فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله ــ الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد .. التوكل في اللغة معناه: الاعتماد والتفويض، وهو من عمل القلب، يقال: توكل في الأمر: إذا ضمن القيام به، ووكلت أمري إلى فلان: إذا اعتمدت عليه. والتوكل على الله من أعظم أنواع العبادة التي يجب إخلاصها لله؛ قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} والتوكل على الله في دفع المضار وتحصيل الأرزاق وما لا يقدر عليه إلا هو من أعظم أنواع العبادة، والتوكل على غيره في ذلك شرك أكبر؛ قال الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ؛ فأمر الله سبحانه بالتوكل عليه وحده، لأن تقديم المعمول يفيد الحصر، وجعل التوكل عليه شرطا في الإيمان كما جعله شرطا في الإسلام في قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} ؛ فدل على انتفاء الإيمان والإسلام عمن لم يتوكل على الله أو توكل على غيره فيما لا يقدر عليه إلا هو من أصحاب القبور والأضرحة وسائر الأوثان.
فالتوكل على الله فريضة يجب إخلاصها لله، وهو أجمع أنواع العبادة، وأعلى مقامات التوحيد وأعظمها وأجلها؛ لما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة؛ فإنه إذا اعتمد على الله في جميع أموره الدينية والدنيوية دون كل ما سواه؛ صح إخلاصه ومعاملته مع الله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ”وما رجا أحد مخلوقا ولا توكل عليه إلا خاب ظنه فيه... ”انتهى. والتوكل على الله من أعظم منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ؛ فلا يحصل كمال التوحيد بأنواعه الثلاثة إلا بكمال التوكل على الله سبحانه؛ قال الله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} ، والآيات في الأمر به كثيرة جدا، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ}
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} : ”فجعل التوكل على الله شرطا في الإيمان، فدل على انتفاء الإيمان عند انتفائه، وكلما قوي إيمان العبد؛ كان توكله أقوى، وإذا ضعف الإيمان؛ ضعف التوكل، وإذا كان التوكل ضعيفا؛ كان دليلا على ضعف الإيمان ولا بد، والله تعالى في مواضع من كتابه يجمع بين التوكل والعبادة، وبين التوكل والإيمان، وبين التوكل والتقوى، وبين التوكل والإسلام، وبين التوكل والهداية؛ فظهر أن التوكل أصل لجميع مقامات الإيمان والإحسان لجميع أعمال الإسلام، وأن منزلته منها كمنزلة الرأس من الجسد؛ فكما لا يقوم الرأس إلا على البدن؛ فكذلك لا يقوم الإيمان ومقاماته وأعماله إلا على ساق التوكل ”.
وقد جعل الله التوكل عليه من أبرز صفات المؤمنين، فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} ؛ أي: يعتمدون عليه بقلوبهم؛ فلا يرجون سواه. وفي الآية وصف المؤمنين حقا بثلاثة مقامات من مقامات الإحسان، وهي: الخوف، وزيادة الإيمان، والتوكل على الله وحده.