لڪَي ٺٺمڪَن من آلمشآرڪَة معنآ عليڪَ آلٺسجيل من هنآ

يمنع وضع الصور النسائية والأغاني والنغمات

http://www.x2z2.com/up/uploads/13328416481.png

 
العودة   منتديات شمس الحب > «®™§¤§ منتــديات شمس الحب الآداريــــة §¤§™®» > سلة المحذوفات والمواضيع المكررة
 

سلة المحذوفات والمواضيع المكررة اي موضوع مكرر ومهيء للحذف تجده هنا

 
 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم منذ /02-01-2019, 05:01 PM   #1

لميسـ غير متواجد حالياً

 رقم العضوية : 9523
 تاريخ التسجيل : 23 - 9 - 2008
 الجنس : ~ الاهلي
 المشاركات : 155,340
 الحكمة المفضلة : Canada
 SMS :

Male

افتراضي فقه إنكار المنكر عند ابن تيمية

أنا : لميسـ





فقه إنكار المنكر عند ابن تيمية

إنكار المنكر عند ابن تيمية فقه نحتاجه اليوم في عالم مشحون في كثير من المخالفات الشرعية


المقدمة:
الحمد لله حمد الشاكرين المتفقهين في دينه العارفين به، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، الذي أرسل بالحق والدين القويم، وأنزل معه ما إن تمسكنا به عشنا سعداء، وعلى آله الطيبين وصحبه المبجلين وبعد …

فقد شاءت إرادة الله عزّ وجلّ أن يجعل الرسالة المحمدية خاتمة الرسالات، ولهذا كان ضرورةً أن تكون هذه الرسالة شاملة لأهلِ الأرضِ جميعاً، حتى قيام الساعة، وأن يكون منهاجها صالحاً لكل زمان ومكان، ومصلحاً لكل شؤون أهل الأرض، مما يكون له الأثر في حياتهم الدنيا والآخرة.

ولما كان من طبيعة أهل الأرض اقتراف ما لا تستقيم عليه حركة حياتهم في هذه الأرض إنْ غفلةً، وخطأً، وإنْ عمداً، وخطيئةً، كان ضرورةً أن يكون في منهج الرسالة الخاتمة، ما به يتحقق لأهل الأرض تقويم ما اعوجّ وإصلاح ما فسد، على نحو لا يتجاوز طاقة من يقوم لهذا التقويم، وذلك الإصلاح، ولا يشتط فيهلك، من كان منه عوجٌ أو زلت به قدمٌ..فكان في رسالة الإسلام الخاتمة ما يرسم الطريق المستقيم، وما يبين الغاية من تقويم العوج، وإصلاح الفساد، وتغيير المنكر، وكان فيها -أيضاً- ما يجلِّي وسائل هذا التقويم والإصلاح والتغيير، حتى يتخذ لكل عوجٍ وفسادٍ ومنكرٍ وسيلته، التي هي أليق به، وأهدى إلى الغاية من تقويمه وإصلاحه وتغييره.

ولما كان القيام بذلك الإصلاح والتغيير بحاجة إلى الفقه والحكمة، كانت هذه الدراسة:
(( فقه إنكار المنكر عند ابن تيمية في الفتن والمحن)) ولأن ابن تيمية رحمه الله كان من العلماء الذين نشأوا في زمن الفتنة، وترعرعوا فيه، ورأوا من المنكرات ما لا يقرُّ لها جنان، ويهدأ لها بال.

ونحن في زمن مشابه لذاك الزمان، فأردت أن أقدم صورة وضاءةً لأمة حائرة؛ علها تستبين الطريق، وتخرج من محنتها بالاقتداء، وتقال عثرتها بالإتباع فكان هذا سبب اختيار عنوان البحث.


وقد اقتضت طبيعته أن يقسم بعد هذه التقدمة إلى تمهيد ذكرت فيه نبذةً وجيزةً مقتضبةً من حياة ابن تيمية، وإلى مبحثين وخاتمة.

المبحث الأول: إنكار المنكر عند ابن تيمية.
وقد اندرجت تحته ستة مطالب.
المطلب الأول: تعريف إنكار المنكر.
المطلب الثاني: حكم إنكار المنكر.
المطلب الثالث: أنواع المنكر.
المطلب الرابع: ضوابط إنكار المنكر.
المطلب الخامس: شروط إنكار المنكر.
المطلب السادس: مراتب إنكار المنكر.

المبحث الثاني: طرق إنكار المنكر عند ابن تيمية وأثرها في إنقاذ الأمة.
وقد اشتمل على ثلاثة مطالب.
المطلب الأول: طريق الإنكار باليد.
المطلب الثاني: طريق الإنكار باللسان مواجهةً.
المطلب الثالث: طريق الإنكار باللسان فتوىً.

ثم الخاتمة سطرت فيها أهم النتائج التي أوصلني البحث إليها والمقترحات التي رأيتها. وأخيراً أسأل العلي القدير بمنه وفضله وجوده أن يمن ّعلى وطني الجريح بالذي فقده، وأن يُزاد مما افتقده، وعلى الأمة بالوحدة والسلام والإيمان، إنه ربي وهو القادر على ذلك.
آمين.





