4- رجل لا يعرف الرحمة :
عاد بول مبتسما:
- حسنا كل شئ على ما يرام نحن أحرار في الخروج متى شئنا ..لا تنسي أن تحملي معك كتابك.
سحبت باميلا الكتاب من حقيبتها ورفعته ليراه بول.
جلست معه بهدوء وهو يقود السيارة بعيدا عن ضوضاء المدينة على محاذاة نهر التايمز .
فتساءلت الى أين يصطحبها ياترى؟
ربما الى مطعم فخم يقع خارج المدينة.
تقوقعت على نفسها وهي تفكر في أنها ستظهر ثانية أمام الجميلات في ثيابها المزرية المظهر.
ولكنها تعرف أنه لن يغير عاداته من أجلها.
تابع المسير حتى أصبحا في ضاحية بعيدة عن لندن.
وهناك انعطف بسيارته الى أقدم مجمع سكني في تلك المنطقة .
وهو مجمع لمشاهير سكان لندن فيه شقق للعديد منهم.
على الرغم من قدم المبنى ، إلا ان ثراء مالكيه جعلهم يحافظون عليه وكأنه مبني حديثا.
كان ديكور الشقق المنفصلة يجدد ليتلاءم مع حاجيات الساكنين ، وكذلك الحال بالنسبة للمساحات الخارجية
التي حافظت عليها وفرة المال.
تساءلت باميلا ماذا يفعلان هنا، فهي تشك في أن يكون في هذا البناء مطعم .
أوقف بول سيارته في موقف مرقم ، ودار حول السيارة ليفتح لها الباب:
- لقد جعلت طباختي تحضر لنا العشاء . فكرت في أننا هنا سنجد الراحة والهدوء اللذين يخولاننا الإقبال على الدرس بروية.
فأنا لا أعرف مطعما فيه الهدوء والإنارة الكافية لإتمام الدراسة.
عندما كان يقودها الى المصعد يضغط على الزر المشير الى الطابق الأخير ، فشرع المصعد في رحلته الطويلة البطيئة الى أعلى طابق في المبنى .
دخلا الى ردهة صغيرة أنيقه لها باب واحد .
جدرانها مكسوة بالحرير المذهب وأرضيتها ممتدة على هيئة قطع شطرنج .
كان في الردهة أثاث فرنسي أثري رفيع المستوى .
وهذا الأثاث مطلي بالعاجي الخفيف الذي يشوبه الورق الذهبي .
وضع بول يده على خصؤ باميلا ليقودها الى باب عاجي مذهب.
وما عي إلا لحظة حتى كانا دخلا الى غرفة الجلوس التي أحتلتها مدفأة فخمة محفورة في الجدار.
كانت الغرفة أيضا غنية بالنباتات الخضراء على الرغم من حرارة الصيف .
- سأعلم مدبرة المنزل بوصلنا . استريحي ، لن أتأخر.
توجهت باميلا الى صف من الأبواب الزجاجية المحكمة أقفالها للمحافظة على البرودة التي يؤمنها المكيف .
ولمنع حرارة شهر آب اللاهب من الوصول الى الغرف .
ولكن تلك الابواب الزجاجية المغلقة كانت تطل على منظر أشجار وزهور منزلية تملأ الشرفه الخارجية.
وكان وراء هذه الزهور منظر متكامل للندن التي يقسمها نهر التايمز الى نصفين.
فذهلت باميلا وهي لا تصدق أن حديقة كهذه قد تكون موجودة في مثل هذا المكان .
عاد بول ليراها تتأمل الحديقة بإعجاب ظاهر ، فتقدم ليقف بقربها.
- أنها جميلة ..أليس كذلك؟ أنا أتمتع بالجلوس خارجا في الربيع وذلك عندما تكون الرطوبة منخفضة .
إن برد الطقس قليلا بعد العشاء فقد نتناول القهوة في الخارج .
فلشرفة منظر جميل يطل على الحدائق العامة والمتاحف .
أتودين الأغتسال قبل العشاء ؟ الحمام من هنا.
أغلقت باميلا باب الحمام . وتأملت وجهها في المرآ ة . كانت البقع غير المرئية ظاهر علما أن بشرتها لم تعد حساسة.
فكرت في خلع سترتها الكحلية الرسمية ولكنها عادت فقررت العكس لأن هذه السترة تساعد في حجب حنايا جسدها.
بعدما اقتنعت بأنها ما تزال تظهر بمظهر السكرتيرة الرصين ، عادت الى غرفة الجلوس حيث رأت بول يقف وراء مقصف فاخر
كان مستترا خلف جدار خشبي . رفع بصرة إليها عن الكوكتيل الذي كان يحضرة وخاطبها.
