مسلط رجل كريم وذو صبر عظيم ، منذو نعومة أظافره عاش في فقر ، فلم يكن سبب فقره بخل والده عليه ، وأنما كرم والده اللذي لا يدع شيء من المال في يديه ، فهو لا يكنز الذهب والفضة ولا يندب حظه ، بل متوكل على الله حق الأتكال ، وملتجي إليه في كل الأحول ، فنيته مطيته ، وهو يحب مكارم الأخلاق ، وعنده يقين بأن الله هو موزع الأرزاق ، فأن حصل على مال ولو قليل ، فهو في نظره كثير ، فتراه دائم مبتسم محياه ، ولطيف الكلام من ربعه وزملاه ، فلا يتهرب من مساعدة الناس ، ولا يحس في نفسه بسوء نيه و وسواس ، إذا وجد ذو حاجه ساعده وأسعده ، وأن وجد في الطريق أذا عن الناس أبعده .
وقد تربى مسلط على خصال والده ، ونهل من منهله وطباعه ، ومشى على طريقه وفي ما أوصاه والده أطاعه .
وكان مسلط ، محبوب من النساء والرجال ، ولم يكن حبه منهم طمع في مايملك من مال ، بل فيما يملك من خصال .
فعمله في حب الخير ، ليس منه تمثيل ليزيد عند الناس حبه ، ولكن يعمل الخير لينال رضاء ربه .
فهو يسكن في قرية صغيره ، في الديرة ، ولكنه سعيد وأيامه كلها فرح وعيد ، فالسعادة تبرق في عينيه ، وتعرف مافي قلبه من شفتيه ، فهو لا يحمل حقد على أحد ، ولا يوجد في قلبه على غل ولا كمد .
وقد تزوج مسلط وبقيت معه زواجته عشرة أعوام ولكن لم يرزق ببنت ولا ولد. وقد عمل في المستشفى عدة تحليلات ، فأخبروه بأن السبب منه وأن حمل زوجته منه من سابع المستحيلات ، وقد بقيت معه زوجته طول هذه السنوات ، ثم طلبت منه الطلاق ، فهي ترى أن البقاء معه لا يطاق ، فهي لا تريد الوحده ، وقررت أن تتركه لوحده .
فلا يهمها كرمه أو بخله ، فهي تريد أن يكون لها ذرية ، يقومون بها إذا كبرت ، وعنها القوة والوسامة أدبرت ، فلن يقوم بها إذا كبرت الا أبناءها أو بناتها ، ولن ينفعها أخوانها وأخواتها ، فلن يرضى منهم أحد أن تقيم معه في بيته أو بيتها ، فمصيرها إلى الرباط ، أو إلى دار العجزه ، الا إذا حصلت معجزه .
وقد تحدثت لنساء القرية عن وضعها وحالها ، وشكت الى عمها وخالها ، وبكت أمام أخوانها ووالدها ، وبقيت عنده في البيت وترجته أن يدعها عنده في البيت ولزوجها لا يردها إذا كان يريد أن يسعدها وعن الهم يبعدها .
فقدر والدها وضعها وذهب الى رحيمه ، وصارحه بالأمر ، وأن أبنته قد شكت إليه ودمعها على خدها منهمر ، فهي تريد الذرية ، وقال له أريدك أن تطلقها وعن الكدر والظلم تبعدها .
وأنني مستعد أن أدفع إليك ماتريد من مال ، فزوجتك ليست كارهتك لصفة بطالة فيك ، ولم تشكو من تقصيرك معها في حال من الأحوال .
فأطرق مسلط إلى الأرض وأسلهم ، وكأن قد ضرب قلبة سهم ، او توقف عنه النسم ، ثم أخذ نفس وأغمض عيناه وكأنه نعس ، وكأن هذا التصرف مما في قلبه يحس .
فقال لوالدها يا عم ، سوف أحقق رغبتك ورغبة أبنك وأدعها بحياتها تنعم ، وأنا من ظلمها إذا هي ترى ذلك أسلم .
فطلقها أمام والدها ، وقال له الله يسعدها .
وبقي مسلط وحيد ، ولكنه عن صفاته اللتي يحملها لم يحيد ، وبقي عدة سنوات وهو لم يتزوج حتى بلغ الاربعين من عمره ، وقد سلم لله أمره وناجاه ، بأن يهي له فتاه ترضى به وتعيش معاه ، وأن يرزقه الله بالذرية ، فقد مل من الوحده ، وهو عايش في بيت لوحده ، لم يلقى أمراءه تتلقاه ، وتعمل له غداه وعشاه وتكون سبب في إزاحة مايلقاه من هم و معاناه .
وكان في القرية رجل لديه بنت قد تجاوز عمرها الثلاثين ولم تتزوج ، فذهب مسلط إلى والدها ، وخطبها منه ، وكان والد الفتاة رجل ميسور الحال ، وعنده مال ، وحلال ، ولكن جماعته قليلين ومتزوجين ، فلم يتقدم أحد منهم لخطبة أبنته منه .
فقال له ، أنت يامسلط رجل ونعم الرجل ، فنحن نعرفك أنك رجل كريم وذو أخلاق ودين ، ومن الرجال الغانمين ، ولكن حسبما سمعنا أنك لم ترزق بولد من زوجتك اللتي قد أنفصلت عنك ، وأن السبب منك .
وأنا لا أريد أن أظلم أبنتي معك ، وأزوجها لك ، الا إذا رضيت بك ، فأمهلني يومين ، أخذ رآيها ، وأخبرك بما بقبولها أو رفظها .
ورجع مسلط إلى بيته في إنتظار رد والد الفتاة عليه بما يشاء الله ...... وللقصة تكملة إن شاء الله ........