المبحث الأول: إنكار المنكر عند ابن تيمية
وفيه ستة مطالب
المطلب الأول: تعريف الإنكار والمنكر
ألإنكار لغة: الجحود، والمناكرة المحاربة، وناكره: أي قاتله؛ لأن كل واحد من المتحاربين يناكر الآخر.
والإنكار مصدر، والنُكر إسم، ويقال أنكرت الشيء وأنا أنكره إنكاراً و نكرته [1].

المنكر لغة: المنكر ضد المعروف[2].

إنكار المنكر اصطلاحاً هو: (الزجر عما لا يلائم في الشريعة، وقيلإنكار المنكر: المنع عن الشر، وقيل إنكار المنكر: نهي عما تميل إليه النفس والشهوة، وقيل إنكار المنكر: تقبيح ما تنفر عنه الشريعةُ والعفةُ، وهو ما لا يجوز في دين الله تعالى)[3] والذي يبدو لي من خلال إمعان النظر في التعاريف السابقة أنها تندرج تحت مفهوم واحد وهو: المنكر ما أنكره الشرع وحذر منه.

ويمكن أن نستخلص تعريفاً للمنكر عند ابن تيمية بأنه: ما طرأ على شرع الله بما لا يرضاه من مخالفة كتبه ورسله ودينه، وقد استقيت هذا من قوله: (الذي أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله وهو من الدين)[4].

وقال أيضا: (فالدعوة إلى الله تتضمن الأمر بكل ما أمر الله به، والنهي عن كل ما نهى الله عنه، وهذا هو الأمر بكل معروف والنهي عن كل منكر، والرسول صلى الله عليه وسلمقام بهذه الدعوة فإنه أمر الخلق بكل ما أمر الله به، ونهاهم عن كل ما نهى الله عنه أمر بكل معروف ونهى عن كل منكر)[5] مستدلاً بقوله تعالى﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[6].


المطلب الثاني: حكم إنكار المنكر
المنكرات متى وجدت في أمةٍ وجدت معها الويلات والثبور؛ لذا ينبغي على علمائها الوقوف بوجهها، ومعالجتها لكي تسلم وتغنم، وأن يقفوا منكرين لها، وقد اختلف العلماء في حكم إنكار المنكر، أيجب على كل أحد أم يجب على المستطيع فقط ؟.

فقد ذهب ابن تيمية: إلى أن إنكار المنكر واجب على كل مسلم قادر، وهو فرض على الكفاية، ويصير فرض عين على القادر الذي لم يقم به غيره، والقدرة: هي السلطان، فالسلطان أقدر من غيره، وعليه من الوجوب ما ليس على غيره، فان مناط الوجوب هو القدرة، فيجب على كل إنسان بحسب قدرته، واستدل بقوله تعالى﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [7].. [8]والذي يبدوا لي أن ابن تيمية بنى قوله هذا انطلاقاً من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهقال سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلميقول: (من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)[9].

فالنبي صلى الله عليه وسلمحث العلماء والسلاطين خاصة والناس عامة على التدرج في النهي عن المنكر من الأفضل إلى الأقل فضيلة حسب الاستطاعة، حتى وصل إلى أضعفها وهو الإنكار القلبي الذي لا يغير من المنكر شيئاً، وهذا يستطيعه كل أحد فلذا يجب على الجميع، فقد قال ابن تيمية: (فأما القلب فيجب بكل حال إذ لا ضرر في فعله ومن لم يفعله فليس هو بمؤمن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم(وذلك أضعف الإيمان) وقال صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلك من الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ)[10] وقيل لابن مسعود من ميت الأحياء؟ فقال: الذي لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا) [11].

أما التغيير باليد فإن ابن تيمية كما رأيناه يرى ذلك من عمل السلطان، وهذا في غاية الحكمة لئلا تحدث الفوضى، فيؤدي إنكار المنكر إلى منكر أشد.

المطلب الثالث: أنواع المنكر
يرى ابن تيمية أن المنكرات هي: ما تستوجب العقوبة وهي من اختصاص الإمام فلا يقوم بها كل أحد، أما بقية الناس فطريقهم في إنكار تلك المنكرات النصح باللسان وبمعروفٍ أو ألإنكار القلبي عند عدم الاستطاعة.

فقد قال: (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية؛ فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن[12]، وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور وذلك يحصل بالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات)[13].

فالمنكرات عنده على نوعين:
النوع الأول: المنكرات المستحقة للعقوبة المقدرة: مثل ألافتراء وعقوبته جلد المفترى ثمانين جلدة والسرقة وعقوبتها قطع يد السارق، وغيرها.

النوع الثاني: المنكرات المستحقة للعقوبة غير المقدرة(التعزير):
والتعزير أجناس:
1- ما يكون بالتوبيخ والزجر بالكلام.

2- ما يكون بالحبس.

3- ما يكون بالنفي عن الوطن.

4- ما يكون بالضرب، فان كان ذلك لترك واجب مثل الضرب على ترك الصلاة أو ترك أداء الحقوق الواجبة مثل ترك وفاء الدين مع القدرة عليه أو على ترك رد المغصوب أو أداء الأمانة إلى أهلها فانه يضرب مرة بعد مرة حتى يؤدى الواجب ويفرق الضرب عليه يوما بعد يوم وان كان الضرب على ذنب ماض جزاءً بما كسب ونكالا من الله له ولغيره فهذا يفعل منه بقدر الحاجة فقط وليس لأقله حدّ[14].


