وأكدوا أن بعض شركات القطاع الخاص تعمد التلاعب بمبدأ السعودة واستثماره في صالحها، مطالبين بمحاسبة هذه الشركات، وإيقاع العقوبات عليها، ومنع إقامة معارض التوظيف إلا بعد التأكد مما تطرحه من وظائف شاغرة.
وتشارك جهات عدة، من بينها الغرف التجارية في مناطق السعودية، في تنظيم معارض التوظيف. وتسعى هذه الجهات إلى إقناع أكبر عدد من الشركات الخاصة بالمشاركة في المعارض. وينظر المنظمون إلى أن كثرة عدد الجهات المشاركة في المعرض، وكثرة الوظائف المطروحة فيه، دليل أكيد على نجاح المعرض. وفي الوقت نفسه يرى مختصون أن غالبية الوظائف المطروحة وهمية، ولا أساس لها من الصحة، مؤكدين أن عدد الوظائف التي يتباهى القطاع الخاص بطرحها للشباب السعودي في وسائل الإعلام المختلفة، خلال عقد مضى، تكفي للقضاء على البطالة في المجتمع السعودي تماماً، هذا في حالة إذا كانت هذه الوظائف صحيحة.
معارض للتسويق والتربح المادي
يقول المحلل الاقتصادي عبدالحميد العمري إنه يعرف ويتابع معارض التوظيف منذ 10 سنوات، وليس من المعقول أن هذه الأعوام لم تسد حاجة طالبي العمل؛ والسبب أنها تفتقر للمصداقية في أرقام الوظائف، وقائمة على التسويق والتكسب والتربح المادي. وأضاف العمري: المفترض إذا كانت الوظائف قادمة من القطاع الخاص أن تكون تحت مظلة وزارة العمل، وإذا كانت شبه حكومية تكون بإشراف مباشر من وزارة الخدمة المدنية، وتصبح هناك شفافية ومصداقية، ومتوافقة مع المتطلبات، ومنبراً لإعلان أعداد الوظائف المطروحة؛ ليتسنى للجميع التقديم عليها. مشيراً إلى أن بعض الاحتياج المعلَن الآن في المعارض وظائف نسائية، ومع ذلك ليست هناك رقابة على عملية التقديم والمقابلات الشخصية. وأكد أن العارضين يمررون على اللجان الوطنية في الغرف التجارية مقولة "إن أكثر الوظائف لا يتقدم لها السعوديون والسعوديات؛ لأنهم يعتقدون أنها لا تناسب طبيعتهم ومستواهم"، وهي أعذار تبيّن لنا أن المسألة ليست لوجه الله.
90 % وظائف وهمية
ويوضح المحلل الاقتصادي الدكتور سالم باعجاجة أن عدد معارض التوظيف في السعودية في ازدياد ملحوظ في السنوات الأخيرة، ويقول: السلبيات التي خلفتها هذه النوعية من المعارض أكثر من إيجابياتها، خاصة إذا لم تكن حريصة على جذب الشباب السعودي عن طريق طرح وظائف حقيقية أمامهم. ويتابع: أستطيع التأكيد أن غالبية هذه المعارض لا تلتزم بما تعد به المواطنين؛ فهي تدعي طرح مئات أو آلاف الوظائف الجادة، بينما العدد الحقيقي لتلك الوظائف أقل بكثير من المعلن؛ الأمر الذي يُدخل الشك والريبة وعدم الثقة في نفوس الباحثين عن وظائف. وأضاف: الجهات المنظِّمة لتلك المعارض قد تضغط على بعض الشركات الكبرى من أجل الحضور والمشاركة الوهمية؛ بهدف تحسين صورة المعرض في عيون المسؤولين أولاً والمواطنين ثانياً. وللأسف، قد ترضخ بعض الشركات لهذه الضغوط، وتحضر دون أن يكون لديها أي برامج للتوظيف. مؤكداً أن "نسبة التوظيف الفعلي في هذه المعارض لا تتجاوز 20 في المائة من إجمالي الوظائف المعلنة في وسائل الإعلام". وتابع: 90 في المائة من تلك المعارض تطرح وظائف وهمية، لا أساس لها من الصحة، فيما هناك 10 في المائة منها لديها وظائف حقيقية، وتبحث عن كوادر مدربة ومؤهلة لتولي الوظائف الشاغرة لديها، وهذا يتجسد أكثر في الشركات الكبيرة التي تحرص على سمعتها، مثل شركة أرامكو" أو "الكهرباء". مشيراً إلى أن "هذه الشركات تبحث عن التخصصات النوعية، أما التخصصات غير النوعية فليس لها نصيب كبير".
