الرياض
شركة العــــــالي / مكتب مدير العام
10:30 مساءاً
دخل كأعصار مدمر .. لم يجد مكاناً يفرغ غضبه فيه .. سوى هذه الملكية .. توجه نحو المكتب .. ورمى بكل ما موجود على سطحه على الارض .. رفع احد المقاعد ورماه بجهة اخرى من الحجرة .. لا يعرف ماذا يفعل .. فكأنما كل اعداءه تكالبوا عليه فجأة .. لقد امضى فترة تزيد عن الشهر وهو يتوجع .. دون ان يعلم احد .. عادل من جهة .. وفاروق من جهة اخرى .. ومشاكله مع زوجته .. وذكرياته مع معشوقته .. وابناءه الذين اهملهم منذ فترة طويلة .. وابنة من صلبه لا يعلم عنها شيئاً .. يشعر بنيران تغلي في داخله .. فلو كان الغضب ناراً .. لكان هو نار جهنم بحد ذاتها .. يود لو يقتل كل من يقف امامه ..
رفع تحفة عريقة .. كانت متواجدة منذ زمن والده .. ورماها على الباب .. لتتفتت الى قطع دقيقة .. والغضب ما زال يجول في جسده .. كدماء عروقه .. صرخ بألم .. : يـــــــــــا ربـــــــــــــــــ ..
رمى – غترته – بجانب الاوراق المهمة .. والتي اصبح مكانها الارض .. يسير عليها ذهاباً واياباً .. كأسد ضاري .. لم يجد فريسته .. تخللت اصابع يداه في شعره الكث .. نادم هو على ما فعله بـ * هنادي * .. لكنه يمر بأزمة قوية .. قد تودي بحياته ..
انه يُعاقب .. على ما فعل .. وبالطبع فهو يستحق هذا العذاب وبجدارة .. لكنه يشعر بالانهاك .. فرأسه مليئ بالافكار التي عجز عن إخراجها .. مليئ بالشكوك التي عجز عن اثباتها .. مليئ بالاقاويل التي عجز عن ردعها .. يشعر بأن قدرته على الاحتمال قد نفدت ..
قاسي هو .. لكن وضعه اقسى .. وضيعة تصرفاته .. لكنه مُجبر .. لمَ لا يخففون عنه العذاب .. لم يشأ ان تكون تلك السافلة بوجهه .. ولم يشأ ان تكون * هنادي * في طريقه .. لم يشأ اي شئ .. لقد كان مُسالم .. هم من حولوه الى وحش كاسر لا يرأف بأحد .. والان .. قُلبت الطاولة .. واصبح كل شئ ضده .. كل شئ ..
ارتفع رنين هاتفه النقال ..
اخرجه من جيبه .. وكان يود ان يرميه عرض الحائط لينفس عن غضبه اللا محدود .. لكن رقم المتصل جعله يعيد التفكير مرة ثانية .. ضغط الزر الاخضر .. : نعــــــم ..
- السلام عليكم ..
زفر بهدوء .. : وعليكم السلام ..
- اخوي .. انت مؤمن بقضاء الله .. وتدري ان البقاء لله .. وما فيه احد دايم في هالدنيا ..
قال بقلق .. : ونعم بالله .. اختصر لو سمحت ..
- عظم الله اجرك في عادل الفياض ..
اتسعت عيناه بصدمة .. هل سيُفرج همه ؟ .. : ايـــــــش ؟ ..
- خلي ايمانك بالله قوي .. والبقاء لله .. اتمنى تجي عشان تستلم الجثة ..
اغلق الهاتف .. وسجد على الارض .. لقد شعر بفرح رُغم ان للموت هالة خاصة من الحزن حتى ولو كان لشخص غريب .. : الحمد لله .. الحمد لله ..
نهض .. واخذ يتحرك يميناً ويساراً دون هدف .. فُرجت .. الحمد لله .. لقد فُرجت .. قفزت لمخيلته .. صورة عادل هذا الصباح .. فتمتم .. : الى رحمة الله .. الله يرحمه ..
بحث عن رقم هاتف شقيقه .. في قائمة الاسماء .. لكي يبدأوا بإجراءات الدفن ..
******
*
*
*
******
& مــــــاضي &
دخــــل الى المشفى .. بخطوات مثقلة بالهموم .. رحلت .. وأخذت معها سعادته .. رحلت وتركته يتخبط في ما لديه .. مشى نحو الحجرة الخاصة بالاطفال حديثي الولادة .. ولاح له من بعيد صديق طفولته .. يقف وينظر الى الاطفال بحب .. اتكئ على الجدار قريباً منه .. وهو ينظر للهفة المتوسدة في عيني صاحبه ..
ألا تدري يا هذا .. بقدوم واحد من هؤلاء .. رحلت هي ..
نبهته حواسه بوجود شخص اخر قريب منه .. نظر نحوه بصدمة .. : عــــــــــــادل .. ايش اللي صار لك ؟؟؟ ..
تساقطت دموعه .. دون قيود .. : راحــــــــــــــت ..
وضع يده على كتف صاحبه .. : ميـــــــــن ؟؟؟ ..
إتخذ وضعية القرفصاء .. على الارض .. : نجلا راحت يا .. حمــــــــــــد .. راحت .. اختي ماتت ..
جلس بجواره .. : إذكر الله ياخوك .. إدعــــــــي لها .. ما يجوز تسوي كذا ..
ضرب بقبضة يده على صدره .. : ما وفيـــــــــت بوعدي لها .. انا جبـــــــــــان .. ماني قد كلمتي ..
قال مؤازراً .. : راحت عند اللي أحسن منك ومني ..
بكى كطفل فقد والدته .. : ماتــــــــــت وهي مظلوومة ..
قال مؤكداً .. : في الجنة ان شالله ..
ما زال يصارع ألمه .. والغلبة للاخير دائماً .. : كيف بيعيــــــــــــش .. وهي تحت الثرى .. كيف ؟؟؟؟؟؟ ..
ربت على ظهره مواسياً ..
عـــــادل .. : كيف بتعيش بنتها بعدها ؟؟ ..
اجابه الاخر مطمئناً .. : بتعيش سعيدة ان شالله .. خلاص لا تبكي .. ادعي لها ..
حنى رأسه واسنده على كتف صاحبه .. وما زال يشهق ببكاء مؤلم .. فشعوره اليوم .. كان قاسياً .. فلقد أورى جسد طفلته التراب .. وتركها وحيدة في ظلمة قبرها .. كم تمنى لو دُفن مكانها .. وعاشت هي .. لتسقي طفلتها .. وترى بكرها .. وتعيش سعيدة ..
******
نهاية مشهــــــــد من مشـــــاهد الماضي
******
إنتهــــــــــــــى