المطلب الرابع: ضوابط تغيير المنكر
جعل ابن تيمية لإنكار المنكر عدة ضوابط أفصلها على النحو الآتي:
1- أن لا يكون إنكار المنكر بإفراط أو تفريط:
ومثال ذلك أن يحصل من بعضهم تقصير في المأمور، أو اعتداء في المنهي، إما من جنس الشبهات وإما من جنس الشهوات، فيقابل ذلك بعضهم بالاعتداء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو بالتقصير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والإخلال بهذا الضابط فيه شبه بأهل الكتاب الذين ذمهم الله حيثجل شأنه ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ[15]... [16] وقال رحمه الله: (فما أحسن ما قال بعض السلف، ما أمر الله بأمر إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين، لا يبالي بأيهما ظفر، غلو أو تقصير، فالمعين على الإثم والعدوان بإزائه تارك الإعانة على البر والتقوى، وفاعل المأمور به وزيادة منهي عنها بإزائه تارك المنهي عنه وبعض المأمور به والله يهدينا الصراط المستقيم ولا حول ولا قوة إلا بالله) [17].


2- أن لا يؤدي إنكار المنكر إلى ارتكاب أعظم الضررين:
ومن الشواهد على هذا الضابط قوله تعالى﴿ يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ[18].

وجه الدلالة: وإن كان قتل النفوس فيه شر، فالفتنة الحاصلة بالكفر وظهور أهله أعظم من ذلك، فيدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما.

ومثل آخر: من يدع ذبح الحيوان أو يرى أن في ذبحه ظلما له فهو جاهل؛ فإن هذا الحيوان لا بد أن يموت، فإذا قتل لمنفعة الآدميين وحاجتهم كان خيرا من أن يموت موتا لا ينتفع به أحد، والآدمي أكمل منه، ولا تتم مصلحته إلا باستعمال الحيوان في الأكل والركوب [19]. قال صاحب أضواء البيان:
(يشترط في جواز الأمر بالمعروف أن لا يؤدي إلى مفسدة أعظم من ذلك المنكر لإجماع المسلمين على ارتكاب أخف الضررين)[20].

3- أن لا يكون إنكار المنكر بطريقة منكرة.
وهذا الضابط الثالث لابد للمنكِرِ أن يكون عارفا بحقيقة المنكر، ويختار أحسن الطرق في إزالته، وإلا كان إنكاره يحتاج إلى إنكار وفي هذا نجد ابن تيمية يقول:
(والرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف بمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر). [21].

4- أن تكون المصلحة فيه راجحة على المفسدة.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات فلا بد أن تكون المصلحة فيهما راجحة على المفسدة، إذ بهذا بعثت الرسل ونزلت الكتب والله لا يحب الفساد، بل كل ما أمر الله به هو صلاح، وقد أثنى الله على الصلاح والمصلحين والذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذم الفساد والمفسدين في غير موضع.

فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته، لم يكن مما أمر الله به، وإن كان قد ترك واجباً وفعل محرماً، إذ المؤمن عليه أن يتقي الله في عباد الله وليس عليه هداهم وهذا من معنى قوله تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ[22]والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضال [23].

وهو عمل بالقاعدة الفقهية المشهورة (درء المفاسد أولى من جلب المصالح)[24].

قال ابن تيمية: (لا يجوز إنكار المنكر بما هو أنكر منه ولهذا حرم الخروج على ولاة الأمر بالسيف؛ لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن ما يحصل بذلك من فعل المحرمات وترك واجب أعظم مما يحصل بفعلهم المنكر والذنوب. وإذا كان قوم على بدعة أو فجور، ولو نهوا عن ذلك وقع بسبب ذلك شر أعظم مما هم عليه من ذلك، ولم يمكن منعهم منه ولم يحصل بالنهي مصلحة راجحة لم ينهوا عنه)[25].

5- أن لا يتعدى على أهل المعاصي بزيادة على المشروع:
في بغضهم أو ذمهم أو نهيهم أو هجرهم أو عقوبتهم بل يقال لمن اعتدى عليهم عليك نفسك لا يضرك من ضل إذا اهتديت كما قال تعالى: ﴿ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ [26]وقال تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[27] وقال تعالى: ﴿ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِين[28]َفان كثيرا من الآمرين الناهين قد يتعدى حدود الله، إما بجهل وإما بظلم وهذا باب يجب التثبت فيه، وسواء في ذلك الإنكار على الكفار والمنافقين والفاسقين والعاصين[29].

6- أن يقوم بالإنكار على الوجه المشروع:
بأن يكون المنكر عالماً، رفيقاً، صابراً، حسن القصد وأن يسلك السبيل السويِّ؛ فان ذلك داخل في قوله تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ[30]... [31]، وقال ابن تيمية: (فيأتي بالأمر والنهي معتقدا أنه مطيع لله ولرسوله، وهو معتد في حدوده، كما نصب كثير من أهل البدع والأهواء نفسه للأمر والنهي،.. .، ممن غلط فيما آتاه الله من الأمر والنهي والجهاد)[32].

المطلب الخامس: شروط إنكار المنكر
وضع ابن تيمية لإنكار المنكر شروطا، ينبغي أن يتحلى بها القائم بهذا الواجب وهي:
1- التقوى.
2- العلم والفقه بحقيقة المنكر.
3- الرفق بالعباد.
4- الصبر والحلم.

