من جديد، تصر القاهرة على المواقف المثيرة للجدل في مجلس الأمن الدولي، بالامتناع عن التصويت على مشروع قرار يفرض عقوبات على نظام بشار الأسد لاستخدامه أسلحة كيماوية ضد المدنيين في سوريا.
الموقف المصري يأتي كتتويج لسلسة من الشواهد التي تؤكد دعم نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي لنظيره السوري، فضلًا عن تعميق الأزمة مع دول الخليج وعلى رأسها السعودية، مقابل التشبث أكثر بالمعسكر الروسي.
فهل يقطع هذا الموقف شعرة معاوية بين القاهرة والرياض، وما الذي جنته مصر من ذلك، وإلى أي مدى يرسخ الأمر أقدام الأسد في الحكم، ويحميه من الملاحقة؟.
اتهامات جزافية "لكنها موثقة"
مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، عمرو أبو العطا، أعلن أن القاهرة لم تدعم مشروع قرار مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على دمشق لأنه "خال من الأدلة الحقيقة ويوجه اتهامات جزافية".
"أبو العطا" رأى أن مسودة القرار الذي أجهضه الفيتو المزدوج لكل من روسيا والصين، خلال جلسة مجلس الأمن الدولي الثلاثاء، حول موضوع الكيمياوي في سوريا "تجاهلت الدليل".
المندوب المصري تابع: "فوجئنا بأنه تم القفز على الخطوات المعهودة في المجلس، حيث يشمل المشروع المطروح في مرفقاته قائمة معدة سلفًا بالكيانات والأفراد، الذين يرى مقدمو القرار أنهم المسؤولون عن استخدام السلاح الكيمياوي في سوريا".
مشروع القرار، الذي قدمته بريطانيا وفرنسا إلى مجلس الأمن الدولي، ينص على فرض عقوبات عسكرية على النظام السوري، وإدراج 11 من قادته العسكريين على "القائمة السوداء".
كما كان مشروع القرار يتضمن حظراً للسفر وتجميداً لأصول في الخارج لمسؤولين وقادة عسكريين سوريين.
وامتنعت 3 دول عن التصويت هي مصر وإثيوبيا وكازاخستان، ورفضت القرار 3 دول أخرى من بينها روسيا والصين اللتين تتمتعان بعضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي مع حق النقض "الفيتو"، بالإضافة إلى بوليفيا.
الامتناع المصري جاء على الرغم من تقارير خبراء بعثة التحقيق بالاستخدام العسكري للمواد الكيميائية في سوريا المُشكلة 13 نوفمبر الماضي، أشاروا فيها إلى مسؤولية النظام السوري عن 3 حالات وتنظيم داعش عن هجوم واحد.
منظمة "هيومان رايتس ووتش" كشفت في تقرير موثق لها، أن قوات الحكومة السورية استخدمت الأسلحة الكيميائية 8 مرات على الأقل في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بحلب، في عام 2016 فقط.
طيارون مصريون يقصفون سوريا
أزمة مجلس الأمن تزامنت مع صدور تقارير إعلامية تشير إلى تورط طيارين مصريين في قصف المناطق التي استحوذت عليها المعارضة في سوريا، بالتنسيق مع قوات الأسد، خاصة بريف دمشق ودرعا.
التقرير الذي نشره موقع سوري معارض، يقول إنه حصل على "تسجيلات صوتية مسربة تؤكد مشاركة طيارين مصريين في عمليات القصف الجوي التي تستهدف المناطق المحررة في سوريا، ولا سيما في ريف دمشق ودرعا".
التقرير تابع: "ووثق مرصد الجنوب العامل في درعا مؤخراً، محادثات صوتية مقتضبة باللهجة المصرية، حيث كان قائد الطائرة (مصري) يتلقى تعليماته من مركز قيادة الملاحة الجوية في مطار السين بريف دمشق، لاستهداف مناطق في ريف دمشق ودرعا"، على حد قوله.
المحادثات الصوتية، أشار التقرير إلى أنه تم الحصول عليها من خلال اختراق ترددات الاتصالات اللاسلكية التي تستخدمها الطائرات الحربية مع القواعد العسكرية داخل المطارات لمعرفة تحركاتها وعمليات التنسيق والقصف التي تعتزم تنفيذها، حيث تم رصد اتصالات تؤكد وجود طيارين مصريين يشاركون في عمليات القصف، عبر طائرات حربية وأخرى مروحية حديثة.
المرصد يقول إنه وثق، السبت الماضي، شن طائرة حربية من طراز سوخوي 24 يقودها ضابط مصري على مدينة دوما بالغوطة الشرقية، إلى جانب رصد طائرة حربية من طراز ميج 23 يقودها أيضاً ضابط مصري استهدفت حي المنشية في درعا البلد.
الحدثان يأتيان بعد نحو 3 أشهر من الإعلان الرسمي المصري عن دعم الأسد، والذي جاء على لسان السيسي، حين أكد أن مصر تدعم الجيش العربي السوري في مواجهة التنظيمات الإرهابية.
