صلاح خاشقجي
الأرقام الأولية المتوفرة للموازنة العامة السعودية تظهر لنا أن العجز بين إيراداتها ومصروفاتها سيفوق حاجز نسبة 3% بالأسعار الجارية. هذه النسبة هي التي اتفقت اقتصاديات دول مجموعة العشرين المتقدمة على أنها مناسبة لإخراج الاقتصاد العالمي من هزاله وهشاشة نموه. وكما أن جميع الدول مطالبة- وغير ملزمة- بضبط موازناتها العامة عند هذا المستوى، إلا أن السعودية مطالبة بأكثر من ذلك. فالعالم يتوقع من الاقتصاد السعودي أن يستمر في الإنفاق الضخم بشكل عام، فالإنفاق الحكومي الهائل على استكمال مشاريع البنية التحتية وتطويرها وتحسينها ساهم بشكل مهم في المحافظة على زخم النشاط الاقتصادي. ولكن كيف يمكننا التوفيق بين هاتين السياستين المتناقضتين بشكل يعود علينا بأعلى الفوائد، أو على الأقل أقل الأضرار المحسوبة؟
العجز واقع لا محالة، فعلى جانب المصروفات نجد أنها في تزايد مستمر عاما بعد عام بنسب لا تقل عن 11%. أخص بالذكر هنا المصروفات الجارية، وهي الأكثر صعوبة في ضبطها وتخفيضها وقت الأزمات. فعادة ما تقوم الدول بتخفيض إنفاقها الرأس مالي بداية، حتى إذا لم يبق من المشاريع ما يمكن تأجيله أو إلغاؤه، بدأت بتخفيض المبالغ المرصودة للصيانة وإعادة التأهيل، لتبقى رواتب الوظائف الحكومية ومصاريف إداراتها الضرورية آخر ما يتم تخفيضه. وبالنظر إلى مصروفات العام الجاري والأعوام السابقة، فإن تقدير مصروفات العام القادم الجارية لن يقل عن 770 مليار ريال. كما علينا أن نضيف إلى ذلك المشاريع الحيوية التي لا يمكن تأجيلها لنصل إلى مصروفات إجمالية تقل عن 900 مليار ريال بقليل. وهي أقل من إجمالي مصروفات العام الجاري بنحو 10% على أقل تقدير.
على جانب الإيرادات نجد أن السعودية تقترب من سقف طاقتها التصديرية والذي يراوح بين 10 ملايين برميل يوميا، تزيد أو تنقص بنحو 500 ألف برميل. وبالتالي يصبح متوسط سعر السوق لبرميل النفط على مدى العام هو المتغير الأهم في تحديد إجمالي الإيرادات. وتشير معظم التوقعات أن متوسط سعر برميل النفط سيراوح حول 62$ للبرميل. بحسب هذه التوقعات، فإن إجمالي ما سيحققه الاقتصاد السعودي من إيرادات سيقف عند 800 مليار ريال. هذه التوقعات ليست نتيجة لوفرة العرض أو انخفاض الطلب فقط، بل إنها تأخذ في الاعتبار قوة الدولار. فقد بات الاقتصاد الأمريكي مرة أخرى هو المحرك الأهم للنمو العالمي. فمع ارتفاع الدولار الأمريكي ترتفع تكلفة برميل النفط على المستهلك وبالتالي ينخفض سعره. ولذلك فإن الأداء الهزيل لباقي اقتصاديات العالم يزيد من قوة الدولار يوما بعد يوم.
إن كان العجز واقعا لا محالة، ولا بد لنا في نفس الوقت من الاستمرار في تمويل استكمال البنية التحتية لاقتصادنا، فإن علينا أن ننفق أموالا بأقل تكلفة ممكنة على مشاريع ذات أعلى مردود استثماري. وكما هو معروف بأن الأزمات تصنع الفرص، فإن هذه الأزمة تتيح لنا ابتكار آلية ذكية للإنفاق الحكومي، تهتم بوسائل تمويل النفقات الرأس مالية ومردودها على الاقتصاد والمواطن.