تُعدّ شركة ماكينزي من الشركات الجديدة نسبيًا في منطقة الخليج، ولكن تصاعد ظهورها في العقد الماضي جعلها تتربع على قمة السوق المحلي للاستشارات، كما هو الحال في باقي العالم. ومع ذلك، كان مسار ماكينزي للهيمنة في منطقة الخليج مسارًا غريبًا. لقد تركت الشركة بصمتها من خلال وضع خطط كبرى –“رؤى اقتصادية”– لكل بلد.
تقدّم هذه الخطط الرئيسية برنامج عمل خاص للدول لتحويل اقتصادياتها بالكامل، ووعود بنقلها من الاعتماد على النفط إلى "اقتصاديات غنية، متنوعة، وقائمة على المعرفة".
وضع خطط اقتصادية وطنية طويلة المدى هي ممارسة معتادة في فن إدارة الدول. ولكن عادة ما يتم وضع هذه الخطط من جانب التكنوقراط الوطنيين والخبراء، بالتزامن مع الممثلين المنتخبين الذين من المفترض أن يمثلوا الشعب. في بعض البلدان سيئة الحظ، كما اكتشفت اليونان مؤخرا، قد تُجبر تلك الدول على قبول مثل هذه الخطط كجزء من “حِزمة شاملة” من قِبل مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
لا تواجه شركة ماكينزي مثل هذه القيود في منطقة الخليج؛ فالحكّام في المنطقة لا يدينون بالفضل للهيئات المنتخبة ولا لآراء التكنوقراط المحليين، ولكنهم بدلًا من ذلك، يدفعون مليارات الدولارات لتلقي المشورة من الاستشاريين في مجال الإدارة العالمية (وهذه الشركات نادراً ما تضم مواطنين). أنفقت المملكة العربية السعودية وحدها أكثر من مليار دولار على المستشارين في عام 2015.
لقد كانت البحرين هي حقل الاختبار الحقيقي “للرؤى الاقتصادية” التي تقدّمها شركة ماكينزي. هناك، تعاونت الشركة مع الأمير الشاب وولي العهد “الطموح” في منتصف عام 2000 لوضع “رؤية البحرين الاقتصادية 2030” – والتي تم تقديمها كخطة لإصلاح البحرين وتحويلها إلى مجتمع “تنافسيّ”. كانت مدينة أبو ظبي الغنية بالنفط وعاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، هي المدينة التالية التي صممت لها ماكينزي رؤية اقتصادية 2030.
لم تكتف شركة ماكينزي بالخليج فقط في العالم العربي. فقبل سقوط معمر القذافي، كانت الشركة تعمل مع نجل الحاكم الليبي –الذي كان يوصف حينها بأنّه إصلاحيّ نافذ البصيرة– لإعادة تشكيل اقتصاد البلاد.
في مصر، عملت الشركة أيضا على “إصلاح” عدة من القطاعات والوزارات في البلاد. وفي اليمن، طرحت الشركة عشرة أولويات للإصلاح الاقتصادي تحت رعاية أحمد علي عبد الله صالح، نجل الرئيس السابق.
هناك تشابه في النمط: تتعاون الشركة مع ورثة العروش الشباب، الذين يتوقون لجعل اقتصادات بلادهم تتفق مع رؤيتهم للمستقبل. لكن هناك ثمة عنصر تشابه آخر قد يكون أكثر مدعاة للقلق لشخص مثل الأمير محمد بن سلمان؛ وهو عدد الدول التي تبنت رؤى شركة ماكينزي ثمّ أصبحت مركزًا لزلزال “الربيع العربي”. البحرين، مصر، ليبيا، اليمن، كلها دول اهتزت بالمظاهرات الشعبية، وغالبًا ما كانت المظالم الاقتصادية جزء رئيسي من الدوافع.
وعلى عكس الشركات الأخرى، لم تتأثر سُمعة ماكينزي من ارتباطها بهذه الخطط الكبرى الفاشلة؛ بل إنَّ الشركة تواصل الحصول على عقود مربحة في المنطقة. في المقابل، أعلنت شركة “مونيتور”، واحدة من أكبر شركات الاستشارات في العالم، إفلاسها في أعقاب الكشف عن علاقتها مع حكومة القذافي. واندلع جدل إعلامي واسع النطاق في المملكة المتحدة حول علاقات مماثلة لكلية لندن للاقتصادLondon School of Economicsمع النظام الليبي السابق.
في الواقع، لا يزال الخليج يفيض بالمستشارين من جميع الأنواع. وهناك مزحة شائعة تقول بأنَّ جميع الوظائف في الشركات والبيروقراطيات المملوكة للدولة أصبحت “معهودة” إلى الاستشاريين الأجانب بشكل أو بآخر.
كمثال، كانت شركة “بوز ألين هاملتون” -التي اشترتها مؤخرًا شركة “برايس ووترهاوس كوبرز”- على علاقة عمل وثيقة مع النخبة الحاكمة في دبي. وفي قطر، نفّذت “مؤسسة راند” نظام المدارس المستقلة على النمط الأمريكي، والذي دمر نظام المدارس الحكومية في البلاد وسرّع نمو نظام القسائم “الكوبونات” في المدارس الخاصة (وفي عام 2014، تولى الأمير الجديد الحكم وبشكل غير رسمي أطاح بمؤسسة راند خارج البلاد.) كما تدفع الكويت عدة ملايين من الدولارات لشركة استشارات أنشأها توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، لتضع رؤية اقتصادية للبلاد.