الحمد لله القوي العظيم؛ الرؤوف الرحيم؛ يقضي بالحق؛ ويحكم بالعدل وهو الحكيم العليم؛ وأشهد أن لا اله ألا الله وحده لا شريك له؛ شهادة أرجوا بها النجاة من العذاب الأليم؛ ومن فتن الدنيا والدين؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين؛ صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه الصالحين؛ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد :
( الدين عند الله الاسلام ) فإن الإسلام دين رباني شامل؛ عالمي كامل؛ أشرقت بتشريعاته القلوب الحسان؛ أمر بالفضيلة؛ ونهى عن الرذيلة؛ وهو من كل نقص سالم ولكل فضل جامع؛ والإنسان في هذه الحياة الدنيا متعرض للفتن؛والسبب في ذلك يعود إلى شدة تعلقه بالدنيا وشهواتها وملذاتها
ويقول الله تعالى : ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث؛ ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب) ( آل عمران: 14)
.....بناء على ما تقدم فإن أسباب الفتن ودوافعها عديدة؛ ومن جملة هذه الأسباب:
أولا : الجهل وقلة العلم : إن الجهل بالعلوم الشرعية داء خطير وسبب من أسباب الفتن والدافع إليها؛ فإن فعل السيئات وارتكاب المحظورات يرجع إلى سوء الفهم وقلة الوعي والإدراك؛ وعدم المعرفة في الأحكام الشرعية وفي زماننا هذا فإن الجهل بالعلوم الشرعية؛ وقلة التبصر؛ حمل الكثير من الناس على الإنحراف وارتكاب الآثام؛ وإحداث الفتن هنا وهنالك؛ وخاصة عندما اتخذ الناس معلمون جهله؛ وآخذو ما عندهم وتركوا ما عند غيرهم من غير بحث وتدقيق؛ فأضلوهم عن الحق فضلوا عن الطريق المستقيم؛ وهذا ما حذر منه النبي صلى الله علية وسلم عندما قال: ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء؛ حتى إذا لم يبقى عالما؛اتخذ الناس رؤوسا جهالا ( إي معلمون جهله ) فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأظلوا ) ( متفق عليه ) وفي هذه الأيام نرى بعض الفئات الضالة والمضللة التي تحلل دم المسلم وتكفره؛ وأصبح الفكر التكفيري ينتشر في كثير من البلاد الإسلامية وهذا السبب؛ كان وراء قتل سيدنا عثمان رضي الله عنه من قبل المنحرفين الجهلة؛ الذين استحلوا قتل إمام من أئمة المسلمين؛ وكان هذا سببا أيضا في ظهور فرقة الخوارج؛ وتورطهم في قتل سيدنا علي بني أبي طالب رضي الله عنه؛ وارتكابهم مجاز دمويه؛ ومصادمات وحشية مع بقية المسلمين وما يزال هذا السبب له تأثيره في زماننا هذا؛ وفي عصرنا الحاضر؛ لذلك عل كل مسلم إن يتعلم من أمر دينه ما يجعله يسير على الطريق الصحيح؛ وعلية أن يبحث عن العلماء المخلصين المعتدلين الذين يحملون هم هذه ألامه؛ ووحدة صفها؛ ومما لاشك فيه أن العلماء المخلصين الصادقين هم القادرون- بتوفيق الله – على بيان حقيقة الدين الإسلامي وهم القادرون على توجيه الشباب التوجيه السليم؛ فلولا العلماء لشاعت أمواج الفتن في كل حدب وصوب فمثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء؛ يهتدي إليها السائرون الحائرون في ظلمات البر و البحر .
ثانيا: التقليد الأعمى : هو عادة سلبيه؛ تمر بها حياة الإفراد؛ والأمم والشعوب؛ وقد رفض الإسلام ظاهرة التقليد الأعمى؛ وذم أصحاب الإتجاهات المهزومة التي تأسرهم عصبية التقاليد في شتى المجالات؛ قال عليه الصلاة والسلام : ( لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا؛ ولكن وطنوا أنفسكم؛ إن أحسن الناس أن تحسنوا؛ وإن أساءوا فلا تظلموا (رواه الترمذي )
فالمسلم متميز في شخصيته؛ يسلك ما سلكه المسلمون الأوائل؛ فهناك فرق بين التأسي بالصالحين؛ وبين التقليد الأعمى.
