اتى عثمان من بلاده ، فقير ورث حاله ، يبحث عن لقمة عيش يقيم بها صلبه ، وعمل يدر عليه مال يترزق به ، فهو بارع في التجاره ويعرف كيف يربح بدون خساره ، فقد ورث التجارة عن ابوه وجده وجد جده ، فهمهم هو جمع المال ، فهذا هو ديدن جدانه يبحثون عن المال ويهاجر منهم الواحد الى اي مكان ليفتتح في هذا المكان دكانه حتى لو هاجر الى مجرة درب التبانه.
فلا ارض تقلهم ولا سماء يظلهم ، الا محل تجارتهم . فهم يعيشون في اية مكان ومنتشرين في جميع البلدان ، لا ولاء لديهم لوطن ، فولاءهم للذهب والمال ، فهم يهربون من المشاكل والمحن ، وليس لهم بين للبشر مثيل ، تجدهم في الصين وفي البرازيل . يتجمعون مع بعضهم مثل الطيور المهاجره ، ولا يدخلون بينهم جنسيات ، فتحس انهم نفسيات ، لا يريدون ان يدخل بينهم احد ويعرف سر تجارتهم ، ولا طرق ربحهم ولعبتهم وشطارتهم، فشكلهم مثل عصابة المخدرات يوزعون منتجاتهم بين البناشر والبقالات ، ولا تعرف مصدر بضاعتهم ولا صدقهم وامانتهم .
سكن عثمان في قرية اهلها مزارعين ، وبرزقهم قانعين ، ارضهم فيها مزارع وخضار ، وفيها مطر مدرار ، وفيها امن في الليل والنهار ، يرحبون بالغريب ، ويكرمونه وله الود والتقدير يظهرونه ، ويدعونه الى بيوتهم ويغدونه ويعشونه .
اشترى عثمان بقره من احد المزارعين لونها احمر جميلة المنظر .
فصار عثمان يجمع لبقرته من المزارع العشب ولها ويحش ، واحياناً يدعها في المزارع تدش ، واصحاب المزراع لها لا تنش بل يدعونها تخش ، فهم يعرفون انها بقرة جارهم عثمان ، فهي ترعى في امان ولا يتعرض لها اي انسان .
بعد فترة من الزمن اشتراء له ثور ليجمعه مع بقرته ، لكي يكثر بقره .
كان اهل القرية يتساعدون فيما بينهم ويسددون عن بعضهم دينهم ، فحالهم حال رجل واحد فهم في المزارع يتساعدون ، ويزرعون ويحصدون ، واذا اراد احدهم ان يحرث ارضه ، طلب ثور جاره بدون مقابل منه قرضه .
بعد عدة سنوات ، صار عند عثمان بقر كثير ، فهو يسكن في عشه قديمه ، ولا يعزم احد على وليمه .
وفي احد الأيام ذهب الى المدينه في زيارة احد اقاربه ، وترك البقر عند احد الجيران الافاضل ، فصار جاره في الاهتمام بها مكافح ومناضل ، وبعد اسبوع حضر عثمان ومعه رجل وحرمتين واطفال ، فسآل اهل القرية عثمان من هؤلاء الضيفان ، فآخبرهم ان الرجل عمه ، وقد تزوج بنته ، واحضره هو وعائلته .
رحبوا اهل القرية بجارهم وبضيوفه اجمل ترحيب ، وعزمهم القريب والبعيد ، وسكنوا لديهم في القرية ، وصار لدى عثمان قطيع من الابقار السمان ، يرعى بها في ضفاف الاودية وسهول الاراضي في أمن وأمان .
ولد لعثمان ولدان ، وبعدما صاروا شابين ، اشتغلا مع والدهم في رعي الابقار ، وحلبها وبيع حليبها لاهل القرية ، حيث ان عثمان قد افتتح له في القرية دكان ، يبيع جميع الاغراض ، وفيه قسم مخصص للابان والاجبان ، ومجرزة للحم الحسلان .
وبعد فتره كبروا اولاد التاجر عثمان فصاروا في سن الزواج ، فآخذهم معه الى المدينة وترك عند تجارته وابقاره عمه ورحيمه.
وحضر بعد غياب شهر عن القرية ومعه اربعة رجال لابسين فوط ، ولابسين قميص وفوطه و كمر في الوسط ، فسآلوه اهل القرية من هؤلاء الغرباء ، فقال لهم انهم له اقرباء ، وقد احضرهم ليساعدوه في البيع والشراء ، فهو قد صار من الاغنياء واصحاب الثراء .
سآلوه جيرانه عن اولاده اين هم ولماذا معه لم يحضرهم ، فقال لهم ان ابنه محفوظ قد سافر الى الصين وقد تزرج بنت التاجر بن يمين ، فهو سوف يفتتح لنا في الصين فرع في تجاراة الخردوات ويضع عليها علامة اشهر الماركات ، ويصدرها الى قريتنا فنربح وتزدهر تجارتنا .
وأما ابنه سعد فقد سافر للهند ، ليستقر عند ولد عمتهم شاه بن منقرد ، فهو يحمل الجنسية الهنديه ، وهو من اوصول غير هندية من اصول عائلتهم لابسين الفوطة ابناء الرحاله بن بطوطه.
وبعد عدة سنوات اتاء على القرية قحط وقلت الثمرات ، واصفرات اوراق الشجرات .
فطلع اهل القرية في البر لصلاة الاستسقاء والحوا في الدعاء ، بآن ينزل عليهم المطر، ويزيل عنهم القحط والظجر، ويبعد عنهم الغلاء والرباء والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن .
ولم يكن جارهم عثمان معهم في الصلاة ، فسآلوا اينه وماذا غيبه عنا ودهاه ، فقالوا لهم ان عثمان قد هاجر الى حيث المرعى والربيع والى حيث يستقر بعيد ولكي تزدهر تجارته لا تبدد وتضيع ، فلقد هاجر الى الدينمارك ، وقد حول امواله الى ذهب وفرنك .