ما أكثر أدعياء حب الوطن !! وما أقبح أن يكون مصير الوطن سلعة رخيصة للمتاجرة !! وما أبشع أن يتخذ التغني باﻷوطان سلالم لتسلق المناصب القيادية !!
فهل اﻹخلاص لﻷوطان يقبع خلف اﻷبواق والمتاجرة الرخيصة ؟؟!!
إن اﻹخلاص لﻷوطان يكون بالتمسك بالمبادئ والقيم والثوابت وعدم التنازل عنها بحال من الأحوال ، كما يكون بالمحافظة على مكتسبات الأوطان وممتلكاتها ، وعدم المساس بسمعتها ، ولاتقتصر السمعة على مايتعلق بذات الوطن ، بل إن من يفرط بدينه وأخلاقه وقيمه عندما يسافر خارج وطنه فهو يضر بسمعة وطنه !! ومن يستغل منصبه الوظيفي لتوظيف أقاربه وأصدقائه على حساب اﻵخرين المتميزين فهو عدو لوطنه ، بل هو فاسد إداريا ، ولايجوز أن ننخدع به ، ولو تظاهر بالصلاح والنزاهة ، ولو تستر بحب الوطن كذبا واحتيالا ، ولو زكاه من زكاه كائنا من كان ، فهو يبقى خائنا لوطنه ، ﻷن الحقائق تبقى حقائق ، ولو طمست ، والشمس لاتحجب بغربال ، وحب الوطن الحقيقي لايقاس بالتطبيل واﻷراجيف والدعايات والادعاءات والكلمات المعسولة والمقابلات اﻹعلامية ، إنما يقاس بالمحافظة على الدين والنزاهة ، ونظافة اليد ، وسلامة المقصد ، وتطبيق القانون والنظام ، وعدم استغلال نفوذ الوظيفة ، ﻷن من تقلد منصبا وظيفيا ، ثم استغله لتحقيق مصالحه الخاصة فقد خطف ذلك المنصب واغتصبه وانحرف به عن أهدافه السامية في خدمة المصلحة العامة ، وحرم منه حقوق اﻵخرين المشروعة ، وكأن ذلك المنصب ملك خاص به ، وليس مؤتمنا عليه كاﻷجير ، وهذا عين الفساد اﻹداري الذي يؤدي إلى إلحاق الضرر باﻷوطان أبلغ الضرر وأقواه ....
وإذا أردت - أيها القارئ العزيز - أن تتعرف أحوال المخلصين الحقيقيين ﻷوطانهم على أرض الواقع ، فلا تنخدع بمايقال ويروج ، بل انظر إلى ما أنجز وحقق على أرض الواقع في ضوء الاختصاصات في نطاق الوظائف ، وانظر أيضا إلى أحوال من تتعرف عليه قبل تقلده المنصب الوظيفي ، ووازنها بأحواله بعد تقلده تلك المناصب ، هل استفاد شخصيا لنفسه ، من تلك المناصب الوظيفية ، أم لا ؟؟!! كم استفاد من تلك المناصب ؟؟!! وكم أرصدته في البنوك ؟؟ هل كان قبل المناصب فقيرا ، وبعد المناصب ثريا ؟؟!! من أين له هذا ؟؟؟!!! أليست أحواله قبل المناصب كانت هياكل عارية ، وبعد المناصب امتلك الدور والقصور والسيارات الفارهة من أموال اﻷمة اﻹسلامية ؟؟ هل هذا يخدم الوطن ؟؟!! أم ذلك فساد عميق ينخر جسد الوطن ويقوضه ؟؟!!
من أعطى الحق لمن تقلد المناصب الوظيفية في امتلاك تلك الثروات المالية التي هي من حق الوطن ومكتسباته ومشروعاته ؟؟!!
وقادتنا في السعودية لديهم من الوعي واﻹدراك والنضج ما يفوتون على أدعياء الوطن أحابيلهم وخدعهم ، فالقيادة السعودية لاتنخدع بمن يدعي ولاءه لوطنه ، وهو يستغل منصبه الوظيفي في توظيف أقاربه ومعارفه على حساب تميز اﻵخرين ....
