سيداتي ساداتي المتابعين لقصص الكاتب عاشق القمراء ، الليلة سوف أحكي لكم سالفة جديدة كما عودتكم :
قبل عدة سنوات ، أشتقنا للمقناص وأتصلنا على خوينا مسلط اللذي يسكن في أحد مدن الشمال ، وقلنا له جهز نفسك وجهز سيارتك الشاص والعزبة اللتي تعرفها من خيمة وفرش وماء وبنزين ، وأحنا نجيب الأغراض الباقية معانا ونتقابل وقت صلاة المغرب في المحطة اللي عند مفرق الديرة اللي أنت تخبرها ،
بعد ما صلى مسلط صلاة الظهر بداء يجهز الشاص بألاغراض ، وبعد ما أنتهى من تحميلها غطاها بالشراع ، وأثناء تجهيزه للاغراض قابله جار له شايب ، وقال على وين يامسلط ، أشوفك تربط عفشك ، قال له مسلط متواعد مع خوياي نبا نطلع رحلة قنص لمدة خمسة أيام ، منك خوه تروح معانا ، قال له الشايب والله ياجاري أنك شوقتني للمقناص ورحلات البر ، وأنا ذابحني الجلوس في البيت وودي أفسح نفسي ، وخوتك تنشرى بالفلوس ، لكن أنتظرني دقائق أبا أعلم عيالي وأجهز أغراضي .
دخل جار مسلط لبيته وعلم أهله وجاب له فراش ولحاف ومخده ، وملابس ، وهو فرحان بالرحلة ،
وطلع مع خوينا مسلط .
وقابلنا خوينا مسلط ومعه جاره في المحطة وصلينا صلاة المغرب ثم توجهنا صوب الديرة اللي نريدها ، وكانت الليلة قمراء ، حيث أننا في منتصف الشهر ، ووصلنا لموقع مخيمنا قرب منتصف الليل ، وصلنا تعبانين من السفر وفرشنا فرشنا ، وسوينا قهوتنا وعشاء خفيف ونمنا ، في الصباح بنينا خيمتنا ورحنا ندور صيد ورزقنا الله بخير كثير ، وفي الليل وحنا سامرين ، قال لنا جار مسلط سالفة عن الوادي اللي حنا مخيمين فيه ، وقال لنا :
كان في هذا الوادي قبل حوالي سعبين عام رجل ساكن لوحده أسمه مبارك وهو رجل فقير الحال ، ولديه ثلاثة أطفال وعنده غنيمات قليلة من الماعز ، وحالته رثه ، ومسكنه بيت شعر، فهو قد بقي في هذا الوادي لقلة المرعى في السهول بسبب القحط المهول اللذي أصاب الديرة ، فمنذوا ثلاث سنوات لم تهطل الأمطار على تلك الديار ، فصارت قفار ، وتقطعت فيها السبل وساءت الأحوال ، فأغبرت الأشجار ، وأشتدت سرعة الرياح ، وأثارت الغبار .
وقد شدوا الساكنين في الوادي ، بعد أن جفت الأبار وأنتهت الأعشاب ، فلم يبقى لهم فيذلك الوادي محل أستقرار ، فهم يتبعون الحياء ، وينزلون حيث يوجد الكلاء .
وكان مبارك رجل كبير وفقير ، وقد تزوج بعد أن كبر سنه ووهن العظم منه، فلم يستطيع أن يتزوج في سن الشباب ، حيث كان يرعى في حلال أهل الديرة ، وقد بداء حياته في العمل راعي وجمال مع أصحاب الحلال ، وكانوا يعطونه مقابل ذلك شويهات ، فبعضها صغيرة وبعضها كبيرة ، ومنها العرجاء والعوراء ، والجماء ، فكانت ماعز مشكلة ، وهزيلة ، فلا يطمع فيها نهاب ولا تسطيع مع الراحلين لطلب المرعى الذهاب .
وعندما شدو الناس اللي في الوادي وراحوا يدورن الربيع ، قرر مبارك البقاء في ذلك الوادي الخالي من الناس ، المقفر ، ولكنه يعرف مكان فيه ماء قليل يروي عطشهم وعطش غنمهم ، وكان الماء موجود في داخل صخور في أحد الجبال فيسقون منها غنمهم ويروون قربهم ، ولكن لا بد أن يرتتون منه في النهار ، وفي أعلى الجبال لازال يوجد مرعى ، ولكن الوصول إليه متعب وشاق ولا بد من الرجوع من أعلى الجبال قبل حلول الليل ، حيث أن هذا الوادي تغرب عنه الشمس قبل الغروب بسبب طول الجبال ، فيظلم من وقت العصر ، بسبب ظل الجبال عليه ، وفي الليل تكثر في الوادي السباع اللتي تبحث عن حلال ضائع أو مسافر وحيد ، فهي تترقب وترد على ذلك العد ، و في بعض الأيام يجدون عند الماء سباع مقتوله ، بسبب الصراع بين السباع .
