في موسم الوسم ، هبت رياح الصباء فجال في نفس متعب ألاشتياق الى أيام الصباء ، عندما كانت أيام الطفولة البرية ، التي عاشهافي البرية ، اللتي جملها رب البرية يرعى فيها الرعية ، ويغدوا بها ضحوية ، ويعود بها عصرية ، عندما كانت الانفس صافية والأجسام متعافية والقلوب بالخير وافيه ودافية ، هبت رياح الذكريات في الكون ، فهبت في نفس متعب ذكريات الهدوء والسكون ، تذكر متعب الحياة الجميلة اللتي قضاها في ربوع الصحراء ، أيام الخير والعطاء من رب السماء ، كانت ذكريات جميلة جمال السماء الصافية الزرقاء عندما تنشوء بها سحابة بيضاء ، فتتجمع السحب من كل الارجاء ، حتى تكون سحابة عظيمة ترتفع في السماء وقمتها شامخة بيضاء تتلالاء كآرتفاع قمم جبال الهملاياء . فينهمرالمطرمن السحاب الثقال كالشلال ، فتسيل منه الشعاب والأودية من الجال الى الجال .
فمتعب على تلك الديار بأستمرار يمر، ولطفولته فيها يتذكر ، ولديه فيها مزرعة وغنم وآبل ، فهو لا يفارقها ولا يكاد يغيب عنها أكثر من اسبوع ، فهي متنزه له ولعائلته ، وأطلالها لازالت عالقة في مخيلته .
وبعد آن هطلت أمطار الوسم الغزيرة على الديرة ، نماء بها العشب واورقت أغصان الهشيم بعد أن كان يابس مثل الخشب ، ونبت نبات النفل والعرفج ، والثمام والشيح ، فتطيبت بطيب الأزهار المروج والريح ، وطاب لمحب البر آن يقر به ويستريح ، فآرضها غدت خضراء تبهج القلب كآنها من من اراضي البوسنة والصرب .
فقرر متعب وأبن عمه سعود ، أن يطلعون للبر في نهاية الآسبوع بالعوائل ، طلعة تحت أشجار الطلح ، ونظرهم في جمال البر يسرح ويمرح ، ويتنفسون في البر الهواء العليل، ويفئون تحت الظل الظليل ، اللذي يداوي النفس من الكبت ويشفي العليل ، ويطلعون من زحمة المدينة ، ويبتعدون عن الأنفس السقيمة اللتي تحمل الحمق والضغينة ، ففي المدينة الزحمة عظيمة ، وأمراض الضغط فيها مقيمة ، ففيهلا الأمراض مع الطرقات تسير سير السيارات ، فتهجم على الناس في التقاطعات وعند الأشارات ، وتصحوا امراض السكر والضغط في الصباح الباكر عن بداية السرحة الى المدارس والدوام ، فتدخل في أنفس البشر مع الزحام ، فلا تجد عندهم سلام ولا إحترام ، ولا حسن كلام .
ولكن متعب في نهاية الأسبوع يطلع من صخب المدينة الى الصحراء ، فيتزفر العناء ، ويتنفس عبيق السعادة والهناء من صفو وسعة الصحراء .
قرر متعب وإبن عمه سعود أن يطلعون للبر في عصر الخميس ومعهم عوائلهم وأولادهم ، ومقاضي رحلتهم وزادهم ، فيبيتون في إستراحة متعب في المزرعة وفي صباح يوم الجمعة يفطرون بالمزرعة ثم يصلون صلاة الجمعة في جامع القرية ، وبعد الصلاة يتجهون الى آحد الاودية ذات الآشجارالعظيمة ، الوارفة الظليلة ، وتحتها يقيلون ويتغدون ......