الحسن البصري يقول ذاما الشهرة والسعي لها: كفى بالمرء شرا أن يشار إليه بالأصابع.
وروي عن أحد علماء السلف أنه إذا جلس إليه أكثر من ثلاثة قام خشية الافتنان بالشهرة ،هكذا كان السلف يخشون الشهرة ولا يستشرفون لها .
أما اليوم قفد أضحت الشهرة مطلب كثير من الناس يرونها كنزا ثمينا لو كانت في قمم الجبال صعدوا ،أو في منحدر من الأرض هبطوا، وإن كانت في جوف بئر عميق تدلت حبالهم في طلبها، يبحثون عنها في سم الخياط ،وفي أضيق الأزقة والفجاج فظهر لنا ما يسمى بمشاهير مواقع التواصل وهم مشاهيرالغفلة بين طرفة عين وانتباهاتها أضحوا مشاهير ذاع صيتهم وصار يشار لهم بالبنان تناقلت الأجهزة تفاهاتهم ونشرت المواقع ترهاتهم فزادوا بأنفسهم إعجابا وللشهرة بحثا وللأسف انه بقدر التفاهة تكون الشهرة فكن تافها أكثر لتحظى بمتابعين أكثر فتمادوا في سخافاتهم وسقطات لسانهم
فيا ليت شعري كم زلة من لسان أعقبت ندما في مجلس افراده بعدد أصابع اليد أو أقل فكيف بهولاء وقد نشروا سقاطاتهم في فضاء لا نهاية له ووثقوه توثيقا لا يجدي معه الحذف
بحثا عن الشهرة سلكوا كل قبيح وصرحوا بالكلام البذيء تصريح،انعدم الحياء وزادت أعداد الحمقى والمغفلين فلو كان ابن الجوزي مصنفا كتابه في أخبارهم في زمننا لاحتاج وقت وجهد الطبري في تاريخه ومجلداته.
ولأجل الشهرة صار من الأمس يلغز كلماته ب(الرجال)(اللي أنت خابر)ويردد(لا احد يدري)(لا تعلمون)من كان بالأمس يخرج من الباب الخلفي إذا أرا سفرا يسرق الخطى مع أفراد عائلته يتمتمون(بشويش) يضع نظارة سوداء تغطي نصف وجهه رجاء الا يعرف، صار اليوم يرسل صورته للعالم أجمع تارة وهو على ضفاف نهر أيدر،وحينا وهو مستلق في كوخ على ضفاف بحيرة أوزنجول ،وآخر يرسل صورته وهو يتجول في أسواق ميونيخ ،وآخر في قصور برلين ،وذاك وهو يستعد للإقلاع في حوامة في كيب تاون ،وآخر وهو يتجول في يخت على شواطئ ريفيرا ،وآخر وهو يتزلج في زيلامسي وفي وفي ... يرسلون صورهم للعالم أجمع للقريب والبعيد دون مراعاة لمشاعر لتلقفها الأعين بين نظرات إعجاب ونظرات حسرة نظرات حسرة ربما كانت سببا في هدم بيوت وآه لو علم المتحسرون أن أولئك القوم سيعودون لأوطانهم ليبقوا تسعة أشهر يحملون هم الديون،تسعة أشهر يسددون بطاقة الفيزا وقرض البنك
بحثا عن الشهرة صار من كان بالأمس إذا أراد تناول طعامه في مكتبه أثناء العمل وضع طابقا من الملفات أمامه ليقضم من شطيرته دون أن يراه احد أصبح اليوم يطلعك على أدق تفاصيل حياته اليومية فإن احتسى رشفة من فنجان قهوة أو قضم من شطيرته أرسل تلك القضمة والرشفة لسكان الوطن العربي أجمع ومن كان إذا خرج لمطعم وضع لثاما على وجهه واخذ يتلفت يمنة ويسرة خشية أن يراه أحد من جيرانه أومعارفه صار اليوم منذ العزم على الخروج للمطعم يعلن ذلك على مواقع التواصل ويرسل صورته مع أفراد عائلته منذ الخروج من المنزل ويضعنا في الحدث لحظة بلحظة حتى إذا ما وصلوا للمطعم تفننوا في صف الأطباق والمأكولات أمامهم التي أمست باردة بسبب(اصبروا بنصور)
وحمودي الذي كانت أمه كثير ما تردد أمام الآخرين (وليدي ما ياكل) صارت اليوم تنشر صورته على الملأ وهو يبتلع شطيرة همبرغر بحجم راسه
ومن المؤسف أن تستغل الطفولة البريئة لأجل الشهرة في مواقف مفتعلة مسبقة الإعداد للإضحاك وجلب المتابعين،وأشد وأنكى إسقاط هيبة ذي الشيبة البيضاء واستغلال حسن نيته وجهله ببرامج الاعلام الحديث لافتعال مواقف سخيفة تنشر في الآفاق
وفي سبيل الشهرة لا تعجب أن يتحدث السفيه التافه في أمور العامة فلا عجب أن ترى الطفل في الاقتصاد والسياسة صُيّر من المحللين، ولا عجب أن ترى من كان في هزيع الليل الأخير من (المحششين) أن يكون في أصيل النهار من المفتين الواعظين، وللأسف كأن هذا السخف والاسفاف صار واقعا لا مناص منه فلا عالم يحذرويرشد،ولا كاتب ينبه،ولا أب يردع الا النزراليسير فتمادى القوم متمثلين قول الشاعر
خلا لك الجو فابيضي واصفري
ونقري ما شئت ان تنقري
بل تتاح لهم الاستضافة في القنوات لينشروا تهريجهم وسخافاتهم للصغير والكبيرويجعل منهم قدوات
ومما يحز في النفس ويصيب القلب بالكمد أنك تذهب حينا لمكان ما فتجد كوكبة من الأطفال أطفال العمر وأحيانا أطفال العقل تحلقت حول شخص ما يلتقطون معه الصورو(السيلفي)وقد وقف متغرطسا منفوش الصدر لا تكاد تسعه الأرض مما يحمله من العجب فتسأل متعجبا ما الخطب ؟ لتاتيك الإجابة مع نظرة سخرية الا تعرف شيخان ملك الكيك ألا تعرف أبو سركل زعيم السناب وهكذا توزع الألقاب بالمجان فذاك سفير وذا أمير.فيا أمة ضحكت من جهلها الأمم أبمثل هؤلاء نرتقي،وبهم النشء يقتدي ؟!!!
أخيرا وجود هؤلاء التافهين وانتشار اسفافهم لا يعني العداء لهذه المواقع والبرامج والوقوف ضد كل ما تنتجه حضارة اليوم ففيها مصابيح أضاءت الدجى نشرت العلم ساهمت في الوعي وبناء الأوطان اختصر جهودا ومسافات ونشرت علما وحلت أزمات لكنها قطرات أمام بحرمتلاطم من الترهات غيث امام غثاء فرحم الله الحسن البصري.