يسعى رئيس النظام المصري، عبدالفتاح السيسي، مرة أخرى إلى فرض معادلة "التصدي للهجرة غير الشرعية مقابل المساعدات" على الاتحاد الأوروبي، لكن هذا المسعى يصطدم بعقبات عدة، لا سيما بعدما فقد السيسي ثقة أقرب البلاد الأوروبية له على المستوى السياسي، وهي إيطاليا، على خلفية
قضية مقتل الطالب الإيطالي، جوليو ريجيني، في مصر منذ نحو عام. ويضاف إلى ذلك فشله في تحسين أداء نظامه في القضايا الاجتماعية والحقوقية في مصر.
وتكشف مصادر في وزارة الخارجية المصرية أن الاجتماع الأخير الذي عقد في القاهرة الأسبوع الماضي، بين وفد جهاز الخدمة الخارجية في الاتحاد الأوروبي وعدد من قيادات وزارة الخارجية "سيطر عليه التوتر نتيجة رغبة الجانب المصري في إعادة فرض صورة مصر كشرطي يحمي السواحل الجنوبية للمتوسط ويساهم في تقليل معدلات الهجرة السرّية (غير الشرعية) إلى الدول الأوروبية". لكن "الجانب الأوروبي تساءل عما حققته القاهرة في ملفات أخرى قدمت فيها أوروبا مساعدات مالية لمصر لتطوير الأداء الإداري للحكومة وزيادة معدلات التعليم والتنمية"، وفق المصادر نفسها.
الأوروبيون حذروا من استمرار تراخي الحكومة المصرية في تنفيذ واجباتها
" وتقول المصادر، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الجانب الأوروبي وجّه لنظام السيسي انتقادات تتعلق بقمع الحقوقيين والتيارات المعارضة وغلق المجال العام. وتضيف أن "الوفد الأوروبي تساءل مستنكراً عن سبب تأخر كشف الحقيقة في
قضية ريجيني"، ووصف القضية بأنها "مهمة للغاية إذا ما أرادت مصر استمرار الدعم الأوروبي لها في مجالات التنمية والاقتصاد والسياحة والأمن" بحسب المصادر. وتلفت المصادر إلى أن "مسؤولي الخارجية تلقوا
تهديدات صريحة من الاتحاد الأوروبي ودول عدة في مقدمتها إيطاليا بتعليق التعاون في مجالات الأمن والتسليح والطيران والقضاء إذا استمرت أجهزة الأمن المصرية في حالة تعليق مسؤولية قتل
ريجيني على أطراف مجهولة أو ادعاء أن أجهزة أجنبية هي من ارتكبت ذلك الحادث دون دلائل واضحة"، على حد تعبير المصادر.
وعلى مستوى اتفاقيات التنمية، ألقى الجانب الأوروبي اللوم على نظام السيسي في تأخير حصد نتائج إيجابية لبعض الاتفاقيات التي تم توقيعها مسبقاً مع الاتحاد الأوروبي وبعض الدول كفرنسا وهولندا، مما سيؤدي إلى تأجيل إرسال
المساعدات المالية المتفق عليها كمرحلة تالية لتنفيذ تلك الاتفاقيات، وأبرزها في مجالات التعليم والزراعة وإدارة الموارد المائية. وفي السياق، تؤكد المصادر المصرية أن الجانب الأوروبي أكد وجود قائمة كبيرة من الدول الأفريقية والعربية التي أظهرت جدية في تنفيذ الاتفاقيات والتصرف بإيجابية في
المساعدات الأوروبية التي وصلتها في مجالات التنمية، وأبرزها إثيوبيا وزامبيا وأوغندا. لكن المصادر تضيف أن الأوروبيين حذروا من أن "تراخي الحكومة المصرية في تنفيذ واجباتها سيؤدي لتوجيه
المساعدات إلى دول أخرى أكثر جدية وتطوراً".
ردّ القاهرة على تعليق إيطاليا "التعاون العسكري": يغضب الأوروبيين
وعلى صعيد حقوق الإنسان، واجه الجانب الأوروبي الدبلوماسيين المصريين بمستجدات
قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، التي تم على خلفيتها، منع عشرات الحقوقيين من السفر وتجميد أموال 6 جمعيات و10 حقوقيين. ووصف مسؤول أوروبي هذه الهجمة بأنها "نكبة للمجتمع الحقوقي المصري الذي كان يتواصل بشكل جيد مع الاتحاد الأوروبي". واكتفى الجانب المصري بالرد على هذا التساؤل بأن "أجهزة الدولة لا تستطيع التدخل في أعمال القضاء المصري المستقل"، وهو الرد الذي أثار تحفظ المسؤولين الأوروبيين، وفق المصادر التي تؤكد أن هؤلاء تساءلوا أيضاً عن سبب تأخر تعهدات السيسي لحكومات
أوروبية أبرزها ألمانيا بحماية المنظمات الحقوقية التابعة لها من الملاحقة والتضييق.
وفي مقابل النصائح الأوروبية للدبلوماسيين المصريين وتأجيل الحديث عن بعض الملفات لجولة مفاوضات جديدة من المتوقع أن تكون بعد أسبوعين، لم يكن لدى الجانب المصري أي شيء للعرض سوى المستجدات الإدارية والإجرائية التي تمت في ملف التصدي للهجرة السرية. يتعلق الأمر بإصدار قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية، المطابق لمحتوى التشريع المشترك والمتفق عليه بين مصر والاتحاد الأوروبي قبل ثلاثة أعوام، فضلاً عن تشكيل لجنة حكومية لتطبيق القانون ورعاية ضحايا نشاط الهجرة غير الشرعية.
الجانب الأوروبي وجّه لنظام السيسي انتقادات تتعلق بقمع الحقوقيين والتيارات المعارضة