فقد قال: (فالتقوى تتضمن طاعة الله ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر يتناول الصبر على المصائب التي منها أذى المأمور المنهي للآمر الناهي)[33].

وقال في موطن آخر:
فلا بد من هذه الثلاثة العلم والرفق والصبر. العلم قبل الأمر والنهي والرفق معه والصبر بعده وإن كان كل من الثلاثة لابد أن يكون مستصحبا في هذه الأحوال، وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف (لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيها فيما يأمر به، فقيها فيما ينهى عنه، رفيقا فيما يأمر به، رفيقا فيما ينهي عنه، حليما فيما يأمر به، حليما فيما ينهي عنه)[34].

ولا يكون عمله صالحا إن لم يكن بعلم وفقه؛ كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه(من عبد الله بغير علم كان يفسد أكثر مما يصلح)[35] وكما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه(العلم إمام العمل والعمل تابعه)[36] وهذا ظاهر فإن القصد والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلا وضلالا واتباعاً للهوى كما تقدم وهذا هو الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام فلا بد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما ولا بد من العلم بحال المأمور وحال المنهي[37].


وقال أيضا: ( فالفقه قبل الأمر ليعرف المعروف وينكر المنكر، والرفق عند الأمر ليسلك أقرب الطرق إلى تحصيل المقصود، والحلم بعد الأمر ليصبر على أذى المأمور المنهي، فإنه كثيرا ما يحصل له الأذى بذلك)[38].

المطلب السادس: مراتب إنكار المنكر.
ينبغي للقائم بهذا الواجب الشرعي أن يمعن النظر في حقيقة المنكرات الشائعة قبل إزالتها؛ ليتعرف على نسبة المصلحة والمفسدة المترتبة على تغييرها قبل الإقدام على إزالتها أو إبقائها على حالها، وميزان ذلك الشريعة لا الهوى والعاطفة، فكم أحدث التسرع شراً وكم أحدث عدم التروي في مثل هذه المواطن من نتائج سلبيةٍ ؛ ولتجاوز مثل هذه المخاطر نجد العلماء من السلف والخلف قد وضعوا قواعد في ذلك منها ما ذكره ابن القيم رحمه الله حيث قال: (فَإِنْكَارُ الْمُنْكَرِ أَرْبَعُ دَرَجَاتٍ:
الْأُولَى: أَنْ يَزُولَ وَيَخْلُفَهُ ضِدُّهُ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقِلَّ وَإِنْ لم يَزُلْ بِجُمْلَتِهِ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَخْلُفَهُ ما هو مِثْلُهُ.
الرَّابِعَة: ُ أَنْ يَخْلُفَهُ ما هو شَرٌّ منه.

فَالدَّرَجَتَانِ الْأُولَيَانِ مَشْرُوعَتَانِ وَالثَّالِثَةُ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ وَالرَّابِعَةُ مُحَرَّمَةٌ.

فإذا رَأَيْت أَهْلَ الْفُجُورِ وَالْفُسُوقِ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ كان إنْكَارُك عليهم من عَدَمِ الْفِقْهِ وَالْبَصِيرَةِ، إلَّا إذَا نَقَلْتَهُمْ منه إلَى ما هو أَحَبُّ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَرَمْيِ النُّشَّاب وَسِبَاقِ الْخَيْلِ وَنَحْوِ ذلك.

وإذا رَأَيْت الْفُسَّاقَ قد اجْتَمَعُوا على لَهْوٍ وَلَعِبٍ أو سَمَاعِ مُكَاء وَتَصْدِيَةٍ، فَإِنْ نَقَلْتَهُمْ عنه إلَى طَاعَةِ اللَّهِ فَهُوَ الْمُرَادُ، وَإِلَّا كان تَرْكُهُمْ على ذلك خَيْرًا من أَنْ تُفْرِغَهُمْ لِمَا هو أَعْظَمُ من ذلك، فَكَانَ ما هُمْ فيه شَاغِلًا لهم عن ذلك.

وَكَمَا إذَا كان الرَّجُلُ مُشْتَغِلًا بِكُتُبِ الْمُجُونِ وَنَحْوِهَا وَخِفْت من نَقْلِهِ عنها انْتِقَالَهُ إلَى كُتُبِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ وَالسِّحْرِ فَدَعْهُ وَكُتُبَهُ الْأُولَى)[39].

وذكر أنه َسَمِعَ شَيْخَ الْإِسْلَامِ بن تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ يقول: ( مَرَرْت أنا وَبَعْضُ أَصْحَابِي في زَمَنِ التَّتَارِ بِقَوْمٍ منهم يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فَأَنْكَرَ عليهم من كان مَعِي فَأَنْكَرْت عليه وَقُلْت له إنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ الْخَمْرَ لِأَنَّهَا تَصُدُّ عن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَهَؤُلَاءِ يَصُدُّهُمْ الْخَمْرُ عن قَتْلِ النُّفُوسِ وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ فَدَعْهُمْ)[40].