- تريدين تناول كوكتيل بارد؟
فهزت رأسها :
- أجل ..شكرا لك . فأنا بحاجة الى بعض الأنتعاش لأقدر على أستيعاب ما ستعلمني إياه عن الميزانية التي أجدها صعبة الفهم.
- لا تقلقي ، أعدك بأن تستوعبيها كما يستوعبها محاسب خبير وذلك قبل أنقضاء هذه الامسية .
أتودين بعض الثلج فهو سيفتح شهيتك وينشطك في الوقت نفسة.؟
عظيم ..شكرا لك.
قدم لها بول كأس الشراب وجلس قبالتها .
- سيجهز العشاء قريبا . لماذا لا تحدثيني قليلا عن نفسك؟
لا أعرف إلا القليل عن ما ضيك.
وانساقت تقول الحقيقة دون تفكير:
- كان لوالدي مزرعه أليان في سهل ميدلاند ..أذكر أنني الى أن شبيت حتى رحت أمسك له دفاتر حساباته محضرة العمل للمحاسبين .
فكان أن اهتممت بعالم المال وأردت خوض مصاعبه لكن ذلك صعب على مجتمع صغير كالذي ترعرعت فيه .
فكان أن قررت أن أجرب حظي في لندن .
فقطب بول جبينه:
- ظننت أن السيدة تاوتسند قالت لي إنك كنت تعتنين بقريب بمقعد ؟
نظر أليها نظرة مباشرة . والحيرة تتصاعد في عمق عينيه الرماديتين .
ثم وكأنما توصل الى قرار ، هز كتفيه واحتسى شرابه قائلا:
- لا يهم الأمر في أيه حال . ما يهمني أنك ملائمة للمركز وأني محظوظ لأنني وجدتك.
وابتسم في وجه باميلا وقد حل في عينيه محل الحيرة لمعان ودي.
دخل ارتست . ساقي بول وخادمه . ليعلن أن العشاء صار جاهزا.
أشار بول الى الساقي بالخروج شاكرا ، وقاد باميلا الى غرفة الطعام وأمسك لها الكرسي قبل أن يقعد في مكانه على طاولة مستديرة صغيرة قرب باب الشرفة.
دهشت باميلا عندما لاحظت أن الغرفة الكبيرة مفروشة بعدد من الطاولات المستديرة الصغيرة.
فقد توقعت رؤية خوان مديد لا يستطيع المرء رؤية طرفه الأول من الطرف الاخر.
يبدو أن بول أدرك حيرتها فسأل :
- أعجبتك ! عندما أعددت ديكور الشقه . قررت الا أتخ1 لبيتي أحدى تلك الطاولات الرسمية الضخمة التي قد تكون مدعاه انزعاج في مناسبة كهذه .
حينما لا يكون عليها للعشاء سوى شخصين .لذا سررت عندما اقترح علي مهندس الديكور هذا الترتيب .
- أنه جميل رائع!
وتابعت تأمل الغرفة الجميلة حتى استقرت أخيرا عيناها على وجهه الذي يتلاعب عليه نور شمعتين موضوعتين في شمعدانيتين فضيتين لا معتين.
فأحسن بالارتعاش من حملقتها الى قسماته الشبيهه بقسمات نسر.فنظر اليها بإستغراب:
- أتشعرين بالبرد؟ الحرارة شديدة خارجا..ولكن المكيف جعل هذا المكان باردا ربما؟
فهزت باميلا رأسها ، غير راغبه في أن تعرف تأثيره فيها.
- لا ..لا بأس بجو الغرفة .أنني بخير.
اقترح بول بعد العشاء اللذيذ . أن يحتسا القهوة في غرفة الجلوس لتبقى القهوة متوفرة لهما أثناء الدرس.
- والآن ..فنلق نظرة على ما يستعصي عليك.
أبعدت صينيه القهوة جانبا ، وفتحت الكتاب على الطاولة . فجلس بول قربها .
وبدأ يشرح لها المعلومات الدراسبة .
ولكنها كانت تشعر بالتوتر بسبب قربه الشديد منها، فأجبرت نفسها على التركيز والإصغاء لما يقوله .
وانحنت فوق الكتاب تركز لتفهم شرحه . عندما شاهدها تنحني اقترب منها اكثر تشير أصابعه الى المعلومات المحددة في الكتاب .
ثم فجأة خيم الظلام على الغرفة فشهقت :
أمسك بول بكتفيها:
- لا تفزعي . لابد أننا تجاوزنا مقدرة العداد . سأتفقده ، ابقي حيث أنت . سأعود حالا.
