عِللُ حديث «خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ».
بقلم: خالد الحايك
هذا الحديث من الأحاديث المشتهرة جداً، ولا يكاد يمر بك كتاب أو مقالة أو خطبة إلا وتجده فيها، وقد ملأ الدنيا، واحتج به الناس على ظهور الأمراض الجديدة بسبب الإعلان بالفاحشة، وغير ذلك.
وكذلك احتج به كثير من الأطباء المعتنين بالإعجاز النبوي حتى لا يكاد مؤتمر أو ندوة إلا ويذكروا هذا الحديث!!
ولكن الإنصاف أن نبيّن هل ثبت هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ننسبه له ونحتج به؟!
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (12/446) عن جعفر بن محمد الفريابي، عن سليمان بن عبدالرحمن ابن بنت شرحبيل الحمصيّ، به، مختصراً، وذكر ما يتعلق بمنع الزكاة فقط.
قلت: هذا الحديث تفرد به خالد بن يزيد بن أبي مالك (105-185هـ) عن أبيه، وكان من فقهاء الشام! ولكنه في الحديث لا شيء، منكر الحديث!
قال عبّاس الدوري عن يحيى بن معين: "خالد بن يزيد بن أبي مالك ضعيف". وفي موضع آخر: "ليس بشيء".
وقال ابن أبي الحواري: سمعت ابن معين يقول: "بالعراق كتاب ينبغي أن يدفن: تفسير الكلبي عن أبي صالح، وبالشام كتاب ينبغي أن يدفن: كتاب الديات لخالد بن يزيد بن أبي مالك، لم يرض أن يكذب على أبيه حتى كذب على الصحابة".
قال أحمد بن أبي الحواري: "سمعت هذا الكتاب من خالد، ثم أعطيته لعبدوس العطّار فأعطى للناس فيه حوائج".
وقال أحمد بن أبي يحيى: سمعت أحمد بن حنبل يقول: "خالد بن يزيد بن أبي مالك: ليس بشيء".
وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سئل أبي عن خالد بن يزيد بن أبي مالك، فقال: "يروي أحاديث مناكير".
وقال النسائي: "خالد بن يزيد بن أبي مالك: ليس بثقة".
وقال ابن حبان في «المجروحين» (1/284): "كان صدوقاً في الرواية، ولكنه كان يخطىء كثيراً، وفي حديثه مناكير، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد عن أبيه".
وقال ابن أبي شيبة في «سؤالاته لابن المديني» (ص159): وسألته عن خالد بن يزيد بن أبي مالك، فقال: "كان ضعيفاً".
وقال يعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/264): "ويزيد بن أبي مالك، شامي كان قاضياً، وابنه خالد بن يزيد بن أبي مالك: في حديثهما لين".
قلت: فهذه أقوال أهل النقد فيه، وحاصلها أنه منكر الحديث! وما جاء عن بعض أهل العلم من تمشية حاله فإنه لا يصمد أمام هذه الأقوال.
وقد نُقل عن أحمد بن صالح المصري أنه وثقه!
ونقل ابن عساكر عن أبي زرعة الدمشقي في ذكر نفر ثقات: "خالد بن أبي مالك"، قال: "بلغني عن أحمد بن محمد بن الحجاج بن رِشدين أنه قال: سألت أحمد بن صالح، فقلت له: خالد بن يزيد بن أبي مالك ثقة؟ فقال لي: نعم". [تاريخ ابن عساكر: 16/297].
وجاء في موضع آخر (16/293) عن أبي زرعة: بلغني عن أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين قال: قيل لأحمد - يعني ابن صالح المصري -: فخالد بن يزيد بن صبيح كأنه أرفع من هؤلاء وأنبل، فشد أحمد يده، وقال: "نعم"، ورأيت مذهب أحمد إنه أنبل من هذين - يعني خالد بن يزيد بن مالك والحسن بن يحيى الخشني-.
وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/359) سُئِل أبو زرعة عنه، فقال: "لا بأس به، حدّث عنه ابن المبارك".