ويشعر كلام ابن القيم أنه استقى هذا التقسيم من شيخه ابن تيمية رحمه الله من خلال القصة التي ذكرها آنفاً، والشيخ وتلميذه قد فهما معنى إنكار المنكر، وأنه ليس مجرد الإنكار هو المطلوب شرعاً، وإنما هو التغيير من حالة إلى حالة، اتصفت الأولى بأنها منكر والثانية بأنها معروف.




المبحث الثاني:
طرق إنكار المنكر عند ابن تيمية وأثرها في إنقاذ الأمة:
وفيه ثلاثة مطالب
المطلب الأول: طريق الإنكار باليد:
الموقف الأول: ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أحداث موقعة شقحب التي دارت بين المسلمين والتتار وذكر دور ابن تيمية فيها حيث قال: (وتوجه الشيخ تقي الدين بن تيمية إلى العسكر الواصل من حماة فاجتمع بهم في القطيعة، فأعلمهم بما تحالف عليه الأمراء والناس من لقاء العدو، فأجابوا إلى ذلك وحلفوا معهم، وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية يحلف للأمراء والناس إنكم في هذه الكرَّة منصورون، فيقول له الأمراء قل إن شاء الله، فيقول إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا، وكان يتأول في ذلك أشياء من كتاب الله منها قوله تعالى﴿ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ[41]......... وفي يوم الاثنين الرابع من شهر رجب رجع الناس من الكسوة[42] إلى دمشق[43] فبشروا الناس بالنصر وفيه دخل الشيخ تقي الدين بن تيمية البلد ومعه أصحابه قافلين من الجهاد، ففرح الناس به ودعوا له وهنؤه بما يسر الله على يديه من الخير)[44] وهذه الحادثة تدل دلالةً واضحةً على قيامه مع أنصاره بإنكار المنكر وتغييره باليد، ولا غرابة أن يصدر من ابن تيمية مثل هذا الموقف؛ فهو إمام سيف وقلم.

الموقف الثاني: اشتراكه في فتح مدينة عكّة[45] فقد ذكر الحافظ عمر بن علي البزار حضوره تلك المعركة بقوله: ( وحدثوا أنهم رأوا منه في فتح عكّة أموراً من الشجاعة يعجز الواصف عن وصفها.قالوا: ولقد كان السبب في تملك المسلمين لإياها بفعله ومشورته وحسن نظره)[46] ومن خلال هذا نرى كيف أنه يحاول تغيير المنكر بيده ويدخل المعارك لأجل ذلك ولا ريب في ذلك فهو رجل سيف وقلم.

المطلب الثاني: طريق الإنكار باللسان مواجهةً:
اتخذ ابن تيمية عدة طرق لمواجهة المنكر وإنكاره،وله مواقف عظيمة حسبت له فمن ذلك:
الموقف الأول: وقوفه بوجه قازان[47] سلطان التتار وأخذ الأمان منه لأهل دمشق.
قال ابن كثير في البداية والنهاية: (وسلطان التتار قازان قد قصد دمشق، فاجتمع أعيان البلد والشيخ تقي الدين بن تيمية في مشهد علىٍّ، واتفقوا على المسير إلى قازان لتلقيه وأخذ الأمان منه لأهل دمشق، فتوجهوا يوم الاثنين ثالث ربيع الآخر فاجتمعوا به عند النبك[48] وكلمه الشيخ تقي الدين كلاما قوياً شديداً فيه مصلحةٌ عظيمةٌ عاد نفعها على المسلمين ولله الحمد)[49].

وذكر أيضا: أنّ الشيخ تقي الدين بن تيمية خرج إلى مخيم بولاي[50]، فاجتمع به في فكاك من كان معه من أسارى المسلمين، فاستنقذ كثيراً منهم من أيديهم، وأقام عنده ثلاثة أيام ثم عاد[51].

ومن خلال ما رأينا أن ابن تيمية قد عمل بمقتضى المصلحة، وارتكب أخف الضررين؛ لدفع الضرر الأكبر، وهذا من عظيم فقه الرجل، مقتدياً بالصحابي الجليل عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنهوما عمله مع ملك الروم، وما فعل قبالته أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه[52].


الموقف الثاني: إنكاره على أحد الزنادقة والتحذير منه.
كان رجلٌ يدعى الحارث الكذاب من أهل دمشق، فعرض له إبليس، وكان رجلا متعبدا زاهدا لو لبس جبة من ذهب لرؤيت عليه الزهادة والعبادة، وكان إذا أخذ بالتحميد لم يسمع السامعون مثل تحميده ولا أحسن من كلامه، فكتب إلى أبيه يا أبتاه أعجل عليّ، فإني قد رأيت أشياء أتخوف أن يكون الشيطان قد عرض لي، قال: فزاده أبوه غيا على غيه، فكتب إليه أبوه يا بنى أقبل على ما أمرت به؛ فإن الله تعالى يقول: ﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ^ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ[53].

ولست بأفاك ولا أثيم، فامض لما أمرت به، وكان يجيء إلى أهل المسجد رجلا رجلا فيذاكرهم أمره بالنبوة ويأخذ عليهم العهد والميثاق، إن هو يرى ما يرضى وإلا كتم عليه.

وكان يريهم الأعاجيب، كان يأتي إلى رخامة في المسجد فينقرها بيده فتسبح تسبيحا بليغا حتى يضج من ذلك الحاضرون.