استندت باميلا الى الوراء مطلقة زفرة ارتياح . إنها مشوشه الفكر بسبب وجود بول فيها .
كانت تتجنب طوال حياتها العملية التورط العاطفي مع أي رجل .
ها هي أخيرا قد التقت رجلا ليس مهتما سوى بذكائها ، رجلا لا يجدها جذابة ، ولكن رغباتها كانت تهدد بالانفلات منها . ما بالها؟
لقد وجدها بول تحب الحياة البيئية فدعاها الى هنا...
ثم انه مرتبط بسوزي هاليداي .
لماذا يجب أن يكون الرجل الأول الذي يروق لها عاطفيا وجسديا ،
بعيدا عن منالها هكذا؟ تذكرت قولا مأثورا كانت تردده أمها،
قولا يتحدث عن أن الناس يرغبون في ما هو بعيد عن منالهم .
أعادها وقع أقدام الى حاضرها.
- حسنا ..ليس العداد بل الرطوبة الزائدة التي يبدو أنها أثرت في محطات الطاقة.
فالنظام الكهربائي العتيق في هذه المدينة غير معد لاستيعاب هذه التجهيزات العصريه كلها.
لذا كلما ارتفعت الحرارة وازداد استهلاك الطاقة الكهربائية سادت الظلمة شوراع المدينة.
اشتدت الحرارة في الغرفة ، فخلعت باميلا سترتها .
وفتحت ياقتها قليلا طلبا لبعض البرودة . انحنت الى الامام في الظلام والتقطت كتابها ثم أغلقته ووضعته في حقيبتها.
- لن نكمل الدرس اليوم بالتأكيد . ربما أنني لن أفهم شيئا من هذة الميزانية فمن المستحسن أن أغادر .
فقال بول بصوت خفيض:
- أخشى أنك عالقه هنا في الوقت الحاضر . والمصعد معطل وأمامك عشرون طابقا حتى تصلي الى الطابق السفلي.
أن خير ما تستيع القيام به هو طلب الراحة والانتظار.
خلع سترته بدورة . وارخى ربطة عنقه ، ثم مد يده الى يد باميلا:
- تعالي . سنختنق هنا دون مكيف . وعدتك بجولة على حديقتي في الشرفة ، ويبدو أن الوقت مناسب حاليا . فأن حالفنا الحظ هبت نسمة ريح باردة.
قاد باميلا الى الابواب الزجاجية . كان الهواء على الشرفة حارا رطبا حتى كاد البخار يتصاعد من الحجارة.
وكان الضباب يرتفع من النهر البعيد . ولكن النباتات الخضراء أزهرت في مثل هذة الرطوبة لأن معظمها استوائي الأصل.
حررت باميلا نفسسها من قبضة بول . وتوجهت الى الشرفة لتنظر الى الاسفل .
الى الشارع المهجور. كان يلف الكون الظلام الذي لا تقطعه الا انوار بعض السيارات
التي كانت تسير ببطء . والسير في مثل هذه الظروف خطر ، لان إشارات السير تحتاج الى الكهرباء لتضاء وهي معطلة حاليا.
أحست باميلا بالاضطراب عندما وقف بول قربها . فأبقت عينيها مسمرتين على الشارع . وقالت:
- الا يبدو كل شيء مخيفا هنا؟ احس بالرهبة من هذا المنظر ، وأشعر بأنني وحيدة.
عقدت ذراعيها على صدرها وكأنها تحمي نفسها من خطر مجهول يختبئ في الظلام ، فالتفت ذراع بول على كتفيها بطريقة أبويه .
-لا تخافي فلست وحيدة ، أنا هنا معك . أما تخطيت مرحلة الخوف من الظلام منذ فترة طويلة؟
وضغط على كتفيها بعطف:
- هيا نستريح فنحاول التعارف أكثر الى بعضنا بعضا.
لحقت باميلا به فجلست على مقعد مريح بقرب مقعد جلس عليه . ولكن آخر ما ترغب فيه ، أن يتعرف اليها فتمنت ألا يطرح المزيد من الأسئلة المحددة
عن حياتها الخاصة حتى الصباح التالي.
فقد بات تنكرها مقيت وتاقت الى أن تبوح بالحقيقة ولكنها لن تخاطر فتواجه ردة فعله في الوقت الحالي خاصة وأن علاقتهما في هذه اللحظة تبدو جيدة.
أنه يكره الكذب ، لذا لن يفهم ماذا فعلت ، ولماذا ..ولكنها تجد العيش مع هذه الكذبة رهيبا..والسؤال هل تستطيع أن تتحمل كراهيته؟
أدار رأسه نحوها وابتسم :
أدفع لك ما تريدين مقابل البوح بأفكارك .
