[align=center]
حواء زوجة الأب



** أسباب ملحة

الحياة الإنسانية علي مر العصور تمر بها صور الخلافات بين الزوجين التي تنتهي بإنفصالهما, أو يشاء القدر رحيل الأم إلي الدار الآخرة,

فمن الطبيعي أن يبحث الرجل عن زوجة أخري تعينه علي تربية أولاده, ولكن كثيرا ما يجد الرفض حليفه فحواء ترفض أن تكون زوجة أب خوفا من كلام الناس, فتجد بعضهن تشترط عليه إسكان أولاده في شقة منفصلة عنها, وأن يجلب لهم خادمة تقوم بتربيهم.

وكثيرا ما يضطر الرجل إلي قبول مثل هذه الشروط بعد أن يكون قد أضناه التعب, وفي رأيي إن علي الرجل مهما لقي من الصعاب والمتاعب أن يظل يبحث عن امرأة تقبل به وبأولاده, لكي يضمن سلامة نفسياتهم, وعدم انحرافهم لا أن يفكر في متاعبه الشخصية فقط, ويحاول حلها بإيجاد زوجة له, بل عليه أن يجد الزوجة والأم معا.

** الزوجة والأم.

وحواء التي ترفض الرجل الصالح صاحب الأولاد بحجة أنها لا تستطيع القيام بخدمتهم أقول لها : اتقي الله فيهم, واعتبري عملك هذا باب خير فتحه الله لك لتحصلي منه علي أرفع الدرجات, وأعظم الحسنات قال تعالي ( <span style='color:086215'>ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ) ( البقرة :220 ). وامسحي من رأسك تلك الصورة المشوهة لزوجة الأب, واثبتي للجميع أن المرآة التي تخاف الله وتتقيه, وترجو الثواب منه هو لا من أحد غيره تستطيع أن تنشئ للمجتمع أبناء صالحين لم تلدهم هي.

وعلي المرآة أن تضع نفسها في الظرف نفسه, وتتخيل نفسها في الموقف ذاته, لتفرض أنها أنجبت وتزوجت, ثم لم يوفق الله بينها وبين زوجها, أو أنها توفيت, فأين يذهب أطفالها من سيعيلهم ؟ من سيربيهم ؟ أليس امرأة أخري ؟
قال تعالي : ( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ) ( البقرة : 110 ).
وقال تعالي : ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ) ( آل عمران : 30 ).

وإذا كان المصطفي صلي الله عليه وسلم قد أخبرنا عن رجل غفر الله له لإحسانه لكلب عطش, فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال ( بينما رجل بطريق اشتد عليه العطش, فوجد بئرا فنزل فيها, فشرب, ثم خرج, فإذا كلب يلهث يأكل الثري من العطش, فقال الرجل: فقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني, فنزل البئر, فملأ خفه ماء, فسقي الكلب, فشكر الله له فغفر له, قالوا : يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجرا, قال : في كل كبد رطبة أجر (1) . </span>

**أعظم الأجر.

فما أعظم الأجر إن كانت هذه الكبد كبد طفل إنساني, وعلي المرآة التي طلقت وتركت أبنائها للزوج أن تكون أما واعية تعمل علي صهر أبنائها في حياتهم الجديدة, وتفهمهم أن ما جري هو بتقدير الله, وتحاول تحبيبهم بزوجة أبيهم, وأنها بمثابة أمهم الثانية, وعليهم طاعتها ومحبتها, وعليها أن تتصل بالزوجة الجديدة وتربط معها نوعا من الصداقة, وتعرف منها النقاط المزعجة في أطفالها حتى تستطيع توجيههم, فبذلك قد تكون أراحت زوجة الأب من تعنت الطفل ورد فعله العكسي تجاهها.

كما علي زوجة الأب أن تراعي نفسية الأطفال, وأن تقدر موقفهم وبعدهم عن والدتهم, وغرابة الموقف بالنسبة لهم فلتكن حكيمة صبورة ودودة لكي تستطيع أن تكسبهم إلي جانبها, وتزرع محبتها في نفوسهم وللأب أيضا دور كبير في نجاح حياته الثانية فعليه أن لا يقحم أنفه في كل أسلوب تربوي تتبعه زوجته الثانية إذا ثبت له وعيها, ومراقبتها لله وخوفها منه, وعليه ألا يشعرها بأنها ليست أمهم الحقيقية, بل يتفاهم معها علي الأسلوب الصحيح. والطريقة السليمة في التربية ليستطيع الجميع السير في الحياة الجديدة برضاء ومحبة.

** تضحية متميزة

وإني لأذكر قصة فتاة مع زوجة أبيها هي قمة الوفاء والإخلاص, فقد انفصل والدا الفتاة منذ صغرها, فتربت في أحضان زوجة أب حنون تخاف الله وتخشاه, وفي رعاية أب كثير العيال قليل المال, ومضت السنوات وتوفي الأب بعد أن بلغت الابنة أعلي مدارج العلم, وحصلت علي مكانة اجتماعية مرموقة, فاتصلت بها والدتها الغنية تغريها بترك حياة الفقر, وأن تعود إليها لتعيش في كنف العز والرفاهية, ولكن كان جواب الابنة جواب الوفي الذي لا ينسي معروفا, فاعتذرت لأمها بلطف وأخبرتها أن أمها بالتربية, وأخوتها من أبيها في أمس الحاجة إليها, وهي تريد أن ترجع للمرآة جزءا ضئيلا من تضحياتها.

فسبحان الله, لعل الخير يتجسد في أبناء الزوج أكثر من أبنائها, ويكونون لها سندا بعد الله سبحانه وتعالي . أما إذا كان الأطفال ممن حرموا عطف وحنان الأمومة بمشيئة القدر, فهؤلاء أجرهم أعظم, وثوابهم أكبر.

صحيح إن اليتيم في الحكم الشرعي هو الذي يترتب عليه أحكام قضائية, وهو من فقد أباه قبل أن يبلغ سن الرشد, ولكن هذا ما يمنع من اعتبار الطفل الذي فقد أمه يتيما في الحكم الاجتماعي والإنساني والعاطفي.

ولا شك أن أجر من تحسن إلي هؤلاء, وتعطف عليهم ابتغاء وجه الله أجر عظيم وثواب وفير.
والمرآة الواعية التي تخاف الله ستظل معاملتها ثابتة لأبناء زوجها لا تتغير أبدا وإن أنجبت هي أطفالا, لأن مبدأها هو العمل الخالص لوجه الله تعالي. [/align]