أتصل بي واحد من عيال عمي ، وهو عزيز لدي وغالي وأعتبره جلاء همي وغمي وأن صاح الصايح فهو يفزع يمي ، رجل صاحب ثقل ، ثقل في العقل ، وثقل في المجتمع ، فهو صاحب تجارة وأمارة ، وله في المجتمع علاقات وواسطات ، ويحل أصعب المهمات ، ويقف مع من ينخاه في أحلك اللحظات المظلمات ، فيجعلها نورمسرج ، ويجعل من الصعب مخرج ، وينشرح صدر من نخاه فينزل به الفرح والسرور، وتزين معه الأمور ، أتصل بي وقال لي أنه سوف ياتي إلى جده ، أم الرخاء والشدة ، فهو له عنها مده ، ولدية فيها عدة شغلات ومراجعات ، ويريد ان يشتري فيها بعض الأراضي والعقارات ، فهو من أكبر التجار ، وجيبه للمحتاجين مدرار ، وفي المحافل له أعتبار ووقار ، تلهج له الألسن بالدعاء ، وبالذات من الضعوف من الرجال والأرامل من النساء ، إذا أقبل كأنه سحابة غيث يفرح بها العطشان والمستغيث ، وإذا جلس وحل فكل الحاظرين يوسعون له في المحل ، وإذا هرج إنقطع من المجلس صوت المرج ، ومن يتكلم يقع في حرج ، فكل الأنظار تتجه إليه والألسن تهبيه والأعين تزدريه ، وإذا قام ورحل فاالجمع من الأجتماع معه لم يمل .
فهو عقيد قوم ، إذا قال رآي في القبيله نفذه العموم ، وإذا دعاء إلى إجتماع وفدوا له الجماعة من كل البقاع ، رآيه مسموع ، وأمره على الرآس مرفوع ، إذا عمل حفل أو زواج ، أتوا له شيوخ القبائل وجماعاتهم زرفات وأفواج بالحشيان والخرفان وحيل النعاج ، ومدوا له المساعدات المالية ، حتى إن دخل الحفلة في تلك الليلة كأنه دخل وزارة المالية .
وهو يكرم الضيوف أفضل إكرام ، وقبيلتنا معه يقفون موقف حمية ، فهم يجمعون له العانية ، ويقومون بالفزعة معه بالسوية ، فمن لا يفزع ويشمر عن ساعديه ، فهو من تالي القوم وهو هم وفشيلة على والديه ، فترى شباب القبيلة ، كأنهم نار تشتعل في فتيله ، يسرعون في تلبية الطلب ، كآنهم شبب يتقطع منه اللهب .
أنتظرت أبن عمي في المطار وأستقبلته أفضل استقبال ، ومعي عشرة رجال من الجماعة ، شباب فزاعه ، ترآى في وجوههم النخوه والمروة ، وفي سواعدهم القوة ، وفي محياهم إبتسامة السلام ، وفي أنوفهم العزة والأقدام ، وفي عيونهم يتضح لك ماضيهم الأغر ففيها شعاع الظفر كأنه شرر ، إذا نظروا بنظرة محبة ، فالمذنب قد محي ذنبه ، وإذا نظروا بنظرة غضب فاالأسد منهم قد صابته أم الركب وهرب ، وإذا مشوا مشوا ثقال كأنهم شامخات الجبال ، وإذا عزموا على أصعب أمر فالصعب منهم ينزال ولا يوجد له أثر ولا خبر ، فهم رجال أبناء رجال وقد تدربوا على الصعاب ، فلا يخافون من نمور ولا ذئاب ، يقدمون على الموت ، إقدام سمك القرش على الحوت .
أستقبلناة بثلاث سيارات فارهه تليق بالشيخ العزيز الفارس ، جيب رانج وجيبين لكازس ، مديلها آخر موديل للمملكة قد وصل فهي تليق بشيخ كريم قد أهل بطلته ووصل .
أستقبلناه والى محل الكرامة والمعزة أخذناه ، فدعونا أكابر الاقارب و الاصحاب والاحباب من المسوليين وذوي الجاه اللذين نعتبرهم وقت الحاجة طوق نجاة ، اللذين نكن لهم أكبر تقدير ، وسرهم وسرنا في بير ، فصدورنا لإسرار بعضنا خزنات كخزنات الذهب ، فلا نطلع على أسرارنا أحد من العجم أو العرب ، كلامنا له قيمة ، ووليمتنا لضيوفنا مناسبة عظيمة ، فليس همنا جمع المال ، فالمكسب هو معرفة الرجال وليس كثرة المال ، فكم من صاحب مال ماله قد تبدد ، فصار بين الناس يتلبد ويتهبد .