فضحكت :
- أنها لا تساوي شيئا ، كنت أفكر في السكينة والهدوء المحدقين بنا دون كهرباء ..ولكني مسرورة لأنك معي ، فلا أخالني أحب البقاء وحيدة في الظلام .
فضحك :
- أعتقد أنك تقولين هذا من باب الاطرء . ليتك تستمرين في التمتع بصحبتي ، بعد عودة الأنوار . فأنا أكره البقاء في الظلام للمحافظة على علاقتنا الهادئة.
ووقف ..فشاهدته باميلا تحت ضوء القمر يخلع قميصه . أعلم أن هذا قلة تهذيب مني ..ولكني أكاد أختنق من الحرارة.
وراقبته مذهولة.
- سأحاول أن أستريح قليلا ..من يعلم الى متى سيستمر هذا الظلام.
خلعت نظارتها .
كان جسدها متوترا كرقاص مشدود ، ضغطت على نفسها على ظهر المقعد ـ ترجو من أعصابها الاسترخاء..
كانت تعرف انه يراقبها في الظلام .
وأحست بتصاعد حدة نظراته التي أحرقتها حتى عبر جفنيها المغمضتين . ولكنها لم تجرؤ على فتحهما خوفا من بروز عواطفها.
سمعت تنهيدة وحركة خفيفة ، فعلمت أنه أشاح وججه عنها وما هي الا هنيهات حتى سمعت أنفاسه رتيبه فعلمت أنه غط في النوم .
جعلتها انفاسه المنتظمة تسترخي وسرعان ما وجدت نفسها تغمض عينيها.
فجأة أصبحت أحلامها المتوترة حقيقة. فاستيقظت واذا بها نجد نور الشمس مشعا عليها وبول يقف محدقا اليها.
ونظره غاضبة على وجهه . انحنى فوقها والتقط شيئا من جانب كرسيها . فنظرت باميلا اليه . وصعقت لما رأت ..فقد كان يمسك بالانتفاخ الصناعي لأنفها بيده . ومد يده ليمسح خدها بخشونه.
- أتسمحين بتفسير معنى هذا ؟ وبشرتك اليوم تبدو لي في غاية النقاوه.
كان الغضب يغلي على وجهه وفي صوته .جلس على حافة المقعد ثم وضع يده على مؤخرة عنقها وجذبها اليه .
ثم راحت أصابعه تسحب الدبابيس من شعرها بوحشية فانسدل على كتفيها بحرية كهالة برية متوحشة .كان وجهه قريبا منها حتى كادت تسمع أنفاسه.
- عجبا ..عجبا آنسة سامرز ..أنت بالفعل جذابه .لولا هذه الملابس القديمة الطراز ، لقلت انك أجمل شابة رأيتها في حياتي .
امتدت أصابعه الى أزرار بلوزتها :
- ربما تكون هذه الملابس جزءا من التمثيلية أيضا ..أتساءل ما قد يكون مستتر اتحتها من سحر؟
راح يفك ببطء الأزرار ، فشهت باميلا:
- لا ..يجب ألا تفعل هذا.
ثم جمعت طرفي بلوزتها في يدها ، وهبت وافقه من الكرسي ، مبتعده عنه وكـأنها قطة خائفة.
أخذت عيناه تمعنان النظر في جسدها بقسوة فاسقة ، ثم شخر بأزدراء :
- حري بك أن تفسري لي على أن يكون التفسر مقنعنا !
دنا منها ، فارتدت عنه الى غرفة الجلوس وعيناها تطلقات الشرر:
- لست مضطرة لشرح أي شيء لك ، فلن تصدقني . أنا خارجه الآن . لك أن ترسل أجري الى منزلي .
وأنا أرجو ان تكون أوفر حظا مع سكرتيرتك التالية، فلربما وجدت أخيرا نموذجا كاملا يشبة السيدة تاوتسند كل الشبة.
انحنت لتلتقط سترتها وحقيبتها ، ولكن قبل أن تمسك بها كانت يد بول قد أطبقت على معصمها وأدارتها بعنف أليه:
- لن تذهبي الى أي مكان ..ليس قبل أن آمرك .أنت من بدأ هذه اللعبة ولكنني أنا من سأنهيها ..على طريقتي!
جذبها أليه ليحيطها بذراعيه بقسوة لم تكن تتصوؤها باميلا .
قاومته في البداية وحاولت تحرير نفسها ، ولكن يديه أجبرتاها على الألتصاق به .