نحن في عصر يتطلب خدمة الوطن من خلال اﻹنتاجية والعمل الجاد المثمر ، وليس من خلال التطبيل الفارغ ، والادعاء الكاذب ، فالكلام يستطيعه كل أحد ، لكن اﻹنجازات لاتنبثق إلا من خلال وضع اﻷمين القوي في المكان المناسب ، والتخطيط السليم ، واﻹدارة المتميزة ، والعمل الهادف ، والتعاون البناء ، وهذا لا يقدر عليه إلا المنتجون المخلصون ﻷوطانهم ... وأي فائدة يجنيها الوطن من المسؤول الذي يطبل ويدعي ويثرثر ويخرج لﻹعلام بكلام معسول ، لكنه في واقع عمله الوظيفي غير نزيه ، أوغير عملي ، أوغير منتج ، أوسيئ اﻹدارة ، وربما كان مستغلا لمنصبه أبشع استغلال وأقواه ؟؟!!
إن ديننا الإسلامي دين العمل واﻹنتاج والبذل والعطاء ، وليس دين الادعاء واﻷباطيل والتطبيل ، والقرآن الكريم حافل بالدعوة إلى العمل ، وليس القول ، ورسولنا الكريم وصحابته وأتباعه عبر تاريخ اﻹسلام الطويل قادوا الدنيا بأعمالهم وليس بأقوالهم ، ولو طبقنا ذلك الدين في أعمالنا الوظيفية التطبيق الصحيح لقدمنا خدمات جليلة ﻷوطاننا في مختلف المجالات ، ووالدنا العظيم المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله طالما أكد على العمل وليس القول ، وخطب جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله تنضح بالعمل والبعد عن التطبيل الفارغ حتى تجاه شخصه ، ﻷن التطبيل ليس هو الذي يخدم اﻷوطان ، فما أكثر المطبلين في اﻹعلام !! فانظروا إلى ماذا قدموا ﻷوطانهم مع تطبيلهم !! إنما الذي يخدم اﻷوطان العمل المؤسسي القائم على التخطيط والشفافية والمحاسبة والنزاهة والشورى والاستقلالية والمحافظة على الثروات الوطنية ومنع الهدر واستغلال النفوذ ....!!!
والذين انصهروا تحت مظلة أوطانهم أقسام شتى ، منهم من خدم وطنه ، وخدم نفسه عبر خدمته لوطنه على نحو متعادل ، ومنهم من خدم وطنه قليلا ، وأعطى نفسه كثيرا نتيجة تلك الخدمة الصغيرة ، ومنهم من لم يقدم لوطنه خدمة تذكر ، لكنه استغل وظيفته الرسمية في تحقيق مكاسب شخصية ، فألحق الضرر بوطنه لحساب شخصه ، وهذا هو السرطان المدمر ، ومنهم من ضحى بوقته وجهده وصحته خدمة لوطنه ، ونزه نفسه عن التلطخ بالفساد ، وهذا هو الصنف الذي تقوم على كواهله اﻷوطان ، ﻷنه صنف يعمل بصمت ، ويدع اﻷعمال تتحدث عن نفسها ، وليس اﻷقوال ... !!!
إن اﻷوطان ليست بحاجة إلى أصحاب الثرثرة اﻹعلامية ، والجوقات الدعائية ، ونقيق الضفادع ، ونعيق الغربان ، فمتى تحمى اﻷوطان اﻹسلامية من سراب اﻷدعياء ، وتسلق المنتفعين ، وطبول المطبلين ؟؟!!
