تظل النفس مدة من الزمن بريئة غافلة عن الحياة الرغيدة، قانعة بالقليل، حتى تذوق الرفاهية، وتغرق في الترف، وتنال الكثرة، فإذا حدث ذلك انقلب مزاجها متعكرًا من كل قليل يعرض عليها ولو كان كثيرًا في ما مضى من الأزمان، وصارت تذم ما كانت تفني نفسها في مدحه في سالف الأوقات.
ألم تر إلى الذي يخرج من قريته المتواضعة، فيزور مدينة متطورة قليلاً بالقياس إلى قريته، فيصير حينها كأنه من داخلي الجنة أو يكاد.
فإذا ترقى في سلم السفر وصار يزور بلدان العالم المتقدم صار يزري بتلك المدينة الحالمة قديمًا ويصفها بأبشع الأوصاف، ويتجعب من صبره على البقاء فيها أو الذهاب إليها، ويذكر أنه لا يذهب إليها إلا مضطرًا متشوفًا ساعة الرحيل عنها.
ومما يفيدك هنا أن أذكر لك أن إفساد الطبع وسيلة يلجأ إليها الأذكياء لتخبيب النفوس على ماضيها.