كانتا أشبة برباط فولاذي مرن . استقرت يداه بثبات خلف ظهرها ، لم تستطع التنفس أو الهرب ، فقد تحول كل التوق الذي أحست به نحوه سابقا الى لحظة انفعال مشبوب . والى تجاوب
مخذول أجباري ، مما جعلها تشارك في عواطف كانت أبعد بكثير مما عرفته في حياتها .
كان بول مسيطرا على الموقف بحيث لم تستطع الا ان تتجاوب ..بدأت ردة فعلها المتحمسة تتضاعف وتضاعف توترة فرفع رأسه ليقول:
- قابلت نساء مذكرات كثيرات في حياتي، ولكنني لم أقابل من هي أكثر منك خداعا . أنت بلا أخلاق البته.
ماذا أملت أن تكسبي من وراء هذه الخديعه الرهيبه؟
هل اعتقدت أنني سأصبح معتمدا عليك كل الأعتماد ؟
أليس هذا ما كنت تخططين له من وراء لعبتك هذه؟
أردت أن أعجز عن الاستغناء عنك حتى اذا ما حان الوقت الملائم ، كشفت حقيقتك .كنت تعلمين أنني سأجد جسدك جذابا ، وظننت أن سحرك سيجعلني أحتاجتك بعد ساعات العمل .
صمت قليلا دون أن ترخي ذراعيه عنها .أردف :
- عظيم ..هذه اللحظه المانسبة للبداية ..فلنر اذا كنت مواهبك العاطفيه كمواهبك في حقل السكرتاريا .
قلبت كلماته الجافه إحساسها الرومانسي الى كابوس مرعب.
فقد أدركت فجأة مرعوبه ، أنها أحبته . وأنها بكل غباء أقنعت نفسها بأن عناقه كان ردا على حبها له .
ولكنه في الواقع كان كراهية .
كراهية شريرة ..حول ما أحست به تجاهه الى شيء بغيض فظيع ..وعليها أن تبتعد عنه قبل أن تنهار تماما ...أنها من عنف عدائه ، وأما من عار تجاوبها مع لمسته ، فقالت مقطوعه الأنفاس:
- لا يمكنك حجزي هنا ! لا يحق لك.
فضحك ضحكة خاليه من المرح:
- أنت لست في موقف يسمح لك بالكلام عن الحقوق.
ارتد عنها ممسكا يديها ليبقيها بين يديه :
- يدان فتيتان ناعمتان... عينان كالياقوت ..شعرت كالحرير الذهبي ..لا تحدثيني عن الحقوق أنا من يقرر ماهي حقوقي.
وثقي أنها لا تشمل شيئا فعلته قط مع السيدة تاوتسند! كم ضحكت علي!
أدجلي يعرف هذه طبعا؟
المتنكرة حقا! حسنا أنا من سيكتشف ماذا وراء هذا التنكر وسيبقى أدجلي على تساؤله.
ارتفعت يده الى ياقة بلوزتها ..كان تهديده البشع قد أرسل في أوصالها نوبة من الخوف جنونية ، فرفعت قدمها تركل بها ساقه اليمنى ركلة قوية فصاح.
- أيتها الساحرة القذرة .ستدفعين الثمن.
ولكنها لم تكن تريد البقاء حتى تدفع الثمن . فما إن تركها ليفرك ساقة المصابة حتى كانت قد أمسكت بحقيبتها وطارت الى الدرج ، ودموع العار الساخنة تتدفق على وجنتيها ، فأغشى بصرها حتى
كادت لا ترى درجات الطوابق العشرين وهي تهبطها.
لم تدر كيف تمكنت من الوصول الى شقتها التي أسرعت فيها تلقي نفسها على الاريكة .
باكية بيأس واضعه وجهها بين راحتيها.
خرجت بيرل مسرعه من غرفة النوم والنعاس يغالبها ، والقلق باد في عينيها:
- ماذا حدث؟ أعرف انك علقت في الظلام ولكنني ظننتك بخير.
حاولت الاتصال بمكتبك ولكن الخطوط كانت مشغولة.
حاولت باميلا التقاط أنفاسها ، واستجاع قواها ..فلوحت بذراعها أمامها وتكلمت بصوت متحطم:
- لاشئ ..أنا بخير .. أمضيت الليل في شقة بول.
رفعت بيرل حاجبيها وسوت جلستها ، ثم أشعلت سيكارة:
- أمضيت الليل مع بول غراينجر ؟ وماذا حل بأخلاقك الفاضلة؟
فهزت باميلا رأسها :
- لا ..ليس الأمر كما تصورتيه .دعاني بول للعشاء في شقته ..كان يريد شرح بعض دروسي ، فبما أن صديقته مسافرة ظن أن المناسبة مواتية لضيافتي .
