"توسّعت" و"تعمّقت". بهاتين الكلمتين اِختصر الباحث في مركز برنت سكوكروفت للأمن الدولي داخل المجلس الأطلسي بلال صعب، أحوال الحرب الباردة بين المملكة العربية السعودية وإيران.
ولفت صعب النظر في مقاله ضمن مجلة نيوزويك الأمريكية، إلى أنّ تفادي أي حرب بين الدولتين يمكن أن يشهدها الشرق الأوسط، يجب أن يكون الأولوية الأكثر إلحاحاً لدى الرئيس الأمريكي المقبل. ورأى صعب أنه للمرة الأولى في تاريخ علاقتهما المتضادة، تتحوّل الحرب الباردة بينهما إلى حرب ساخنة، بسبب المسارات الموضوعية للسياسات المتبعة في كلا البلدين.
وعدّد الباحث خمس نزعات اِستراتيجية وجدها مساعدة في شرح السبب وراء ترجيح تحوّل التصعيد إلى مواجهة إيرانية سعودية مباشرة، "الآن أكثر من أي وقت مضى".
يشدّد صعب على وجود عدد من نقاط التوتر التي توجه الدولتين للاصطدام ببعضهما البعض في نهاية المطاف. فقبل الانتفاضات العربية سنة 2011، تنافست السعودية وإيران على بسط نفوذهما في العراق ولبنان والبحرين، وبدرجة معينة في الأراضي الفلسطينية، عبر دعم حلفائهما. أمّا اليوم، فيواجه البلدان صراعاً في سوريا واليمن "أكثر خطورة وحركية بكثير" ممّا كان عليه الأمر في السابق. وذكّر صعب بأنّ المملكة تهدف إلى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد حليف إيران، "وقد هددت تكراراً بتصعيد انخراطها العسكري هناك، بشكل محتمل، من خلال إرسالها جيشها الخاص". وهذا سيؤدي بحسب الباحث إلى اصطدام "شبه حتمي" للرياض بطهران في سوريا، حيث يقاتل حزب الله والقوات الإيرانية جميع أعداء الأسد.
كما رأى أنّ الوضع في اليمن خطر والتصعيد لن يكون بعيداً في حال أطلق الحوثيون صاروخاً إضافياً باتجاه الداخل السعودي. والأزمة قد تتوسع إلى مياه الخليج العربي حيث يمكن أن تشتبك البحريتان في تلك المنطقة، وقد حذّرت طهران الرياض، الأسبوع الماضي، من الاقتراب من المياه الإيرانية. وحصل ذلك، عندما قاد السعوديون التدريبات الأولى بالذخيرة الحية في الخليج العربي، والتي توقع صعب أن تكون جزءاً من سلسلة كبرى من المناورات البحرية الأخرى. وأشار إلى أنّ الأسطول الأمريكي الخامس في البحرين، لم يشارك في المناورات لكنّه "يراقب هذه المساحة عن كثب وبقلق".
وتطرق صعب إلى القيادة السياسية "الجديدة والشابة" في المملكة، والتي تبدو "مصممة على تبني سياسة خارجية سعودية جازمة واتباع نهج أكثر عدائية تجاه ما تراه تهديداً إيرانياً وجودياً". وتتبع القيادة الجديدة في الرياض هذه السياسة بسبب السلبية الأمريكية تجاه تجاوزات طهران في المنطقة.
ويذكر صعب أنّ شركاء الولايات المتحدة في المنطقة باتوا مقتنعين بكون واشنطن "سحبت أو أسوأ، سلمت مفاتيح المنطقة إلى عدوهم الأسوأ، إيران". ونتيجة لذلك، برز إدراك قوي لدى العواصم الخليجية لغياب اليقين تجاه السياسات الأمريكية. وفي كلّ مرة توجه واشنطن انتقادها علناً إلى الرياض لقيادتها التحالف في اليمن، تعدّل إيران اِفتراضاتها تجاه الالتزامات الأمنية الأمريكية مع دول الخليج.
ويصف صعب روسيا بكونها لاعباً أمنياً كبيراً في الشرق الأوسط. ومع أن إيران ليست مسرورة جداً بشأن " تعدي موسكو على مجال نفوذها"، فالواقع الذي يراه الباحث، يشير إلى أن الإيرانيين "يستفيدون بشكل هائل" من شريك أمني جديد وقادر، لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية وعلى رأسها تشكيل النظام الإقليمي بما يتناسب مع مصلحتهم. أما أهداف الإيرانيين فتبدو متطابقة مع أهداف الروس بحسب الباحث. ومع توطّد المحور الروسي الإيراني، سيتصاعد احتمال أن تتورط طهران بأعمال "أكثر استفزازاً وعدائية" يمكن أن تؤدي إلى حرب مع المملكة السعودية.
ويكتب الباحث عن تطور القدرات الصاروخية لدى إيران، ما سيعطيها وسائل قوية للانخراط في أعمال هجومية لم يكن بإمكانها أن تشنها في السابق. ويشير إلى أنّ طهران ركّزت على تطوير دقة الإصابة عوضاً عن زيادة مدى هذه الصواريخ، ما يفيد بوجود تغير في العقيدة العسكرية من الردع إلى الهجوم.
ويؤكد صعب أن ذلك لن يعني أنّ طهران ستتصرف بطريقة غير منطقية أو أن تتجاهل الحضور العسكري الهائل للأمريكيين في المنطقة. لكنّ صواريخ أكثر دقة ستؤمّن لطهران خيارات عسكرية متعددة وليونة عملية كبرى، قد تتحدى من خلالها الخطط الأمريكية في الخليج العربي.