" يطلق الناس الآن اسم مدائن صالح على الوادي الواقع شمال مدينة العلا، المعروف باسم "الحجر" - بكسر الحاء المهملة واسكان الجيم وبالراء - ذي الآثار التي تناولها الباحثون بالدراسات الوافية.
والواقع أن إطلاق ذلك الاسم على هذا الوادي خطأ وقع فيه الناس منذ عهد قديم، وتوضيح ذلك:
أ- أن الحجر هو الوادي الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، وورد النهي عن الشرب ما مائه سوى بئر الناقة التي كانت معروفة إلى عهد قريب، لأن هذا الوادي كانت منازل قوم غضب الله عليهم فأهلكهم قبل ظهور الاسلام بعصور مجهولة.
وهذا الوادي لا يزال معروفاً باسم "الحجر" عند سكان جهاته، وعند غيرهم، لا خلاف في ذلك.
ب- وفي جنوب مدينة العلا بنحو 55 كيلاً آثار عمران قديم، من أسس بناء ومجاري مياه وآثار زراعة، يطلق على موضعها الآن اسم غريب هو "المابيات" جمع مابيه - بالميم المفتوحة بعدها ألف فباء موحدة مكسورة فهاء- وهذا الاسم
حادث، فقد كان الموضع في القرن السابع الهجري وما قرب منه يعرف باسم مدينة صالح، ثم مدائن صالح.
وله قبل ذلك اسم آخر، أرجح أن "الرحبة" الوارد في كثير من كتب الرحلات ومعجمات الأمكنة، فنسي اسم الرحبة، واسم مدينة صالح - أو مدائن صالح - وعرف باسم وادي العطاس على ما جاء في رحلة ابن بطوطة، الذي مر بهذا الموضع
في عشر الثلاثين من القرن الثامن، مع أن الوادي كان معروفاً باسم وادي الديدان، الذي نجد له في الكتب الأعجمية وما عرب منها صوراً غريبة "ددان" و "دادان" و"ديدان".
ج- وادي الديدان الذي تقع فيه مدينة صالح التي عرفت باسم "مدائن صالح" ليس متصلاً من حيث الجوار بوادي الحجر الذي قرر العلماء أخيراً عدم سكناه، بل يفصل بينهما مسافة من الأرض تقارب خمسين كيلاً، بل تزيد.
د- أما كيف نشأ الخطأ؛ فهو أن الحجر كان من منازل قوم النبي صالح ، فكذبوه فأهلكهم الله، ونجا صالح والذين آمنوا معه، وقد ذكر الله خبرهم في سور من القرآن الكريم، ومنها سورة الحجر؛ ففي الآية الحادية والثمانين منها: وَلَقَدْ كَذَّبَ
وقد بقيت آثار القوم في البيوت المنحوتة في الجبال، وفي الآبار المحفورة في الوادي، وفي غيرها؛ فكان المسافرون الذين يذهبون من الحجاز إلى الشام أو من يمرون بهذه الجهات يشاهدون تلك الآثار، ويتناقلون أخبارهم من الكتب أو من
الرواة، وكثير من رواة الأخبار ومدونيها لا يلتزمون الدقة وتحري الصواب فيما ينقلون أو يكتبون، فوقع الخلط بين الآثار الواقعة شمال مدينة العلا في وادي الحجر، وهي آثار سابقة، وبين الآثار الواقعة جنوب مدينة العلا، وهي مما حدث في
صدر الإسلام. وساعد على وقع الخلط أن الموضع الأخير جنوب العلا كان يعرف بمدينة صالح، وهو رجل مسلم من بني العباس، ومدينته هذه كانت قائمة إلى القرن الرابع الهجري، وأن الموضع الأول الذي هو الحجر الواقع شمال العلا عرف
سكانه بقوم صالح، وعرفت إحدى آباره ببئر ناقة صالح، وعرف موضع بأحد جباله بمسجد صالح - أي المكان الذي كان يتعبد فيه -. ومن هنا أطلق على الحجر خطأ اسم ("مدائن صالح"... إلخ) . انتهى
كتاب "معجم الأمكنة الوارد ذكرها في القرآن الكريم " للأستاذ سعد بن جنيدل
قال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في توضيح المشتبه 8/97 عن البرزالي :
( ومدائن صالح التي بالقرب من العلا في طريق الحاج من الشام بلد إسلامي ، وصالح المنسوبة إليه من بني العباس بن عبدالمطلب ، وفيها قبور عليها نصائب تاريخها بعد الثلاثمائة ) انتهى
فهذا النص يفيد بأن الموضع المعروف الآن في بلدة العلا ليس حجر ثمود ، وإنما هي أبنية حدثت في زمن الإسلام ، وأن صالحاً المنسوبة إليه هذه المدائن ليس نبي الله ، بل هو رجل من ذرية العباس بن عبدالمطلب، بدليل أن هناك قبور
يرجع تأريخ نصائبها إلى ما بعد عام الثلاثمائة هجرية . فالذي يظهر أن هذه المدائن كانت بقرب حجر ثمود ، فلما فنيت وزالت أطلال الحجر ظن الناس أنها هذه المدائن .
( ومن الجدير بالذكر أن علماء السلف أجمعوا على أنه لا يعرف قبر نبي بعينه إلا قبر نبينا عليه الصلاة والسلام كما ذكر ذلك شيخ الإسلام في قاعدة التوسل والوسيلة وكتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ) .