أما لبنسبة لإغوائي فكان الأمر بعيدا عن تفكيره، وماشعر به من رغبة تجاهي كانت نابعة من فكرة الأنتقام مني.
أجهشت بالبكاء والنحيب من جديد.
- بام ..هم تتحدثين ؟ ظننته مسرورا بعملك! قلت أن كل شيء يسير على ما يرام .
- كان كذلك حتى الصباح الذي اكتشف فيه ما فعلت .
و......أوه.......بيرل......لو استطعت رؤية الأحتقار في عينيه .
- ألم تشرحي له الأمور؟ ألم يتفهم الأسباب التي دفعتك الى هذا التنكر ؟
قلت بنفسك أنه ماكان ليقبل بتوظيفك لولا التنكر.
- لم يمهلني فرصة الشرح ..كان قاسيا وفظا بيرل ..قلت أنني مستقيلة . وأن بإمكانه إرسال راتبي الى منزلي.
لا أظني سأطيق النظر اليه ثانية .
دنت بيرل منها وألقت ذراعها حول كتفيها:
- حسنا ..إن ذلك بالنسبة لشخص يحب أن يعيش بهدوء طريقة غريبة في إثارة المشاكل .
ولكن لا تقلقي .تذكري أن تالبوت وعد أن يستخدم نفوذة ليجد لك عملا .سيكون كل شيء على ما يرام.
لماذا لا تغتسلين وتنامين بعض الوقت؟
فليس لديك السوم عمل ولدي أنا نص مسرحية علي التمرن عليها في البيت.
وعلى ذلك سأنتزع قابس الهاتف لئلا يزعجنا أحدهم.
عندما استيقظت باميلا كان الوقت ما بعد الظهر ، حدقت في غير وعي في السقف . ثم استعادت الافكار التي .أقلقتها قبل نومها
لقد تمكنت من الخلاص من غضب بول ، لكن كيف لها أن تجد الراحة مع هذة المشاعر الممزوجة بالعار بسبب ما فعلت؟
تنهدت عميقا . ثم أنزلقت عن الفراش لتغادر السرير متوجهه الى الحمام لتغسل وجهها.
فلاحظت أن بشرتها عادت الى صفائها ونقائها .
سمعت بيرل حركتها فدخلت الغرفة ووجدتها تفتش في خزانتها عما ترتدي:
- ارتدي شيئا مثيراَ ..فارتداء الثياب المثيرة يشعرني بأنني أفضل حالا ..وهو بالتأكيد سيساعدك في التخلص من الأحباط الذي ولده أرتداء تلك الأزياء الرهبية.
أمسكت باميلا البيجاما الشفافه المكشوفه التي أعطتها لها وارتدتها بطاعه قائلة:
- ربنا أنت على حق . ربما إذا بدوت أفضل حالا من الخارج .
أبدا بالشعور بالراحة من الداخل .
عقدت زرار البيجاما ، ثم مررت يدها على فتحة الياقة الواسعة، ولم تلبث أن انتعلت خفا رقيقا وشرعت تمشط شعرها ليبدو هالة حول وجهها.
بعدذلك مررت فرشاة على وجنتيها لتلونهما بالأحمر الوردي.
وأضافت لمسة أحمر الشفاه الى شفتيها وظلالا زرقاء الى ما حول عينيها.
دارت حول مفسها أمام بيرل:
- كيف أبدو؟
- أفضل بكثير مماكنت من قبل زمن طويل.
على كل حال نا مسرورة لأن بول أكتشف أمرك .
فما أسخف مواظبتك على ذاك التنكر الرهيب.
لا أدري كيف أقترحت عليك تلك الفكرة الشنيعه .
ثم توجهتا الى المطبخ حيث أخرجتا عصيرا بادرا.
- فلنحتفل بعودة صديقتي ورفيقتي في السكن. فلم أكن أتمتع بالسكن مع تلك العانس العجوز .
ولا أستطيع التفكير في أن تحت رحمة بول غراينجر الشرير العديم الأحساس.
- أن ليس شريرا دائما. كما أنه ليس عدم الأحساس . يجب أن تري كيف تديره سوزي هاليناي حول أصبعها الصغيرة.
أنه معها يصبح كالطفل الوديع. يبدو أنه لا يعترض على وجود الجمال في حياته الخاصة.
ولكنه يرفضة في مكتبة إذ يتوقع من موظفيه العمل كالآلآت ..
ربما أنت على حق! وربما كان من حسن حظي أن تركت العمل عنده مع العلم أن الفرصه كانت ذهبيه.
رن جرس الباب، فأشارت باميلا الى بيرل أن تبقى جالسه:
- نمت طوال النهار.لذا تمتعي بشرابك البارد.