من صور التقليد الأعمى :
• اتخاذ قدوات وشخصيات ورموز منحرفة يتم تقليدها في سلوكها وأخلاقها؛ ولباسها وفي فتواها .........الخ
فالإنسان شديد المحاكاة والتأثير؛ فإذا كانت القدوة فاسدة؛ فالمتأثر بها على شاكلتها؛ ومن الأمثلة على ذلك ما نراه هذه الأيام من تقليد أعمى من قبل المتظاهرين او الشاذين الذين يخرجون بدعوى أعمال التخريب والفوضى والعنف؛ الأمر الذي أدى إلى أشتعال الفتنة بين المسلمين من جراء هذا التقليد الأعمى.
ثالثا: الغلو و التطرف: و هذه الأفكار أحدثت كثيرا من الفتن في بلاد المسلمين؛ فنحن جمعيا كمسلمين نعلن رفضنا التام لها؛ ولمن يتبناها؛ فقد ردها الشرع الشريف؛ ورفضتها الفطرة السليمة؛ وأنكرها العقل الواعي؛ لما فيها من العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات متطرفة بغيا على الإنسان في دينه؛ ودمه؛ وعقله؛ وماله؛ وعرضه.
* ومن صور الغلو والتطرف المؤدي إلى انتشار الفتن : ما نراه هذه الأيام من تعصب للرأي ؛ وعدم قبول الرأي الأخر مهما كانت حقيقة؛ الأمر الذي أدى إلى تفريق كلمة المسلمين ؛ وزرع بذور الفرقة والخلاف والانحلال بين المسلمين وهذا ما أراده أعداء الإسلام من المسلمين ( فرق تسد ) وقديما قالوا : ( أكلت يوم أكل الثور الأبيض ) وإنما بأكل الذئب من الغنم القاصية؛ فالفرقة فراق بين الآحبه والآخوه وتغذيها العصبية والعنصرية المقيتة والقبلية البغيضة ؛ والتي ردها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال : ( دعوها فإنها منتنة ) (رواه البخاري ).
رابعا : حب المال : لاشك أن المال أصل لكل فتنه؛ فتنه في تحصيله؛ وفتنه في تمويله؛ وفتنه في إنفاقه؛ وللأسف أصبح المال وسيله من سائل الكسب الحرام؛ فانتشر في زماننا ( التعامل بالربا ) لأن الكثير من الناس يريد أن يجمع ويحصل على المال بأسرع وقت؛ بغض النظر عن طريقة الكسب كانت شرعية أو غير شرعية؛ وما الغش والخداع وتطفيف المكيال واحتكار السلع؛ وغلو الأسعار إلا ثمرة من ثمار الكسب الحرام؛ الأمر الذي أدى إلى زعزعه الثقة بين الناس فانتشر القتل والسرقة من اجل الحصول على هذا المال .
إن فتنه المال جعلت بعض الناس يقول ( ورثت هذا المال كابرا عن كابر ) ( وهذا المال جمعته بذكائي وحنكتي ) وهذه فتنه تؤدي إلى الشرك والكفر وخاصة عندما لا ينسب الشخص الفضل إلى الله؛ وينسبه إلى نفسه؛ وهذا ما حدث لقارون عندما قال : ( قال إنما أوتيته على علم عندي ) القصص : 78
فكان لا ينسب الفضل إلى ربه وخالقه ورازقه؛ بل يرده إلى نفسه؛ بل اخذ يتكبر على الخالق عزوجل ويتكبر على الناس بما أعطاه الله من فضل وخير؛ ويقف في وجه الدعاة والصالحين ليصدهم بماله ويفتنهم فيه؛ حتى تمنت بعض النفوس الضعيفة أن يكون حظهم من المال كحظ قارون؛ وفي أيامنا هذه كأمثال قارون من يستخدم المال لمحاربه الإسلام والدعوة إلى الله؛ ويستخدم هذا المال وسيله وذريعة لنشر الرذيلة و الاباحيه بين المسلمين؛ من الامثله على ذلك ( التجارة بالمخدرات؛ فتح النوادي الليلية؛ انتشار دور البغايا؛ وبيع الخمرة والمسكرات .
.....ولاشك أننا في زمان كثرت فيه الفتن؛ وكثرت أسبابها ودوافعها؛ فالفتنه نائمة لعن الله من أيقضها؛ وكان سببا في نشرها؛ أعاذنا الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ والحمدلله رب العالمين .