فاستعد له ابن تيمية وأنكر عليه ذلك وأعلم الناس أن ذلك من الزندقة فكان إنكاره هذا مواجهة له محذرا منه، فقد قال ابن كثير رحمه الله: وقد سمعت شيخنا العلامة أبا العباس بن تيمية رحمه الله يقول كان ينقر هذه الرخامة الحمراء التي في المقصورة فتسبح وكان زنديقا[54].

فهذه الزندقة لا تنطلي على مثل أبي العباس؛ لهذا قال فيه مقولته.

الموقف الثالث: إنكاره للعادات الدخيلة على الأمة.
أنكر ابن تيمية كلّ دخيل على دين الإسلام ومجتمعه فمن ذلك أن اليونان وضعوا عموداً لعسر بول الحيوان؛ فإذا داروا بالحيوان حول هذا العمود ثلاث دورات انطلق باطنه فبال، وذلك مجرب من عهد اليونان.

وافتتن الناس به واعتقدوه، قال ابن تيمية عن هذا العمود: إن تحته مدفون جبار عنيد كافر يعذب؛ فإذا داروا بالحيوان حوله سمع العذاب فراث وبال من الخوف، قال: ولهذا يذهبون بالدواب إلى قبور النصارى واليهود والكفار؛ فإذا سمعت أصوات المعذبين انطلق بولها.

فأنكر ابن تيمية على الناس افتتانهم به وأعلمهم أنه ليس له سر، وأنه من اعتقد أنّ فيه منفعةً أو مضرةً فقد أخطأ خطأً فاحشاً[55]. وهذا من فقهه رحمه الله ومحاربته للبدع التي أدخلها أعداء الإسلام في دينهم.


الموقف الرابع: إنكاره على المتنبي[56] بعض شعره.
أنكر ابن تيمية على المتنبي قوله
يا من ألوذ به فيما أؤمله إنكار المنكر تيمية
ومن أعوذ به مما أحاذره إنكار المنكر تيمية

لا يجبر الناس عظما أنت كاسره إنكار المنكر تيمية
ولا يهيضون عظما أنت جابره[57] إنكار المنكر تيمية




قال ابن كثير: وقد بلغني عن شيخنا العلامة شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله أنه كان ينكر على المتنبي هذه المبالغة في مخلوق ويقول إنما يصلح هذا لجناب الله سبحانه وتعالى وأخبرني العلامة شمس الدين بن القيم رحمه الله أنه سمع الشيخ تقي الدين المذكور يقول ربما قلت هذين البيتين في السجود أدعو الله بما تضمناه من الذل والخضوع[58].

المطلب الثالث: طرق إنكار المنكر باللسان فتوىً:
وجاءت بعض طرق الإنكار عنه رحمه الله بالفتوى ومن ذلك:
الفتوى الأولى: أفتى بعدم الإنكار على جنود التتار في شربهم الخمر.
قال ابن القيم: (وَسَمِعْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ بن تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ يقول مَرَرْت أنا وَبَعْضُ أَصْحَابِي في زَمَنِ التَّتَارِ بِقَوْمٍ منهم يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فَأَنْكَرَ عليهم من كان مَعِي فَأَنْكَرْت عليه وَقُلْت له إنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ الْخَمْرَ لِأَنَّهَا تَصُدُّ عن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَهَؤُلَاءِ يَصُدُّهُمْ الْخَمْرُ عن قَتْلِ النُّفُوسِ وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ فَدَعْهُمْ)[59] وهذا من عظيم فقهه، فقد نظر فوجد أن المصلحة المجتباة من منعهم تتعارض بمفسدة قتل المسلمين وسلبهم، فقدم درء المفسدة على جلب المصلحة، وهذا هو دور الفقيه العالم أن يحافظ على أرواح الناس وممتلكاتهم.

الفتوى الثانية: أفتى ببقاء من تولى عند حاكم ظالم بقصد تخفيف الظلم.
قال ابن تيمية: (لو كانت الولاية غير واجبة، وهي مشتملة على ظلم، ومن تولاها أقام الظلم، حتى تولاها شخص قصده بذلك تخفيف الظلم فيها ودفع أكثره باحتمال أيسره، كان ذلك حسنا مع هذه النية وكان فعله لما يفعله من السيئة بنية دفع ما هو اشد منها جيدا)[60] وهذه نظرة ثاقبة لابن تيمية ؛ فما لا يدرك كله لا يترك جله[61].

ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق صلى الله عليه وسلمعلى خزائن الأرض لملك مصر، بل ومسألته أن يجعله على خزائن الأرض، وكان الملك وقومه كفارا، ومعلوم أنه مع كفرهم لابد أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك وأهل بيته وجنده ورعيته، ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم، ولم يكن يوسف صلى الله عليه وسلم يمكنه أن يفعل كل ما يريد وهو ما يراه من دين الله؛ فان القوم لم يستجيبوا له لكن فعل الممكن من العدل والإحسان ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته ما لم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك، وهذا كله داخل في قوله تعالى﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[62].

وفي هذا المقام قال: (فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما، لم يكن الآخر في هذه الحال واجبا، ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تاركَ واجبٍ في الحقيقة.

وكذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما، لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرما في الحقيقة؛ وإنْ سُمي ذلك تركُ واجبٍ وسمي هذا فعلُ محرمٍ باعتبار الإطلاق لم يضر، ويقال في مثل هذا تركُ الواجبِ لعذرٍ وفعلُ المحرمِ للمصلحةِ الراجحةِ أو للضرورةِ أو لدفعِ ما هو أحرم، وهذا كما يقال لمن نام عن صلاة أو نسيها إنه صلاها في غير الوقت المطلق قضاءً، هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إذا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لها إلا ذلك)[63].. [64].

الفتوى الثالثة: أفتى بجواز الصلاة خلف مظهر المنكر.
قال ابن تيمية: إذا ظهر من المصلى بدعة أو فجور وأمكن الصلاة خلف من يعلم أنه مبتدع أو فاسق مع إمكان الصلاة خلف غيره فأكثر أهل العلم يصححون صلاة المأموم وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد[65] وأما إذا لم يمكن الصلاة إلا خلف المبتدع أو الفاجر، كالجمعة التي إمامها مبتدع أو فاجر وليس هناك جمعة أخرى، فهذه تصلى خلف المبتدع والفاجر عند عامة أهل السنة والجماعة وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة أهل السنة بلا خلاف عندهم[66]..[67]وذهب إلى هذا القول مستدلاً بعمل الصحابة الكرام فقد روى ذلك عن بعضهم فقال:
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يصلون خلف من يعرفون فجوره؛ كما صلى عبد الله بن مسعود وغيره من الصحابةرضي الله عنهمخلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان قد شرب الخمر وصلى مرة الصبح أربعا وجلده عثمان بن عفان رضي الله عنهعلى ذلك. وكان عبد الله بن عمر وغيره من الصحابةرضي الله عنهم يصلون خلف الحجاج بن يوسف وكان الصحابة والتابعونرضي الله عنهميصلون خَلْفَ ابن أبي عبيد المختار[68] وكان متهما بالإلحاد وداعيا إلى الضلال[69].

الفتوى الرابعة: أفتى بعدم تكفير المسلم بذنب فعله ولا بخطأ أخطأ فيه.
فقد قال: ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله ولا بخطأ أخطأ فيه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة فإن الله تعالى قال﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ[70].

فالخوارج المارقون الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلمبقتالهم، قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابةرضي الله عنهموالتابعين ومن بعدهم ولم يكفرهم علي بن أبي طالب ولا أحد من الصحابةرضي الله عنهمبل جعلوهم مسلمين مع قتالهم، ولم يقاتلهم علي رضي الله عنهحتى سفكوا الدم الحرام وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم لا لأنهم كفار ولهذا لم يسبِ حريمهم ولم يغنم أموالهم.

وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يكفروا مع أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلمبقتالهم، فكيف بالطوائف المختلفين الذين أشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم، فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن تكفر الأخرى، ولا تستحل دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محققة، فكيف إذا كانتالمكفرة لها مبتدعة أيضا، وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، والغالب أنهم جميعا جهال بحقائق ما يختلفون فيه والأصل: أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض لا تحل إلا بإذن الله ورسوله كما في حديث حجة الوداع[71].

وقال صلى الله عليه وسلم: ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)[72]..[73].

وقد أطنب في استعراض الأدلة من السنة اقتصرت على بعضها خشية الإطالة.

الفتوى الخامسة: أفتى بحرمة الخروج على السلطان لفعلهم المعاصي بحجة إنكار المنكر.
قال ابن تيمية: (لا يجوز إنكار المنكر بما هو أنكر منه؛ ولهذا حرم الخروج على ولاة الأمر بالسيف لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن ما يحصل بذلك من فعل المحرمات وترك واجب، أعظم مما يحصل بفعلهم المنكر والذنوب )[74].

وفي هذا حفاظ على وحدة الأمة وتماسكها ونبذ الفرقة والخلاف وعملاً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلمقال: ( خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عليهم، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ، قِيلَ يا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ فقال: لَا ما أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ، وإذا رَأَيْتُمْ من وُلَاتِكُمْ شيئا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، ولا تَنْزِعُوا يَدًا من طَاعَةٍ)[75].

ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة كما قرره ابن تيمية لزوم الجماعة وترك قتال الأئمة، وترك القتال في الفتنة، وأما أهل الأهواء فيرون القتال للأئمة من أصول دينهم[76] وقد أكد على هذا المبدأ تلميذه ابن القيم حيث (فإذا كان إنْكَارُ الْمُنْكَرِ يَسْتَلْزِمُ ما هو أَنْكَرُ منه، وَأَبْغَضُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فإنه لَا يَسُوغُ إنْكَارُهُ وان كان اللَّهُ يُبْغِضُهُ وَيَمْقُتُ أَهْلَهُ، وَهَذَا كَالْإِنْكَارِ على الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ بِالْخُرُوجِ عليهم فإنه أَسَاسُ كل شَرٍّ وَفِتْنَةٍ إلَى آخِرِ الدَّهْر)[77].



تمهيد
نبذة من حياة ابن تيمية رحمه الله:
اسمه: قال الإمام الذهبي رحمه الله: (هو الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد المجتهد المفسر البارع شيخ الإسلام علم الزهاد نادرة العصر تقي الدين أبو العباس احمد ابن المفتي شهاب الدين عبد الحليم بن الإمام المجتهد شيخ الإسلام مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن أبى القاسم الحراني)[78].