توجهت الى الباب تحمل كوبها بيدها..عندما فتحته قفز قلبها بجنون
وانحبست أنفاسها في حنجرتها ـ فلقد كانت تحدق الى بول غراينجر.
- ماذا تريد ؟
لم يرد بول عليها ، بل دفعها الى الشقة ودخل ينظر ببرود الى بيرل التي ماتزال جالسة على الأريكة . ثم التفت الى باميلا
المستندة بوهن الى الباب وقال ساخراً:
- جئت الى هنا لأرى أن كان بالإمكان تسوية الأمور ..قلت لموظفي المكتب أنك متعبه ..ولم أتوقع أن اجدك تحتفلين بنجاح خداعك.
قفزت بيرل عن الأريكة غاضبة:
- رويدك ..ياصاحب العظمة والجلال.
فنظر اليها بول ببرود:
-أنها مسألة خاصة ..أكون مقدرا لك رحيلك لتوفير بعض الخلوه .
نظرت بيرل الى باميلا التي هزت رأسها موافقه ، فكان أن أنسحبت الى غرفة النوم ولكنها قبل أن تفتح الباب ألقت نظرة عليهما من فوق كتفها.
- اصرخي لو احتجت إلي.
ثم أقفلت الباب تاركة وراءها جوا مشحونا بالعداء.
دنا بول من باميلا وأمسك كتفيها بعنف، فيما راحت عينها تتجولان على وجهاا وجسدها. وكأنما يراها للمرة الأولى أو كأنما يريد أن يرسخ ملامجها وتكوينها في ذاكرته ترسيخا.
قال لها بصوت قاس ملؤة السخط والغضب.
- تبين لي أنك ساحرة قذره ..بما أنك ضحكت على بما فيه الكفاية أشعر برغبة في أنتزاع هذه السمة عن وجهك.
دفعها عنه، ثم وضع يديه في جيبي سرواله وكأنه لا يثق بنفسه أن عادو لمسها . هز رأسه مضيفا.
- لا عجب إن نسيت ما كتبته عن ماضيك في الملف .
لقد أظهرتني بمظهر المغفل ..قابلت نساء باردات من قبل . إنما لم تصل أي منهن الى براعتك في فن الخداع .
انظري الى نفسك ..لا تبدين نادمه أقل الندم...
وضعت باميلا كوب العصير من يدها، وقالت بهمس مرتجف:
- لم أكن أحتفل بنجاح خدعتي التي كانت في الواقع فشلا ذريعا، ولم آسف قط على شيء كما أسفت عليها .
التفت بول ليحملق اليها:
- سأراهن على هذا ! لماذا أقدمت على تنكرك ذاك ؟
غطت باميلا وجهها بيديها وأجهشت بالبكاء :
- أردت أن أعمل ..كنت يائسة ، أردت وظيفة وكنت مستعدة للقيام بأي شيء حتى أجدها ، لكنني أخطأت في حساباتي وها أنا أسفه.
تعالى نحيبها . فاقترب منها قائلا بصوت ناعم:
- حسنا...كنت تحتاجين الى عمل ..أنما لماذا التنكر؟
أحست باميلا برغبة في الأرتماء بين أحضانه لتتوسل الغفران .
ولكنها أجبرت نفسها على التكلم:
- أنظر إلي ..أكنت ستتخذني سكرتيرة ؟ لا ! أعترف بهذا.
ماكنت لأتخطى مكتب السيدة تاوتسند ..أتريد حقا أن تعرف لماذا تنكرت؟
سحبت نفسا عميقا ، ثم رفعت رأسها ، وسوت كتفيها ـ ثم سارت نحوه:
- أتظن حقا أنني أردت أن ألعب لعبة فقط على بول غراينجر الشهير؟
لا تغتر كثيرا بنفسك!
فما أردت إلا وظيفة أتعلم منها بما يفيدني في عالم الأستثمارات المالية .
ولكنني مررت بسلسلة من أرباب العمل الذين عاملونني وكأنني فتاة فارغة الرأس وقد رغبوا جميعا في أن يتخذوني عشيقة ..أفهمت الآن؟
- ربما لم أنصفك ..لكن..عليك الأعتراف بأنك أسأت الحكم علي .لماذا لم تخبريني الحقيقة فورا؟
فلست مهتما أبدا بجسدك كما لا يعقل أن تفكري في أنني قد أتحرش بإنسانة لا تريدني أو ترحب بوجودي في حياتها ...خاصة سكرتيرتي..
اسمحي لي أن أقول لك أنك أنت أيضا مغترة بنفسك ، فلست فاتنة فتنة أجد معها أنني غير قادرة على مقاومتك.
