أسامة سليمان من فيينا
قالت لـ "الاقتصادية" مصادر فى منظمة أوبك "إن انكماش أسعار النفط في الوقت الراهن هو آخر الدورة الاقتصادية، وإننا كما نعيش حاليا فى فصل الربيع طقسيا فإننا مقبلون على ربيع مماثل فى أسعار الخام".
وأوضحت المصادر أن هذه الرؤية التفاؤلية بنيت على عدة اعتبارات جوهرية أولها صدور بيانات دولية تؤكد أن الاقتصاد العالمي آخذ في التحسن والنمو، إضافة إلى تراجع الإمدادات خاصة عالية التكلفة من إنتاح دول خارج "أوبك"، التي ستنخفض بشكل حاد وملحوظ خلال العامين المقبلين.
وأفادت المصادر أنه فى المقابل نجد تطورات إيجابية فيما يتعلق بمستوى الطلب العالمي الذي من المتوقع أن ينمو إلى مستويات مقبولة بفعل تنامي واردات العالم من الطاقة خاصة الدول ذات معدل النمو السكاني المرتفع، مضيفة أن "الأسعار ستستعيد زخمها تدريجيا وستصعد بشكل مطرد إلى مستويات معقولة نسبيا".
في سياق متصل، توقعت مصادر اقتصادية ومختصون نفطيون استمرار حالة التقلبات السعرية خلال الأسبوع الجاري بعدما خسرت الأسعار نحو 4 في المائة فى ختام الأسبوع الماضي وذلك بتأثير رئيسي من ضبابية المشهد بخصوص قرار تجميد الإنتاج المزمع أن تتم مناقشته فى اجتماع المنتجين الموسع في الدوحة في 17 نيسان (أبريل) الجاري.
ويرجح المختصون صعوبة التوافق بين المنتجين على تجميد الإنتاج في ضوء اشتراط انضمام إيران وكبار المنتجين لاتفاق التجميد حتى يتم الالتزام به، فيما فسره البعض باحتمالية كبيرة لعودة التسابق الإنتاجي والمنافسة على الحصص السوقية.
وعزا المختصون التقلبات السعرية في الأسبوع الجاري إلى تقلبات مماثلة في سعر صرف الدولار واستمرار المخاوف من ارتفاع جديد في مستوى المخزونات النفطية الأمريكية إلى جانب بعض الشكوك المحيطة بإمكانية تعافي الطلب في الأمد القريب.
واعتبر المختصون أن تشكيل حكومتي التكنوقراط فى العراق والوفاق فى ليبيا كفيلان بإعادة الاستقرار للقطاع النفطي في هذين البلدين المنتجين المهمين خاصة أن مؤسسة النفط الليبية أعلنت دعمها حكومة الوفاق فيما تستمر المشاورات حول حكومة التكنوقراط في العراق التي تعطي أولوية خاصة لمكافحة الفساد في القطاع النفطي.
إلى ذلك، قال لـ "الاقتصادية"، سيفن شيميل مدير شركة "في جي آندستري" الصناعية الألمانية، "إن هناك تحركا خليجيا مميزا لتطوير القطاعات غير النفطية لتقليل الاعتماد على النفط الخام كمصدر رئيسي وأوحد للدخل القومي".
وأشاد شيميل بإعلان الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد بعزم المملكة تأسيس صندوق ضخم بقيمة تريليوني دولار لحقبة ما بعد النفط، مشيرا إلى أن تنويع الموارد الاقتصادية بات تحديا يواجه كل اقتصاديات العالم، مضيفاً أنه "رغم التوقعات بأن يظل النفط الخام مهيمنا على قطاع الطاقة لعقود مقبلة إلا أن الاهتمام بالطاقة المتجددة والقطاعات غير النفطية وتنمية الصناعة والاستثمار هو توجه جيد تتحرك نحوه السعودية، كما وجدنا مبادرات مشابهة فى الإمارات وعديد من دول الخليج".
ونوه شيميل بأن السعودية تتبنى سياسة مميزة لإعادة هيكلة اقتصادها تقوم على التوسع في برنامج الخصخصة الذي يعتبر أحد الآليات التمويلية المهمة لدعم الاقتصاد، مشيرا إلى أن السوق تتطلع إلى تجربة خصخصة حصة من "أرامكو" وهي واحدة من أضخم الشركات والكيانات الاقتصادية في العالم، معتبراً أن السعودية قطعت شوطا جيدا في مجال التحول إلى الطاقة البديلة خاصة الطاقة الشمسية حيث تمتلك رؤية جيدا للتحول من الطاقة التقليدية إلى الطاقة البديلة في الأمد الطويل.