مراقبة الشركات
ويطالب طارق الغامدي، الناشط الاجتماعي، وزارة العمل بـ"استغلال صلاحياتها في محاسبة شركات القطاع الخاص التي تعلن وظائف وهمية في معارض التوظيف، حتى إن كانت هذه الشركات تحافظ على نسبة السعودة". وقال إن "الجهات المنظمة لمعارض التوظيف تستعد جيداً لإقامة هذه المعارض عن طريق الإعلانات الترويجية، والأخبار الصحفية اليومية، التي لا تخطئها عيون الباحثين عن وظائف شاغرة في أي مكان، ولكن الملاحظ أنه قبل خمس سنوات كان الباحثون عن العمل يراودهم الأمل في الحصول على الوظائف التي يرغبون فيها في معارض التوظيف، ولكن في السنوات الأخيرة باتت هذه النوعية من المعارض واجهة لتجميل شركات القطاع الخاص عن طريق طرح وظائف تدعي بها أنها مع توطين الوظائف، ولكن لا أحد لديه الصلاحيات للتأكد من مصداقية تلك الشركات فيما تطرحه من وظائف شاغرة". وأضاف الغامدي "وزارة العمل هي الجهة المخولة بمراقبة أداء هذه الشركات، والتأكد مما تطرحه من وظائف، ومعاقبتها إذا لم تكن ملتزمة بما أعلنته على الملأ". مؤكداً أن "أعداد الوظائف الشاغرة التي أعلنتها شركات القطاع الخاص في السنوات العشر الأخيرة لو أنها صحيحة، وتم شغلها بالكامل، لكانت كافية لاستيعاب أعداد العاطلين عن العمل من السعوديين".
مبررات الشركات
ويقر الشاب رضا العباد بأنه يحرص على حضور معارض التوظيف من باب "لعل وعسى". ويقول: "ليست لدي الثقة الكافية بمعارض التوظيف؛ ليس لسبب سوى أنني حضرت أربعة معارض سابقة، ولم أشعر من ممثلي الشركات فيها بأي مصداقية أو اهتمام بالتوظيف؛ فالجميع وعدوني خيراً، وأخبروني بأنهم سيتصلون بي، ولكن لا أحد اتصل بي حتى الآن". ويضيف العباد: "أنا حاصل على شهادة الثانوية العامة، وأعلم أن هذا المؤهل غير مرغوب في سوق العمل كثيراً، ولكن ما يصبرني أن غيري من مئات الشباب الحاصلين على شهادات عليا، وفوق العليا من طلاب الابتعاث، لا يجدون مبتغاهم من الوظائف الشاغرة في معارض التوظيف، والمبررات التي نسمعها كثيراً من الشركات أنها لم تجد مبتغاها في المعارض؛ الأمر الذي جعلها تقتصر على اختيار عدد من الشباب أقل بكثير من عدد الوظائف المعلن في البداية".
هروب المنظمين
وحاولت "سبق" معرفة رأي الطرف الرئيسي في القضية، وهم منظمو المعارض، وتوصلت إلى 3 شركات متخصصة في معارض التوظيف، رفض القائمون عليها الدفاع أو التبرير.