بعد عشرة أيام من الكرم والكرامة والسمن والسمين وعلوم الرجال الغانمين ، اشتراء أبن عمي في جده عدد من العمائر والمحلات ، والفلل والعقارات ، والاراضي التجارية .
وقلنا له نريد أن نطلع طلعه في المساء إلى البحر ، في مكان فسيح فيه نستريح ونشم نسيم البحر ، ونشاهد فيه إنعكاس القمر البدر على ماء البحر ، فنحن في منتصف الشهر .
أرسلنا مجموعة من الشباب كأنهم ذياب ، في وقت العصر لكي يحجزون لنا محل طيب ، من البحر قريب ، ويكون على مسطح أخضر ، مزروع بالعشب الخضر ، فنجمع أجمل منطر العشب الاخضر والبحر ونور القمر ، وضيفنا العزيز ذو الجبين الأغر والوجه الأنور ، اللذي يعتبر لدينا من أعز البشر .
حجزوا لنا الشباب أفضل مكان ، وفرشوه بالزرابي ذات الالوان والمراكي الحسان ، ونزلوا أدوات القهوة من ثلاجات بالقهوه مملاه ودلال صفرمجلوه بمجلاه .
حضرنا مع ضيفنا العزيز إلى المحل بعد أن أدينا صلاة العشاء ، نريد أن نتقهوى ونسمر ونتناول العشاء .
فكان يجوارنا في المكان عدة عوائل محتشمين ورجال محترمين ، لا نسمع منهم صوت ولا صياح ونداء ، ولم نرى منهم سفور أو اذا .
وبعد عدة ساعات الا وقد أتت قروبات ومجموعات ، وبدوء بين العوائل الجالسين ينزلون ولهم يضايقون ، فهم بهم ملتصقون ، فبدوء العوائل السعودية في الرحيل من مكانهم ، وبدواء الشوام ينزلون بفرشهم وادرات شويهم بدون إحترام .
فهم قد عرفوا السر في كيفية إحتلال المكان ، فالسعوديين لا يحبون الأختلاط بين الرجال والنسوان
فرحلت عوائل السعوددين من الحديقة ، وبدوء عشرات من عوائل الشوام في النزول في مكانهم ، وأشعلوا نارهم كأنها نار حريقة ، فهم يريدون أن ينزلون في مجموعات ويستمتعون بالجوء على ريحة وطعم المشويات .
فطوقوا علينا المكان بالكمبليت ، كأنهم العراقيين أثناء غزوا للكويت ، ففرشوا فرشهم ، ونزلوا عليها يتسدحون ، وكراسيهم للحريم ، فتراهم متبطحين كأنهم على الفرش قطع هشيم ، أو إجثاث نخل صريم .
فهالنا الوضع وأقلقنا ، وفي هذا العمل الغريب قد تعجبنا وعلى همجيته ووقاحته قد أتفقنا ، إن هذا هو إنزال وأحتلال ، فهم لطبيعة السعوديين عارفين ، إن السعوديين لا يحبون ألاختلاط ، وعلى عوائلهم يحافظون ، ولإبناءهم وبناتهم ونساءهم على الحشمة يربون ويتعبون .
فأشعلوا نيارنهم ، وتجمعوا عليها ثيرانهم ، فطلع منها الدخان ، حتى عم جميع المكان ، ووضعوا عليها لحم كله شحم ، فأختنقنا من ريحته ، وبداءات تتصافق به علينا الهبوب حتى صار وضعنا كمن أخذ له حبوب ، فصرنا من ريحت الدخان مساطيل ، ونكح كحت المعاليل .
وقد فضت هذه الحديقة الا من ابو شكيم ، فقد رحلوا الطيبين ، وتركوها للغريبين .
فحمدنا الله أننا قد تعشينا ، وغسلنا ايدينا ،
فرفعنا فب سياراتنا أغراضنا ، ورجعنا قاصدين محلنا ، وأثناء سيرنا في الطريق ونحن عن البحر لسنا ببعيدين ، وإذا عوائل السعوديين في مخطط قريب من البحر جالسين ، بعد أن هجروهم أهل الاردن وسوريا وفلسطين .