من جهته، أوضح لـ "الاقتصادية"، إيفيلو ستايلوف المستشار الاقتصادي البلغاري في فيينا، أن حالة الغموض في مواقف المنتجين قبل أقل من أسبوعين على عقد اجتماع الدوحة تسبب في بعض الارتباك في السوق مع احتمال أن تكون المواقف المعلنة قبل الاجتماع مغايرة للمواقف النهائية بعده.
وذكر ستايلوف أنه بحسب تصريحات روسية رسمية فإن مشاركة إيران في اجتماع الدوحة واردة بقوة لكنها لا تعني موافقتها على الانضمام إلى اتفاق تجميد الإنتاج، مشيرا إلى أنه من الواضح أن الاجتماع لن يكون سهلا وقد يستغرق وقتا طويلا لكن فشله ستكون له تداعيات سلبية واسعة على السوق.
وقال ستايلوف "إن جميع المنتجين يدركون جيدا أنه بدون تنسيق بينهم لن يتحقق الاستقرار في السوق وإن اقتصادياتهم لا تتحمل مزيدا من الانهيارات السعرية"، مضيفاً أن "تعافي السوق في مصلحة الجميع وهو الطريق الوحيد لعودة الانتعاش في الاستثمارات ورواج الصناعة".
وأوضح لـ "الاقتصادية"، فرانك يوكنهوفر مدير مشاريع "سيمنز" فى هولندا وبلجيكا، أن السعودية تتجه بقوة نحو إنهاء الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للاقتصاد وعندما يجيء هذا التوجه من أكبر مصدر للنفط في العالم فإنه يعكس قراءة جيدة لمستقبل الطاقة في العالم ويؤكد أن تغيرات جوهرية تحدث حاليا تعيد تشكيل خريطة الطاقة العالمية.
وقال يوكنهوفر "إن التوتر في العلاقات بين بعض المنتجين سيكون العقبة الأبرز نحو التوافق في اجتماع الدوحة المرتقب، إلا أن هناك مساع جيدة من الوسيط الروسي لتقريب وجهات النظر وإخراج اتفاق تجميد الإنتاج إلى النور".
ويعتقد يوكنهوفر أن هناك تغيرات سياسية جيدة في منطقة الشرق الأوسط قد تكون لها انعكاسات إيجابية على الطاقة والوضع الاقتصادي بشكل عام، وفي مقدمة ذلك الضربات الموجعة والخسائر الفادحة التي يتعرض لها تنظيم داعش الارهابي في سورية والعراق وخسارته مدنا سبق أن سيطر عليها وهو ما سيحد كثيرا من تجارته غير المشروعة في النفط.
وأشار يوكنهوفر إلى أن الجوانب الإيجابية تشمل أيضا تشكيل حكومة الوفاق في ليبيا وحكومة تكنوقراط في العراق مع التركيز على محاربة الفساد وكشف التجاوزات خاصة القطاع النفطي حيث ستؤدي هذه التغيرات الإيجابية إلى عودة الاستقرار في بلدين مهمين ومنتجين بارزين للنفط ومن ثم عودة الاستثمارات التي تأثرت بغياب الأمن والتهديدات الإرهابية.
وكانت العقود الآجلة للنفط الخام قد هبطت بنحو 4 في المائة في ختام تعاملات الأسبوع الماضي وسط شكوك بشأن اتفاق تجميد الإنتاج النفطي وعقب صدور بيانات أظهرت أن تخمة المعروض العالمي ستنمو على الأرجح.
وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت 1.68 دولار أو 4.1 في المائة إلى 39.09 دولار للبرميل عند التسوية، وخسر الخام 3 في المائة خلال الأسبوع، وخسر الخام الأمريكي 1.55 دولار أو 4 في المائة ليهبط إلى 36.79 دولار للبرميل عند التسوية، وهبط الخام 7 في المائة خلال الأسبوع، ولم تتأثر الأسعار بدرجة تذكر ببيانات تظهر تراجع عدد حفارات النفط والغاز الأمريكية العاملة للأسبوع الخامس عشر على التوالي ليسجل أدنى مستوى منذ 1940 على الأقل.