شركة عِملاقة تبيع سِلَعا استهلاكية لماركات فاخرة جداً ومنتشرة في دول عربية وأوروبية، استقطبت الشاب السعودي «حَمّودي» براتب شهري ثمانية آلاف ريال، مع بدل السكن المُقرَّر لمنسوبي الشركة، حيث كان يعمل قبل ذلك في شركة أخرى. ونتيجةً لتفاني حَمّودي في عَمَلِه وتقدير إدارة الشركة لذلك، ارتفع راتبه الشهري خلال خمس سنوات إلى «12000» ريال، حيث استطاع خلال هذه الفترة أن يتزوج ويُنجِب طفلين ويشتري شقة بالتقسيط. وفي ظهيرة يوم الأحد الأسود، وأثناء قيامه بعمله خارج مقرّ الشركة، اتَّصَلَت به الإدارة وقالت إن مديره يريد مقابلته. عاد حَمّودي إلى مَقَرّ الشركة ودخل على المدير الذي شَكَره وسَلَّمه خطاب شُكر من الشركة على حُسن عَمَلِه، وخطابا آخر يُبلِغه بإنهاء علاقته بالشركة، ثُمَّ ناوله شيكاً براتب شهرين؛ وتمنى له التوفيق والنجاح!!؟ وقد كانت حُجَّة الشركة المكتوبة لفَصل حَمّودي هي إعادة الهيكلة Restructuring. لكن الشيء «اللطيف جداً» في هذه المأساة الاقتصادية الاجتماعية أنَّ مدير حَمّودي غير سعودي!!!.
عُمَّــال يوميـة!؟
قبل تغيير نَصّ المادة «77» لا تستطيع أي شركة القيام بهذه الخطوة، وبهذه الصَّفَاقة، لأنَّ ذلك يُعتَبَر فَصلاً تَعَسُّفيَّاً. لذلك، كانت مثل هذه الشركة تلجأ إمَّا للتفاوض مع حَمّودي لتخفيض راتبه، أو تستعين بإستراتيجية التطفيش الشهيرة، حتى يقتنع حَمّودي ويُقدِّم استقالته بعد عِدَّة أشهر من التطفيش، أو يتفق مع الشركة على طريقة فك ارتباط يرضى عنها الطرفان.
واضح جداً من النَّص القديم للمادة «77» أنَّها وُضِعَت لِتحمي العامل من بَطش صاحب العمل، وتجعل بينهما حَكَماً مُحايداً يَحكُم في مصداقية صاحب العمل وجِديَّة العامل، وهي هيئة تسوية الخلافات العمالية بوزارة العمل. وبالتالي، كانت الشركات والمؤسسات قبل تعديل المادة «77» لا تستطيع فَصل العامل بِشَخطَة قلم وتفتح له باب الخروج فوراً، كما حَدَثَ للشاب حَمّودي دون سابق إنذار، وكأنَّه عامل يومية، وليس موَظَّفاً خَدَمَ الشركة أكثر من خمس سنوات.
سيقول زملاؤنا الاقتصاديون ورجال القطاع الخاص، يجب أن يكون لدى مؤسسات القطاع الخاص المرونة الكافية Hire and Fire للتأقلم مع المتغيرات الاقتصادية، بحيث إنها تنحني إذا هَبَّت عليها رياح سَمُوم اقتصادية، وذلك بتقليل عدد الموظفين، ثُمَّ تزيد عددهم عندما تهب رياح مُحَمَّلة بالأمطار. هذا الكلام صحيح، ولا يُجادِل فيه عاقِل إذا كان جميع اللاعبين في سوق العمل مواطنين. ولكن حينما يكون أكثر من 90% من عمالة القطاع الخاص وافدين من دول معدل دخل الفرد فيها لا يتجاوز 20% من معدل دخل الفرد السعودي، فلا يستطيع شخص حصيف ومُنصِف يوازن بين السلبيات والإيجابيات الواقعية أن يُدافِع عن النص الجديد للمادة «77».
استقدمنا في سنة واحدة سكان دوَل!؟
ولكن الطَّامة الكُبرى في النَّص الجديد للمادة «77» لنظام العمل، هي حقيقة وجود أكثر من 11 مليون عامل وافد في المملكة، بل إنَّ وزارة العمل الموقَّرة أصدَرَت أكثر من ثلاثة ملايين تأشيرة استقدام في عام 2015م، منها 996 ألف عمالة منزلية و2.03 مليون عمالة قطاع خاص!! فهل يعي مسؤولو وزارة العمل معنى دخول ثلاثة ملايين و100 ألف وافد للمملكة في عام واحد!؟ إنهم أكثر من سكان دول كثيرة. بمعنى آخر، المملكة استقدمت سكان دولة كاملة في عام واحد. فهل سَيَتَمَكَّن أبناؤنا وبناتنا من منافسة ملايين هؤلاء العُمَّال الوافدين من دول فقيرة جداً!؟