الحمد لله رب العالمين، أمر عباده بذكره، ووعدهم بعظيم فضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقبل التائبين، ويعطي السائلين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، سيد البشر، خير من ذكر ربه وشكر، وحج البيت واعتمر، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. قال سبحانه: ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب). لقد فضل الله تعالى بعض الأيام على بعض، فالعشر الأوائل من ذي الحجة أفضل أيام الدنيا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« أفضل أيام الدنيا أيام العشر». وقد أقسم الله عز وجل بها، إشارة إلى جليل قدرها، وعظيم منزلتها؛ فقال سبحانه وتعالى: ( والفجر* وليال عشر) أي: عشر ذي الحجة. وهي أفضل أيام السنة؛ لاجتماع أمهات العبادة فيها، فقد شرع الله تعالى فيها حج بيته الحرام، وضاعف فيها أجر الأعمال الصالحة وثوابها، قال النبي صلى الله عليه وسلم :« ما العمل في أيام أفضل منها في هذه؟». قالوا : ولا الجهاد؟ قال:« ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء». ومما يستحب في هذه الأيام؛ الإكثار من العبادات على اختلاف أنواعها؛ من الصلاة ونوافلها كصلاة الضحى وقيام الليل، والصيام والصدقة، وقراءة القرآن الكريم، وذكر الله سبحانه؛ قال تعالى: ( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات). أي: أيام العشر من ذي الحجة. فذكر الله تعالى من أعظم العبادات، وأجل الطاعات، قال النبي صلى الله عليه وسلم :« ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟». قالوا: بلى. قال:« ذكر الله تعالى». وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله. وذكر الله زاد المؤمن في كل حال، قال النبي صلى الله عليه وسلم :« من عجز منكم عن الليل أن يكابده، وبخل بالمال أن ينفقه، وجبن عن العدو أن يجاهده فليكثر من ذكر الله». وقد أمر الله تعالى بكثرة الذكر في وقت الشدة والعسر، فقال: ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) فذكر الله سبحانه يثبت القلوب في المواقف العصيبة، والمآزق الشديدة، وفيه انشراح للصدر، وذهاب للهم والغم، وسعادة للنفس، وطمأنينة للقلب؛ قال تعالى: ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب). وذكر الله غذاء للأرواح، وحياة للقلوب؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم :« مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه، مثل الحي والميت». ووعد الله تعالى الذاكرين بكريم العطاء، وخير الجزاء؛ فقال سبحانه وتعالى: ( والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) ومن عظيم جزاء الذكر وشرفه؛ أن الله عز وجل يذكر الذاكر؛ قال سبحانه: ( فاذكروني أذكركم) فالسعيد من وفقه الله تعالى في هذه الأيام المباركات للطاعات، فملأ وقته بالباقيات الصالحات؛ يقول تعالى: ( والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا)وهي قول: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. إن الله تبارك وتعالى رغبنا في الإكثار من ذكره؛ فقال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا* وسبحوه بكرة وأصيلا). وحث على الذكر بعد أداء العبادات ليكون خير ختام، فقال تعالى عن عبادة الحج: ( فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا). وقال عز وجل في آيات الصيام: ( ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون). والتكبير من الذكر، وأما الصلوات فقد شرعت للذكر؛ قال جل شأنه: ( وأقم الصلاة لذكري). فالصلاة تضرع إلى الله، وقيام بين يديه، وقد سمى الله تعالى الصلاة ذكرا في قوله: ( فاسعوا إلى ذكر الله). فالصلاة ذكر. بعد أيام قلائل يمر بنا يوم عظيم مبارك، شرفه الله تعالى وعظمه، فأقسم عز وجل به؛ قال سبحانه: ( والسماء ذات البروج* واليوم الموعود* وشاهد ومشهود). واليوم المشهود: يوم عرفة. وأقسم الله تعالى بيوم عرفة لعظمه وشرفه، واجتماع المسلمين في صعيد عرفات يجدد صلتهم بخالقهم عز وجل، ويستشعرون الحشر الأعظم، فيبتهلون إلى الله تعالى ويتضرعون، يرجون رحمته، ويخافون عذابه. والدعاء فيه أفضل الدعاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« خير الدعاء دعاء يوم عرفة. وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له،له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير». فلنتوجه إلى الله تعالى بالرجاء، فهو الكريم الذي لا يرد سائله، قال النبي صلى الله عليه وسلم :« إن الله تعالى حيي كريم، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين». ولندع لقواتنا المسلحة بالنصر والعزة والتأييد، وللحاكم بالتوفيق والتسديد، ولأبنائنا بالهداية والصلاح، والرشد والنجاح، ولموتانا وشهدائنا بالرحمة والمغفرة، والدرجات العالية، ولمرضانا بالشفاء والعافية. فاللهم يا خير من سئل، ويا أجود من أعطى، نسألك الخير كله لنا ولأهلنا، ولدولة الإمارات وللحاكم، اللهم اغفر لنا، وأصلح شأننا، وألف بين قلوبنا، وانصرنا على عدونا، ووفقنا جميعا لطاعتك وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته, عملا بقولك: ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.