مع أنني فقدت السيطرة على أعصابي هذا الصباح..
وأنا هنا لأعتذار عما بدر مني وأعدك ألا يتكرر ما حدث ثانية.
هز كتفيه بوحشية والتفت اليها:
- على أية حال . بما أننا سوينا الأمور الآن لا أرى سببا يحول دون عودتك للعمل .
فلا أريد أن أفقد سكرتيرة ماهرة .
أعتقد أنك ستسرين من وجود رب عمل أخلاقة تجاهك على الأقل فوق الشبهات بناء على ماذكرت أتوقع منك الحضور الى المكتب غدا في الموعد المعتاد.
شهقت باميلا وسارعت الى الكرسي تقعد عليه قبل أن تنهار وقالت:
- لن أستطيع...كيف لنا أن نعمل معا بعد ماحدث؟ إنه مستحيل.
انحنى بول ليجذبها عن المقعد . كانت لمحة الحنان قد غادرت وجهه.
رحلت محلها نظرة بارده اخترقت قلبها وجمدته.
ضمها بين ذراعيه ، فأذهلها تصرفة المفاجئ ..وعندما رفعت وجهها رأت ابتسامة ماكرة تعلو طرفي فمه ثم أحست بيده لطيقه على ظهرها تبعث الحياة الى عروقها.
وتلاشت كل قواها ومقدرتها على التعقل . فلم تكن تشعر إلا به وبذراعيه الدافئتين.
ارتفعت ذراعاها من غير وعي ، والتفتا حول عنقه ، تجذبانه إليها ، وتخبرانه باللمس كم تحبة.
ثم فجأة ، أبعدها عنه . فأحست بالبرد ، والهجر ، فحاولت الاقتراب منه . ولكنه قابل نظرتها الحالمه المتوسلة بنظرة باردة متحفظة لم يظهر عليها أقل تأثير بنا حدث للتو بينهما .
كان يسيطر كل السيطرة على عواطفه واعصابه وهو يمعن درس الأرتباك على وجهها.
ظعنت ابتسامته الساخرة المنتظرة قلبها فأشعلت نيرانها لم يشعل مثيلها عناقه السابق.
لم تستطع تصدق الهدوء البارد في صوته وهو يقول:
- كما ترين، لا داعي الى القلق أو الخوف مني فلست ممن يفرض نفسه على امرأة لا تريد الا فرصة للعمل كما تدعين بحرارة.
فما زال أمامك الكثير لتتعلمية مني في عالم المال.
لذا ، إن كنت جاده حقا، ابدا بتعليمك حالا : الدرس الأول يقول لا تظهري الجزع مهما كان الموقف متأزمنا .
كان تصرفك في شقتي هذا الصباح مثاليا بالنسبة لأنثى طائشة .
لا لمرأة تريد أن تتبوأ مركزا في عالم المال.
لذا يجب أن تجبري نفسك على أن تكوني أقل انفعالا لتحققي النجاح في عالمنا.
والدرس الثاني الذي يجب أن تتعلمية هو ألا تقولي ( لا) جوابا .
أعدك بأن تكون جاذبيتك آمنة معي ، وإذا لم تثقي بكلمتي فسأفترض أن كل ما قلته لي غير صحيح .
وعليه سأسعى لئلا تتبوئي أي مركز مهم في عالم المال.
إذن ، إن كنت غير مستعدة للعودة الى مزرعة أبيك ، أقترح إعادة التفكير في قرارك.
رفع رأسه ، وشد أصابعه على ذراعيها. فأخفضت رأسها ، وهي عاجزه عن النظر إلية:
- حسنا . لقد أوضحت وجهة نظرك كل الوضوح . لا أعتقد أن العودة الى مزرعة والدي فكرة جيدة . أعلم أنك لن تثق بي مرة ثانية . ولكني أعتقد أننا يمكن أن نجرب.
فتركها بول :
- إنه قرار حكيم آنسة سامرز.
واتجه الى الباب . تاركا لعينيه الحرية في التجول فوق حنايا جسدها التي لا تكاد تخفيفها البيجاما . وأكمل :
- أظن أنك لن ترتدي ما يشبه تلك الملابس الرهيبة ولكنني أقترح عليك ارتداء ماهو أقل إثارة مما ترتدية في الوقت الحاضر.
علما بأنني لن أنظر الى مفاتنك التي ليس لي فيها رغبة .
إلا أن سائر رجال المكتب قد لا تكون لهم المناعة الكافيه.
ابتسم لها بخبث ...وخرج ثم أقفل الباب وراءه .
نهايه الفصل