وكان ذلك الوادي خالي ، فلا تسمع به الا أصوات الرياح ، فهي تلج في الجبال ولها صدى كأنه صياح .
فبعد أن رحلوا من الوادي أهل الحلال ، بداء مبارك في الأستعداد للأهوال ، فهو يعرف أن هذه الجبال ، توجد بها ذئاب ونمور وضباع ، وهي مأمن لكل سبع مفترس يخاف من الناس ، حيث أن قممها شاهقة وصخورها ملساء ، وتكثر فيها المغارات وداخل المغارات متاهات .
وأن الناس اللي ساكنين في الوادي يحكون حكايات غريبة ومخيفة ، عن تعرضهم في الليل لهجوم السباع ، وسماعهم أصوات مرعبة ، وقد تعرض مبارك لعدة مواقف مماثلة .
وبعد أن بقي في الوادي وحيد هو وزوجته وأطفاله ، كان يعرف مكان كهف في طرف الوادي في كنف جبل ، ففكر في أن يكون هذا الكهف له مأمن ، وأن يجعله حصن حصين له ولزوجته ولإطفاله .
ذهب مبارك للكهف في وسط النهار ، ودخل به لكي يقيسه ويعرف دهاليزه ، ويتأكد أنه لا توجد به سباع ولا دواب ، وكان الكهف ليس عميق الى الداخل كثير ، وكان وسيع وسقفه مرتفع ، فدخل مبارك داخل الكهف وتفقده وتفحصه وبحصه ، فأعجبه الكهف وأرتاح له وقرر أن يكون مسكن له ولإسرته ، فإذا حل المساء وعمت الارجاء الظلماء يتخذه لهم ماؤى ، وفي داخل الكهف في الليل يشعلون النار ويشعر الأطفال بالأمان وينامون .
بداء مبارك في التخطيط لجعل الكهف منزل أمن لهم ، فبداء في بناء جدار من الأحجار على مدخل الكهف ، وبداء هو وزوجته واطفاله في جلب الحجار وبناءها على شكل جدار من الأحجار عريض ، فلا رياح تهدمه ، ولا سباع تستطيع أن تقتحمه ، ولم يبقوا الا مقدار باب لدخولهم وخروجهم ، ثم صنعوا باب من سوق الاشجار وفروعها لتغلقه .
وبدواء في جلب الحطب إلى داخل الكهف حتى كوموا حطب كثير داخل الكهف يكفي لهم ، وتكون في الليل نارهم مشتعلة حتى الصباح ، فتخاف من النار السباع وتهاب .
بداء مبارك وزوجته في نقل متاعهم وتصفيط بيتهم ، ونقله إلى داخل الكهف ، وقد أستقروا في داخل الكهف وشعروا بالأمان ، فكانوا يدخلون في الكهف قبل حلول الظلام ، ثم يقفلون عليهم الباب .
وعملوا لغنمهم مكان أمام الكهف وجعلوه حصن حصين لها ، فجمعوا أغصان الأشجار وجعلوها حول غنهم حضار، لا تستطيع السباع أن تدخل معه أو تتجاوزه ، فقد كان سور عالي وكثيف الشوك .
وفي أحد الأيام ذهب مبارك في وقت الصباح الباكر لكي يسقي غنمه ويروي قربته من الماء ، فوجد الماء شحيح ويحتاج الى وقت طويل حتى يتكون في الغدير ، فبقي طول النهار وهو يغرف من الماء ، حتى سقى غنمه ، وقد حل المساء وأقبل غروب الشمس فأخذت زرجته الغنم لمكان سكنهم ، أما مبارك فقد بقي عند البير لإنتظار أن يتجمع فيها ماء يملي به القربة ، وأنتظر حتى حل عليه الظلام .
وعندما حل وقت الظلام وقد بقي قليل حتى تمتلي القربة ، وإذا بأصوات قريبة من البير ، صوت أغنام وصوت نباح كلاب ، فتعوذ من الشيطان الرجيم وذكر أسم الله ، وقرر أنه لن يرجع لبيته حتى يملاء قربته ، وبقي ينتظر أن يتجمع الماء اللذي في الغدير حتى يغرفه ويملاء قربته ، وإذا الأصوات ترتفع وتقترب منه ، ثم بداءات هذه المخلوقات برميه بالأحجار ، وكانت الأحجار تقع قريب منه ، ثم شعر ببطحاء تضرب في ظهره ، فأقشعر جسمه ، ودخله الخوف ، فأخذ قربته ونزل من الجبل اللذي توجد فيه البير ، وقد عم الظلام الطريق ، فلا يرى أين يضع قدميه ، وبعد أن أبتعد عن البير قرر الجلوس فلم يعد يستطيع المشيء بسبب الظلام الدامس ، وقرر أن يبقى مكانه حتى يطلع القمر ثم يمشي على نور القمر حتى يصل إلى بيته ......