وفي ديسمبر الماضي، كشفت صحيفة السفير اللبنانية، المقربة من نظام الأسد وإيران، وجود 18 طياراً مصرياً في سوريا، مشيرة إلى أن الانخراط العسكري المصري هو تتويج لسلسلة لقاءات أمنية وسياسية بين النظامين.
لماذا يدعم السيسي الأسد؟
وبعيدًا عن تفصيلات الحدثين المتزامنين، فإنهما يستدعيان تساؤلًا تكرر خلال الآونة الأخيرة كثيرًا مع تكرار الأزمات والمواقف المشابهة، وهو لماذا يدعم السيسي الأسد بتلك القوة؟.
ولعل الإجابة المباشرة التي تقفز إلى الذهن، تتمحور حول رغبته في التقرب أكثر إلى الدب الروسي، أو ما تذهب إليه تحليلات سياسية تقول إنه يسعى لنيل رضاه، لعدة أسباب.
ويبدو الدعم السياسي والعسكري الكبير الذي قدمته موسكو لنظام السيسي منذ الإطاحة بالرئيس السبق محمد مرسي في يوليو 2013، في مقدمة تلك الأسباب، تماهيًا مع محاولات السيسي الدؤوبة في الحصول على شرعية دولية من القوى الكبرى، وفي مقدمتها روسيا وأمريكا.
تلك الشرعية، أو التاييد، الذي ربما يخفف من حدة أية انتقادات دولية لمصر بشأن سلجها في مجال حقوق الإنسان خلا السنوات الأربع الأخيرة، فضلًا عن الأوضاع الاقتصادية المتردية التي قد تسفر عن احتجاجات شعبية يحد من وطأتها على النظام دعم دولي كبير.
أزمة السعودية في الصورة
وفي إطار البحث عن أسباب الدعم المصري المستمر والمتزايد لنظام الأسد، نجد أن القاهرة ترغب بشكل واضح في تعميق الأزمة مع الرياض.
تلك الأزمة التي بدأت، بالمفارقة، من مجلس الأمن أيضًا حين صوتت مصر في أكتوبر الماضي، لصالح مشروع القرار الروسي بشأن الأوضاع في سوريا، وذلك خلافًا للإجماع العربي على رفض المشروع.
الأفعال المصرية المخالفة لتوجهات المملكة، ازدادت حدتها بعد هذا الموقف بتقارب غير مسبوق مع إيران التي تعاديها السعودية، ويتحاربان بالوكالة في اليمن وسوريا، وتهدد الخلافات المستعلة بينهما باندلاع حرب في المنطقة.
إلا أن ردود أفعال المملكة لم تتوقف، بين وقف لإمدادات النفط، ومطالبة برد وديعة بقيمة ملياري دولار، والتواجد بقوة في إثيوبيا دعمًا لبناء سد النهضة، وتقارب مع قطر التي تناصبها مصر العداء.
وعلى الرغم من التصريحات المباشرة، والتلميحات والرئاسل غير المباشرة بين الطرفين، التي تنم عن تحسن في العلاقات، إلا أن الواقع يقول غير ذلك، فمصر مستمرة في مكايدة السعودية التي لا تقبل هي الأخرى جرح كرامتها وترد بطريقتها المناسبة.
الكل مصمم "حتى النهاية"
يبدو الأهم والأخطر في تلك الأزمات والمواقف المتلاحقة، أن القضية ليست مجرد خلافات في وجهات النظر، أو إجراءات وقتية سوف تمضي إلى حالها قريبًا، بل يتبين أن الأمر بمثابة استراتيجية وخطة محكمة من جميع الأطراف.
تلك الخطة تقود إلى أن جميع الفرقاء الذين مايزتهم الأزمة السورية، قررو إكمال الطريق حتى النهاية بلا تردد، الطريق الذي لا رجعة فيه باستمرار التأزم، وتصميم كل طرف على موقفه بحساباته المختلفة.
المعسكر الروسي حسم أمره منذ البداية بدعم الأسد إلى النهاية، متابعًا حليفه القوي إيران بميليشياتها المسلحة والتي دعمت الأسد منذ اللحظات الأولى لثورة الشعب السوري، ولحقت مصر بهذا القطار بعد فترة حياد التزمتها لحين وضوح الرؤية.
المعسكر الأمريكي لا يشغله مصير الأسد أو حتى معاناة السوريين، بقدر ما يشغله القضاء على تنظيم داعش، وبين هذا وذاك تبدو مواقف إقليمية ودولية أخرى تتزعمها السعودية وتركيا برغبة لم تعد قوية في الإطاحة بالأسد، ودعم المعارضة المسلحة.
وعلى صعيد الخلافات السعودية افيرانية، يبدو المشهد في الخليج أكثر تعقيدًا، وينذر ربما بحرب تلوح في الأفق، ليست بالوكالة هذه المرة.