وبعض المحسوبين على الاتجاه اﻹسلامي يظن أن مجرد استقامته على الطريق الصحيح يعفيه من اﻹخلاص في الوظيفة الرسمية ، وهذا خلل في التفكير وانحراف في المفاهيم ، ﻷن الاستقامة تقتضي اﻹخلاص والنزاهة واﻷمانة في كل تصرف وسلوك ، والعمل الوظيفي لون من ألوان العبادة إذا كان خالصا لوجه الله سبحانه وتعالى ، فكيف يدخل الفساد اﻹداري تلك العبادة ؟؟!! ألا يعد من استغل وظيفته الرسمية لتحقيق مكاسب شخصية له وﻷقاربه منحرفا في فكره وسلوكه عن مقتضيات العبادة من خلال الوظيفة الرسمية ؟؟!! وكيف ينظر المجتمع إلى من استغل وظيفته الرسمية لمآرب شخصية بأنه ذو تقى وصلاح ووطنية ، بحجة أنه يتغنى بالدين الإسلامي وهو على خلاف ذلك ؟؟!!
ومن عيوب بعض المجتمعات أنه يمنح ثقته من لايستحقها ، ويحجب ثقته عمن يستحقها ، بدافع الانخداع بالمظاهر البراقة ، أوالاغترار بأثر الهالة التي يخلعها اﻹعلام أحيانا على بعض الرموز !!!
ومن كان بريئا من التهم فلن يضره الغبار المتطاير حوله ، ومن كان متلطخا بالفساد واستغلال النفوذ الوظيفي فلن ينفعه تزكية المزكين وإن علوا ، ﻷن الواقع المشاهد يعري كل فساد ، ويبرئ كل نزيه ....!!!
وفي وطننا السعودي كوادر وطنية تحتذى في الإخلاص والنزاهة واﻷمانة ، خدمت وطنها خدمات يشهد لها الواقع ، وليس اﻹطراء الكاذب ، أوالتملق الفارغ ، وسلمت من استغلال الوظيفة لتحقيق مكاسب شخصية ، وهي عند قيادة بلادنا محل التقدير والاحترام ، لكن في المقابل قد يوجد لدينا من استغل وظيفته الرسمية لتحقيق منافع شخصية له على حساب مصلحة الوظيفة والمصلحة العامة ، وحتما لن يكون بمنأى عن سلطة القانون والنظام ، فنحن جزء من هذا العالم ، ولسنا نعيش في مدينة أفلاطون الفاضلة ، أو في مجتمع ملائكي ....!!!
وتتعاظم المسؤولية الوظيفية تجاه الدين والوطن كلما ترقى الموظف في سلم الوظيفة ، فمسؤولية الرؤساء والملوك ليست كمسؤولية الوزراء ، ومسؤولية الوزراء ليست كمسؤولية الوكلاء ، ومسؤولية الوكلاء ليست كمسؤولية مديري العموم ، وهكذا ، ﻷن القرارات التي يمتلكها الرؤساء والملوك ليست كالقرارات التي يمتلكها غيرهم ، ويتعين على من يمتلك القرار أكثر من غيره أن يتحرى الدقة والموضوعية والنزاهة قبل اتخاذ القرار ، ﻷن قراره يترتب عليه آثار متعدية ليس من السهل معالجتها وتلافيها إذا كان القرار غير صائب !!! كيف لا ، وقرارات مصير اﻷوطان بأيدي القادة ؟؟!! وانظر مثلا إلى واقعنا المعاصر اليوم ، لماذا ضاعت بعض البلاد ، وأصبحت لقمة سائغة لﻷجنبي لولا تلك القرارات غير الرشيدة التي لم تصدر خدمة لﻷوطان ، بل صدرت خدمة للمصالح الشخصية والنزعات الطائفية والاتجاهات المذهبية ؟؟!!