وقال ابن عدي بعد أن ذكر له أحاديث في «الكامل» (3/12): "ولخالد بن يزيد غير ما ذكرت من الحديث، وعند سليمان بن عبدالرحمن عنه كتاب مسائل عن أبيه، وعند هشام بن خالد الأزرق عنه كتاب، وأبوه يزيد بن أبي مالك فقيه دمشق ومفتيهم، وله مسائل كثيرة، ولم أر في أحاديث خالد هذا إلا كل ما يحتمل في الرواية، ويرويه عن ضعيف عنه فيكون البلاء من الضعيف لا منه".
قلت: بل حديثه كله لا يُحتمل، وقد تتبعت أحاديثه فوجدتها منكرة جداً!! والبلاء منه!
ونقل ابن شاهين في «ذكر من اختلف العلماء ونقاد الحديث فيه» (ص51) أن أحمد بن صالح وثقه. قال: قيل لأحمد – أي ابن صالح-: فخالد بن يزيد بن صبيح كأنه أرفع من هؤلاء وأنبل، فشدّ أحمد يده وقال: نعم.
ونقل ابن شاهين أيضاً عن أحمد بن حنبل أنه قال: "خالد بن يزيد ثقة".
قال أبو حفص ابن شاهين: "ولا أدري أراد أحمد بن حنبل خالد بن يزيد بن أبي مالك أو خالد بن يزيد بن صبيح".
ثم نقل عن يحيى بن معين أنه قال: خالد بن يزيد بن أبي مالك: "ليس بشيء"، كذا قال في رواية العباس بن محمد عنه. وقال في رواية المفضل بن غسان عنه: خالد بن يزيد بن عبدالرحمن ابن أبي مالك يحدث عن أبيه عن جده هانئ أبي مالك الهمداني، فضعّف يحيى هذا الشيخ.
قال أبو حفص: "وهذا الكلام في خالد بن أبي مالك يوجب التوقف فيه؛ لأن أحمد بن حنبل وأحمد بن صالح إذا اجتمعا على مدح رجل لم يجز أن يذم بضعف، والله أعلم".
قلت: لم يثبت عنهما أنهما وثقاه!! أما ما نقل عن أحمد بن صالح فقد نقل أبو زرعة الدمشقي أنه قال في ذلك: "بلغني"، وهذه صيغة تضعيف لا تثبت هذا القول عن أحمد بن صالح.
وأما ما نقله عن أحمد بن حنبل، فهو – غفر الله له- ليس متأكداً من الذي وثقه الإمام أحمد! أهو خالد بن يزيد بن أبي مالك أم خالد بن يزيد بن صبيح!!
وقد نقلنا أن أحمد قال في خالد بن يزيد ابن أبي مالك: "ليس بشيء"! والذي أخشاه أنه وهم في ذلك فالقول لأحمد بن صالح لا لأحمد بن حنبل، اشتبه عليه! والله أعلم.
والخلاصة أن خالد بن يزيد ابن أبي مالك: منكر الحديث.
علّة أخرى للحديث: عطاء بن أبي رباح لم يسمع من ابن عمر!
وفي الحديث علّة أخرى، إن ذهب بعضهم إلى قبول رواية خالد بن يزيد هذا!! وهي عدم ثبوت سماع عطاء بن أبي رباح من ابن عمر.
قالَ الإمام أَحْمَد بن حَنْبَلٍ: "عَطَاءُ - يَعْنِي ابنَ أَبِي رَبَاحٍ - قَدْ رَأَى ابنَ عُمَرَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ".
وقالَ عَلِيُّ بن الْمَدِينِيِّ: "عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ رَأَى عَبْدَاللَّهِ بنَ عمر وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ".........والخلاصة أن هذا الحديث ضعيف بكلّ طرقه، ولا يتقوى بالمتابعات والشواهد؛ لأنها واهية، تفرد بها بعض الضعفاء والمتروكين، ومن هم ليسوا بأهل للتفرد ممن يكتب حديثهم ولا يحتج به.
وقد ثبت بعضه من قول ابن عباس إلا أنه جاء أيضاً عن ابن عباس عن كعب الأحبار، ورُوي عن ابن عباس مرسلاً، وأصله من رواية كعب الإسرائيلية. ولما انتشر بين الضعفاء زِيد فيه حتى وصل إلى هذه القصة المنكرة: "يا معشر المهاجرين..."! وكأن النبيّ صلى الله عليه وسلم حريص فقط على المهاجرين دون غيرهم!! والله المستعان.