الحديث عن المعلقات ذو شجون،وقد قالت العرب :"كلُّ فتاةٍ بأبيها معجبة"،فحُقَّ للعرب أن يعجبوا بشعراء المعلقات ومعلقاتهم،وقد بلغ من افتتان العرب في الجاهلية بالمعلقات أن قال الشاعر: ألهى بني تغلب عن كلِّ مكرمة...قصيدةٌ قالها عمرو بن كلثوم.
وللشعر في حياة عرب الجاهلية مساحة فخر لا تقل عن مساحة الفروسية والشجاعة والكرم والنخوة،وقد بلغ اهتمام العرب بالشعر أن جعلوا له محكمين في أسواقهم الموسمية؛فقد نصبوا قبة من إدم في عكاظ للنابغة الذبياني يحكم فيها بين الشعراء ويجيز قصيدهم،وكان ممن وفد إليه الخنساء وحسان بن ثابت في قصة معروفة نقدت فيها الخنساء حسان في افتحاره بقومه إذ يقول: لنا الجفنات الغر يلمعن في الضُّحى...وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فقالت الخنساء والله إنك شاعر لوقلت:
جفان فالجفنات قلة دون السبعة ولو قلت سيوف بدل أسياف ،ولو قلت يبرقن في الدجى فالضيوف أكثر في الليل من الضُّحى،ولو قلت يجرين أكثر غزارة من القطران.
وكانت القبيلة تفخر بشاعرها فهو صوتها وإعلامها وسهمها الذي تنبل به خصومها.
والمعلقات مجموعة من القصائد التي قيلت في العصر الجاهلي ،واختلف النقاد في سبب تسميتها وفي تسميتها.
ففريق ممن سماها المعلقات قال بأن سبب ذلك تعليقها على أستار الكعبة وفريق آخر قال بل لتعلقها في صدور الناس ،وفريق سماها المذهبات بزعمه أنها كثتبت بماء الذهب،وفريق سماها السموط حمع سمط وهو الخيط الذي تنظم فيه خرزات العقد، وفريق سماها المشهورات،والأشهر والأذيع ما تعارف عليه الناس المعلقات.
طال الاختلاف عددها كما هو في مسماها ،فابن عبد ربه في عقده عدًّها سبعا هي:
1-معلقة امرئ القيس التي يقول مطلعها: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنل...بسقط اللوى بين الدخول فحومل.
2-معلقة طرفة بن العبد التي يقول مطلعها: لخولةَ أطلال ببرقة ثهمد...تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد.
3-معلقة زهير بن أبي سلمى التي يقول مطلعها: امن أم أوفى دمنة لم تكلم...بحومانة الدراج فالمتثلم.
4-معلقة عمرو بن كلثوم التي يقول مطلعها: ألا هبي بصحنك فأصبحينا...ولا تبقي خمور الأندرينا.
وفي رواية:
......................................وجودي من خمور الأندرينا.
5-معلقة عنترة بن شداد التي يقول مطلعها: هل غادر الشعراء من متردم...أم هل عرفت الدار بعد توهم.
6-معلقة لبيد بن ربيعة العامري التي يقول مطلعها: عفتِ الدِّيار محلها فمقامها....بمنى تأبد غولها فرجامها.
7-معلقةالحارث بن حلزة التي يقول مطلعها: آذنتنا ببينها أسماء....رّبَّ ثاوٍ يمل منه البقاء.
وقد وافقه الزوزني في عددها وأصحابها ،أما أبو زيد القرشي في جمهرته فقد عدهم ثمانية بإسقاطه الحارث بن حلزة وإضافة النابغة بقصيدته التي يقول مطلعها: عوجوا فحيوا لنعم دمنة الدار....ماذا تحبون من نوى وأحجار.
والأعشى ميمون بقصيدته التي يقول مطلعها: ما بكاء الكبير بالاطلال...وسؤالي وماترد سؤالي.
اما التبريزي فقد عدها عشرا بإضافته عبيد بن الابرص للسابقين بقصيدته التي يقول مطلعها: أقفر من أهله ملحوب...فالقطيبيات فالذنوب.
ويروي التبريزي للأعشى قصيدته التي يقول مطلعها: ودع هريرة إن الركب مرتحل...وهل تطيق وداعا ايها الرجل.
ومما سبق فالثابتون في الروايات الثلاث خمسة هم: امرؤالقيس بن حجر وطرفة بن العبد وزهير بن أبي سلمى وعمرو بن كلثوم وعنترة.
وقد اعتمد النقاد على المعلقات في بيان البناء الفني للقصيدة الجاهلية حيث:
الوقفة الطللية،وصف الراحلة،وصف الحبيبةوقد يذكر في قصيدته أكثر من حبيبة،الفخر بفروسيته وأوابده،الحكمة؛ومن خصائص القصيدة الجاهلية:
صعوبة الألفاظ وغرابتها وجزالتها،بساطة التصوير،أثر البيئة.