا المنطق لا تنتهي،
إلا أن الغريب بحق هو أن بعض هؤلاء القضاة الجلادين، والذين يحاكمون على المشاعر والأحاسيس، يدافعون أحيانا عن أي شخص يبدي إعجابه بـ"بشار الأسد" بقولهم إنها حرية رأي من قبل المعجب وحرية شخصية لا تضر أبدا.
لكن، وليس الأمر عِنادا في كارهيه، فمعاذ الله أن أنزل إلى هذا المستوى الطفولي. سأعبر عن إعجابي الصريح بـ"إردوغان"
وسأترك القضاة بين أوراق التصنيف، ولن أبدي رأيي حول شخصه، لكن سأدع الحقائق تتحدث،
والحقائق مهما حاولنا دائما عنيدة، ولا يمكن الالتفاف عليها أو تزييفها،
الحقائق تقول إن تركيا على عهده قفزت إلى مصاف الدول المتقدمة والقوية عالميا، وعلى عدة أصعدة سواء على الصعيد العسكري أو الاقتصادي أو العلمي.
الحقائق تقول إن تركيا اليوم دولة مؤثرة ولها وزنها الدولي، والحقيقة الأخرى أن "إردوغان" هو مهندس هذه النقلة النوعية، سواء كرهنا الرجل أم أعجبنا به، قد لا تسقط الدولة التركية بسقوط شخص، لكنها حتما ستمر بفترة انتقالية، وأعداء الأمة لا يريدون أكثر من هذه الفترة، سيسعدون جدا بهذه الفترة.
الحقيقة الأخرى التي يجب الإشارة إليها، أنه بالأمس وتزامنا مع "عاصفة الحزم" قامت جموع المسلمين في باكستان والكويت والعراق وحتى في دولة الأحواز برفع صور "الملك سلمان" وإعلانهم تأييده والدعاء له والتصفيق بحرارة، وحينها لم يقل أحد إن في هذا الإعجاب خلل، لم يقل أحد أو بالأحرى لم يخطر على بال إنسان سوى أن إعجاب مواطن في باكستان بشخص "الملك سلمان" فيه دلالة أنه يكره وطنه الأم ويتمنى له الدمار!،
هذا منطق أناس غير أسوياء، وفعلا في ذلك الوقت تقدمت زمرة من غير الأسوياء لاستنكار هذا الإعجاب من جموع المسلمين، وقد قاد تلك الزمرة النائب الكويتي "عبدالحميد دشتي".
أما اليوم، وأمام الهجمة التي تشهدها دولة شقيقة تتقدم زمرة –منا وفينا- لاستنكار أي إعجاب أو تأييد ولو بالتلميح تجاه "إردوغان" ينعتون من يبدي إعجابه بهذا الرئيس بأوصاف لا تليق، يستعدون عليه السلطة، يجيشون الناس عليه، يتعاملون مع مجرد الإعجاب أنه خلل نفسي ولا بد له من علاج، !
متناسين في الوقت ذاته أننا نعيش اليوم في عالم مختلف، فما يقال ويكتب في أقصى الأرض يصلنا بضغطة زر، وما يقال ويكتب هنا سينتقل إلى أقصى الأرض بضغطة زر، فلنتخيل إذا إحساس مواطن تركي وهو يقرأ مقالا أو تغريدة لا تحذر من رئيس دولته فقط، ولكن حتى من إبداء الإعجاب به، لكن لماذا نتخيل ونحن لدينا "دشتي"!.
ما أريد الوصول إليه، أن الإعجاب بشخص من خارج حدود وطني كـ"إردوغان" مسألة لن تضر بوطنيتي أبدا،
ولا علاقة لها بالوطنية من الأساس، وأيضا عدم الإعجاب به أو حتى كرهه مسألة لن تخرج كارهيه من الملة، والقول بهذا غباء محض،
لكن أن يبدأ التحذير من الرئيس التركي بالتزامن مع الانقلاب الفاشل، رغم علمنا وتيقننا أن سقوط تركيا –لا سمح الله- تعدّ خطوة مهمة ورئيسية أمام المشروع الإيراني التوسعي، إضافة إلى الفائدة الجليلة التي ستعود على "محور الممانعة" جراء هذا السقوط، فهنا يجب أن نتوقف قليلا لنضع ألف علامة استفهام حول هذا الأمر.
فإكره يا عزيزي من شئت كيفما شئت،
لكن لا تجعل عدوك يتخذ كرهك وتحزبك الفئوي الضيق إستراتيجية له ضمن عدة إستراتيجيات يتبعها للوصول إليك في آخر المطاف وإلى وطنك،
فإن عدوك يعمل ليل نهار بلا كلل ولا ملل، يتحرك على كل الأصعدة، ويعزف على كل الأوتار،
وتحزبك الفئوي بالنسبة له مجرد وتر قابل للعزف، وقد عزف عليه ونجح، ودليل نجاحه أنك اليوم تحاكم غيرك على المشاعر والأحاسيس. ا