"عين دار" مدينة شرقية يسكنها (5000)من آل حمراء من بني هاجر ،،
في عرس لبرعمين من دم واحد،
في ليلة قمراء و في ساحة مفروشة بالفرح محاطة بجدران أسمنتيه مدهونة بعبق التواصل والرحمة بني بيد أبناء عشيرة واحدة ، صف واحد كالصف الذي أحاط بحفل عرس ابنهم على ابنتهم ..
سور الطين المزدان بعناقيد الأنوار الفرحة ، السور الذي خبأ أم واخت وأبنة وزوجة وعمة وخالة وجدة كل رجل من رجال "عين دار" ، سور الفرح الرمادي بأرضه الصحراوية ، بأعمدة الضغط العالي كحراس موت على جنباته ،
السور الذي احتضن أفراح القبيلة سنينا ، يتحول إلى صهريج من نار في لحظة فرح ملغومة ، ليسقط العمود الكهربائي كمقصلة ملعونة على مزامير العرس ويطلق أسلاكه الحارقة افاعي مسمومة تقتل وتصعق كل من تضربه في ثواني .
فحيح كفحيح جهنم يلف المكان كلما اقترب أحتضنت البنت أمها ورددت "بنموت يا يمه؟ "
يطل الابن في وجوه الأمهات باحثا عن أمه
فيجد غيرها ثم لا يلبث أن يحملها مرددا " انت بعد يا يمة أمي" !
إبناء آل حمراء كل نساء "عين دار" لهم أمهات ، وألامهات ثكالى في فزع على كل طفل اقسمن أن تكون أجسادهن جسورا لهم.
امرأة اربعينية تقسم بالله أن لا تخرج من فم الموت إلا وأطفال عشيرتها خارج السور الأسمنتي .. الصبية الصغار يرمون بربيعهم في قلب النار ويعتلون الأسوار ليكونوا حبل النجاة وفي قلوبهم حمية لكل امرأة و"فزعة" لكل أخت..
الصبية العابثون في الرمل وكرة القدم ينكشفون فجأة عن رجولة كاملة هي ثمرة التربية الأصيلة ..
يسمعون الاستغاثات وكل صوت نسائي في "عين دار" هو صوت أم واخت فيركلون احذيتهم راكضين نحو باب الحديد الأسود، مغناطيس النهاية المحمل بالصعق الكهربائي ، لتهمد أجساد كل ابن هرع ب "يالبيه يا يمه" وتنطفى شمعة شبابه في فزعة بر وصلة رحم..
الآباء ببياض رؤوسهم ينحنون من على الأسوار ينادون "ماعليتس يا بنيتي من عباتس، عطيني يدتس، وين خواتس"
الصغيرات المحترقات صعقا تكشفت أجسادهن فاستترن باشمغة إخوانهن، اختبأن تحت السور ليكون الموت اختيارهن على التكشف أمام أبناء عمومتهن ، صبية آل حمراء ، قفزوا من السور يحملون الأجساد العشرينية وهي تردد "تكفى ياولد عمي اموت مستترة" "اقرأ علي ياخوي"
عواء ، نواح وبكاء ..
بناتها الأربعة وأبنها
ولديه وأبن أخيه وحفيده
أخوه وأبن أخيه واخته ، لن تصل إلى تعداد، ولا حصر !
كلهم أخوة وعائلة واحدة، اخ هذا هو ابن وعم وخال وأب للآخر.
عين دار اليوم تتشح بالسواد ، تنكس الاعلام وترفع بيارق الحداد.
عين دار اليوم تنفرد بحزن داكن، الموت في كل بيت ، العريس يبدل جمع الفرح بعزاء أخته واخيه ، والعروس تخلع البياض لتكفن به أمها واخاها .
وليمة ال حمراء الجزلة ، تستحيل إلى أكوام جثث تناثرت حول أسوار الفرح في غياب كلي من الجهات المختصة التي وصلت بعد ساعتين مبتدئة بأطفاء حريق كهربائي بخراطيم المياه .
مبادرات عشوائية من رجال آل حمراء الأبطال هي من أنقذت الموقف، ليتجه عم العروس بسيارته الفورد بعد أن دخل حالة هستيرية جراء مشاهدة "عمر" ابن أخيه الرجل الصغير ذو الخمس سنوات يموت أمام عينيه بصعق كهربائي.
محطما في حركة انتحارية سور الصالة محدثا منفذا للوفود التي لم تتدافع إلا لتنقذ لا لتنفذ بنفسها .
أزقة عين دار لم تكنس أحذية الضحايا بعد، وأرصفتها ملتحفة باشمغة أبنائها الرجال وعباءات بناتها الأصيلات .
وراء كل باب قصة موت ، وحادثة مفجعة ؤفي كل بيت رجل فقد وأمرأة فقدت وطفل تيتم.
هؤلاء هم إخوتي وأبناء عمومتي ، و دمي الأصيل وفي عرقي حزن كل شارع وفجيعة كل بيت.
مسح الله على قلوبنا وأبدل مصابنا أجرا وشفى المصابين شفاء لا يغادر سقما ..
ورحم رجال عين دار وأطفالهم ونساءهم وتقبلهم شهداء عنده وأبدلهم جنة عرضها السموات وألأرض