يبدو أن غياب الأسباب وبقاء المظاهر أمر
تتشارك فيه الشعوب .
كرمةالثوب :
وهي عبارة عن ثنية بسيطة بعرض لا يزيد
عن سنتيمترين، كان القصد منها تفادي قصر الأكمام بعد غسيل الثوب الذي كان يصنع من
قماش يقصر بعد الغسيل،وكانت الأمهات يلغين الكرمة بعد عدة غسلات . ومع أنه لم
يعد للقماش الذي يقصر وجود في حياتنا، إلا أن الكرمة استمرت موجودة في حياة الكثير من الخياطين وكثير من الناس .
وهذه شابة تسأل أمها عن خطوات طبخة
معينة يعتبر السمك أحد أركانها، فقالت لها
أمها أولاً اقطعي رأس السمكة وذيلها ثم
إقليها ، فاستهجنت الفتاة ذلك، وسألتها عن
سر قطع رأس السمكة وذيلها، فقالت: لا أدري فقد كنت أرى أمي تفعل ذلك، فسارعت الفتاة إلى جدتها لتسألها عن السر،
فقالت الجدة: لم يكن عندي يا ابنتي مقلاة
كبيرة تتسع للسمكة بكاملها فكنت أضطر
لقطع الرأس والذيل ثم أقليهما بعد ذلك
فغاب المبرر أوالسبب وبقي المظهر مقطوعا عن سببه .
وهو نفس الأمر مع كرمة الثوب
وهو المنطق نفسه الذي يحكم من قالوا:
(إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)
فحين يسير المرء متبعاً بغير وعي ولا بصيرة يمكن أن يترك للثوب كرمة، وقد يقطع رأس السمكة وذيلها ويرمي بها في صناديق القمامة باعتبارهما جزءين غير مهمين .
ويبدو أننا لا زلنا نحتفظ بالكثير من الكرمات ولا زلنا نرمي الكثير من الأدوات في حياتنا فقط لأننا رُبينا عليها، بغض النظر عن مبرر وجودها، فقد نسينا مبررات كثيرة لكثير من الأفعال .
ولا يزال البعض ممن ربوا في بيوت كبيرة
أو في مزارع أو في البوادي يتحدثون
بأصوات مرتفعة كانوا مضطرين لاستخدامها
حتى يتواصلوا مع غيرهم ممن يعيشون
معهم ومع أن الشقق صارت صغيرة يسمع
سكانها أصوات بعضهم البعض حتى لو كانت
هامسة ومع ذلك حين يتحدث هؤلاء في
الهاتف وهم في الأماكن العامة يتحدثون
بأصوات مرتفعة كما لو كان من يتحدثوا إليه
أصم ويمكننا جميعا أن نسمع تفاصيل
المحادثة شئنا أم أبينا.
ويبدو أن غياب مبررات الأعمال يجعل
الكثير من الناس يحافظون على سلوكيات
ليس من الحكمة المحافظة عليها بعد التبدل
والتغير الذي أصاب الناس .
فوجود الرسائل عبر الجوالات والإنترنت
ألغيا عملياً بطاقات الدعوة التي كانت
تستخدم في الأفراح .
ولكن ما زلنا نستخدمها ونخسر الكثير من الأموال عليها مع انتفاء مبرر وجودها .
لقدانتقل التقديس إلى أساليب كثيرة وجدت
أساسا في ظروف لم يعد لها وجود .
فكم هوجميل أن يعمل الفرد منا عقله قبل أن
يتشبث بعادات كانت صالحة لزمان غير هذا
الزمان، والتخلي عنها لا يسبب لنا أي أذى بل
الأذى يبقى مرتبطاً بممارسة أنواع من
السلوك لم يعد هناك أي مبرر لممارستها