ولادته: ولد في ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة(661هـ) للهجرة النبوية الشريفة في مدينة حرّان[79] وقد استوطنت أسرته هذه المدينة التاريخية منذ قرون طويلة.

كنيته ونسبه: كان يكنى في بداية نشأته بأبي العباس وأشتهر بها، ثم غلب عليه بعد ذلك لقبه النسبي من بيت آبائه وأجداده فاشتهر بلقبه (ابن تيمية).

من أهم مؤلفاته:
1- الفتاوى الكبرى.
2- اقتضاء الصراط المستقيم.
3- القواعد النورانية الفقهية.
4- منهاج السنة النبوية.
5- الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح.
6- الاستقامة.
7- رسالة رفع الملام عن الأئمة الأعلام.
8- مجموعة الرسائل والمسائل، وهذه مطبوعة كلها.

وغيرها من كتبه التي لا يسع المقام لذكرها وقد قال العلامة ابن الزملكاني[80]: (وكانت له اليد الطولى في حسن التصنيف، وجودة العبارة والترتيب، والتقسيم والتبيين)[81].


سجنه ووفاته:
مكث الشيخ في سجن القلعة في دمشق سنتين وثلاثة أشهر وأياماً[82]، وقد اغتنم تلك الفترة التي قضاها في السجن بالتأليف والتصنيف، حتى جاء أمر السلطان بإخراج ما عنده من كتب وأدوات الكتابة، ثم أقبل بعد إخراجها على العبادة والتلاوة والذكر والتهجد حتى أتاه اليقين من ربه وكان في تلك المدة مكثراً من قراءة القرآن وتدبره واستخراج معانيه حتى صارت شغله الشاغل، وقد ختم القرآن الكريم في تلك الفترة ثمانين ختمةً، وانتهى في الختمةِ الحادية والثمانين إلى قوله تعالى:﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِر[83].

وقد وافاه الأجل يوم الاثنين من سنة (728هـ)[84] عن عمر ناهز السبع والستين عاماً(67)عليه سحائب الرحمة والمغفرة.

منقول للاستفادة بعون الله




الموضوع الأصلي: فقه إنكار المنكر عند ابن تيمية || الكاتب: لميسـ || المصدر: منتديات

شمس الحب



تستطيع المشاركة هنا والرد على الموضوع ومشاركة رأيك عبر حسابك في الفيس بوك




tri Yk;hv hglk;v uk] hfk jdldm








آخــر مواضيعـى » رواية بنات اون لاين كاملة,تحميل رواية بنات اون لاين,رواية سعودية جريئة,على ملف وورد
» موسوعة الروايات,تحميل روايات في ملف وورد ومفكرة, أكثر من 100 رواية مشهورة
» تحميل روايات كاملة على هيئة ملف وورد او مفكرة تكست txt
» تحميل روايات فارس احلامي,الحب المستحيل,بشروه اني ابرحل,سعوديات في بريطانيا,احلى ماخلق
» قمر خالد كاملة,قمر خالد للتحميل,قمر خالد على ملف وورد,قمر خالد رواية,رواية قمر خالد
التوقيع


๑۩ التّفكير الفلسفي هو ممارسة الحرّية في أرقى أشكالها ۩๑



الحوار البناء وسيلة تبادل المعرفة
أما الحوار العقيم فهو وسيلة لإخفاء الجهل

 

  رد مع اقتباس
 
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لماذا نسمع إنكار الغناء بينما لا نسمع إنكار الربا وأكل المال العام والواسطة لميسـ سلة المحذوفات والمواضيع المكررة 0 01-18-2019 01:40 AM
لدي إستفسار عن فريضة إنكار المنكر لميسـ سلة المحذوفات والمواضيع المكررة 0 07-14-2018 01:04 AM
كيف يكون إنكار المنكر على الأقارب ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ بقايا عشق سلة المحذوفات والمواضيع المكررة 0 07-07-2017 11:30 PM
إنكار ثم مراوغة ثم شك ثم رغم أنفهم يعترفون .. لميسـ سلة المحذوفات والمواضيع المكررة 0 11-17-2015 01:34 PM
إنكار المنكرومراعاةالمصالح والمفاسد ش/ وليد السعيدان لميسـ سلة المحذوفات والمواضيع المكررة 0 03-22-2013 04:22 PM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الإعلانات النصية


الساعة الآن 03:02 AM بتوقيت مسقط


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO 3.6.0 Designed & TranZ By Almuhajir
Adsense Management by Losha
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات شمس الحب
ما يُكتب على منتديات شمس الحب من قِبل الاعضاء لا يُمثل بالضرورة وجهة نظر الإدارة وانما تُمثل وجهة نظر صاحبها .إلاإذا صدر من ادراة الموقع .

Sitemap

PageRank Checking Icon
Preview on Feedage: %D9%85%D9%86%D8%AA%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%B4%D9%85%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A8 Add to My Yahoo! Add to Google! Add to AOL! Add to MSN
Subscribe in NewsGator Online Add to Netvibes Subscribe in Bloglines Add to Alesti RSS Reader
Add to Feedage.com Groups Add to NewsBurst Add to Windows Live
Add to Feedage RSS Alerts Add To Fwicki

 
Web Counters
Emergency Cash Loan Michigan
إنظم لمتابعينا بتويتر ...

أو إنظم لمعجبينا في الفيس بوك ...