وهناك قواعد أرتئيها لاستكشاف علامات الفاسدين إداريا في البلاد الإسلامية ، الخائنين ﻷماناتهم ، ومنها هذه القواعد التي يستلزم توافرها مجتمعة في الشخص ، ولاتدل على شيء مؤكد إذا لم تجتمع :
1 - قاعدة المبالغة في التضخيم والتهويل :
يتدثر من استغل وظيفته الرسمية لتحقيق مكاسب شخصية بالمبالغات في اﻹطراء والمديح لﻹنجازات واﻷشخاص ، ليحجب اﻷنظار عن فساده اﻹداري الذي أثار حوله زوبعة من المبالغات ، وكأنه يحتمي بمقتضى مديحه من أن تطاله يد القانون ، ولكن هيهات !!! أما المخلصون الحقيقيون ﻷوطانهم اﻹسلامية فهم واقعيون في تعاملهم مع اﻹنجازات واﻷشخاص ، إذا امتدحوا امتدحوا باعتدال ، وإذا نقدوا نقدوا باعتدال وموضوعية ...
2 - قاعدة المصطلحات العامة :
يستخدم عادة ذوو الفساد اﻹداري المصطلحات العامة الفضفاضة الواسعة التي تمكنهم من اللف والدوران والتحايل والهروب والتنصل وقت الحاجة ، ومن مصطلحاتهم : أعظم شيء ، وأكبر دليل ، وأفضل الموجود ، وأجود الممكن ، وأيسر اﻷشياء ، ونحو ذلك من المصطلحات الواسعة الغامضة البراقة التي تخدع وتخدر ، وليست من العلمية والموضوعية في شيء ...!!! أما غيرهم من المخلصين فهو منضبط ، يستخدم المصطلحات الدقيقة للتشخيص والعلاج كانضباط شخصه ...!!!
3 - قاعدة التلون والتناقض في المواقف :
صاحب الفساد اﻹداري متلون كالحرباء في مواقفه ، فهو ليس صاحب مبدأ ، ﻷنه يركض خلف مصالحه وأطماعه الشخصية ركضا ، ويهرول مسرعا ، يسيل لعابه نحو مآربه ، لا يردعه دين ، ولا يؤرقه ضمير ، يضحي بالمبادئ لحساب ولعه بالدنيا ، ضميره ميت ، تجده في مواقفه في الصباح مشرقا ، وفي المساء مغربا ، يأكل على كل الموائد ، لايحترم نفسه ، ولا يثمن قيمة مركزه الوظيفي ....!!! أما المخلصون فهم أرباب المبادئ والثوابت ، لايساومون عليها ، ولايتنازلون عنها ....!!!
4 - قاعدة تشكيل الشبكات :
يستخدم أهل الفساد اﻹداري عادة شبكات من العلاقات اﻻجتماعية على مختلف المستويات ، لتثبيت مراكزهم الوظيفية ، والاحتماء بتلك العلاقات وقت اﻷزمات ، وصناعة السلالم للتسلق ، واستغلال وظائفهم الرسمية في تحقيق المكاسب الشخصية لهم عن طريق العلاقات الاجتماعية ، ﻷن الفساد اﻹداري له أجنحة تقوم على نسيج متين من العلاقات الشخصية داخل المجتمعات ....!!! أما غيرهم من العناصر الوطنية المخلصة فهو لايركز على العلاقات كثيرا ، وإذا وجدت تلك العلاقات فهو يستثمرها في خدمة وظيفته الرسمية ، ولايجعل الوظيفة تحقق له مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة ...!!!
5 - قاعدة تغير اﻷحوال واﻷوضاع :
استغلال الموظف لوظيفته الرسمية - خاصة إذا كانت وظيفة مرموقة - جعل منه ثريا مترفا بعد أن كان فقيرا معدما ، كان باﻷمس قبل أن يكون ذا منصب يعيش على الكفاف ، ولكنه بعد المنصب الوظيفي قد ملك الثروات والقصور وأرصدة البنوك ، وهذا عين الفساد اﻹداري ، أما غيرهم من المخلصين ﻷوطانهم فقد راعوا اﻷمانة في الوظائف الرسمية ، ولم يسمحوا لأنفسهم أن تدر عليهم الوظائف الألبان الوفيرة ....!!! والله الموفق .
المشرف التربوي : عبدالعزيز بن محمد المقوشي .
إدارة تعليم محافظة البكيرية .