كتب الدكتور محمد عبدالله ادريس مقال اكثرمن رائع بعنوان.... الطبيب والمريض..علاقة مهنية تحكمها عوامل إنسانية
علاقة الطبيب بالمريض هي لب العمل الطبي وأساسه، إنها تتعدى حدود المرض، وترتبط بما لدى كل من الطبيب والمريض من آراء ومواقف وتوجهات بل واعتقادات. ولا يمكن تصور عمل الطبيب وقيامه بدوره على الوجه الصحيح دون أن تتحد معالم هذه العلاقة ويتحدد إطارها.
علاقة الطبيب بالمريض هي علاقة إنسانية بالدرجة الأولى، وهي علاقة مهنية كذلك يحكمها الكثير من العوامل الإنسانية. ففي الماضي كان الطبيب يُسمى بالحكيم لما يمثل ذلك من معاني الاحترام والتبجيل والإجلال لعمل الطبيب حيث أن الطب مهنة تستدعي أن يتخلق ممتهنها بالأخلاق السامية وأن ينظر إلى وظيفته نظرة إنسانية قبل أن تكون نظرة مهنية محترفة. لذلك فإن من ينجح في هذه المهنة نجد أنه يتمتع دائماً بالأخلاق الرفيعة أولاً قبل أن يكون مُتمكناً علمياً. ومما لا شك فيه أن بناء علاقة علاجية جيدة بين الطبيب والمريض ضرورة لنجاح الاستشارة الطبية. وفيما يلي، الأسباب الجوهرية التي تجعل بناء علاقة من هذا النوع هدفاً يستحق بذل الجهد لتحقيقه:
مصلحة المريض من العلاقة الجيدة
بينه وبين الطبيب
* الوصول إلى التشخيص السليم: فالعلاقة الجيدة تسهل على الطبيب معرفة التفاصيل الحقيقية والشاملة لمشكلة مريضه، فثقة المريض بطبيبه تجعله يبوح بمكنون نفسه، بمخاوفه ومعتقداته، بصراحة وصدق، ويتحدث عن مشكلاته النفسية أو الاجتماعية المصاحبة لمشكلته العضوية وبالتالي يسهل على الطبيب الوصول إلى التشخيص السليم والشامل.
* حماية المريض: وإذا لم يستطع الطبيب بناء علاقة جيدة بمريضه، لن يصل إلى التشخيص السليم، ولا شك بأنه سيتبع ذلك معالجة غير صحيحة كوصف أدوية قد تكون لها مضاعفات جانبية، أو طلب فحص قد يكون مزعجاً أو حتى فيه درجة من الخطورة، أضف إلى ذلك الضرر الذي سيعاني منه المريض بسبب عدم وصول الطبيب إلى التشخيص السليم وبالتالي حرمانه من العلاج المناسب الضروري لحالته.
* ضمان فعالية المعالجة: المريض لا يطمئن إلا للطبيب الذي يثق به، ولا يلتزم إلا بعلاج الطبيب الذي يحترمه. فالمعالجة الفعالة تحتاج إلى علاقة جيدة بين الطبيب والمريض، مفعمة بالثقة والاحترام، وإذا فقدت هذه العلاقة فلن يحترم المريض نصائح الطبيب.
مصلحة الطبيب من العلاقة الجيدة
بينه وبين المريض
* جعل العمل أكثر إمتاعاً: يقضي الطبيب في المتوسط بين 6 إلى 8 ساعات من يومه في مقابلة المرضى والتحدث إليهم، فهو يلقاهم ويتحدث إليهم أكثر مما يلتقي ويتحدث مع أفراد أسرته أو أصدقائه.. فالطبيب الذي لا يتقن غير العلاقة المهنية الجافة الخالية من المشاعر الإنسانية العميقة قد تتحول حياته العملية إلى جحيم من الروتين والملل والإزعاج والإرهاق النفسي.. وإذن لا بد من تفاعل الطبيب بشكل إيجابي مع مرضاه معظم ساعات يومه، وصبغ علاقته معهم بالتعاطف والاهتمام وبشيء من الود… والعلاقة من هذا النوع من أهم خصوصيات تخصص طب الأسرة والطب عموماً.
* رفع معنويات الطبيب ودرجة رضاه عن نفسه: ينقسم الأطباء في طريقة تعاملهم مع المرضى إلى ثلاثة أقسام. القسم الأول من الأطباء شعارهم أو جلّ طموحهم القيام بواجبهم فحسب، وهذا شعور قد يعطي الطبيب شيئاً من الإحساس بالتوازن ولكنه لا يؤدي إلى رفع معنويات الطبيب ودرجة رضاه عن نفسه. والقسم الثاني من الأطباء يستطيعون بناء علاقة جيدة مع مرضاهم وبالتالي تتطور نظرتهم إلى أنفسهم من مجرد أنا أقوم بواجبي فحسب إلى الشعور بالمحبة والاحترام والأهمية ما يؤدي إلى مزيد من رفع المعنويات والرضا عن الذات. أما القسم الثالث من الأطباء فتجدهم يفشلون في بناء علاقة جيدة مع مرضاهم ويصل بهم الأمر إلى مصادمات وخلافات قد تؤدي في النهاية إلى أن ينظر الطبيب إلى نفسه نظرة تعيسة، يرى فيها نفسه ممتهناً تافهاً بالنسبة لمرضاه الذين هم جُلّ عمله. لكن هذه الأنواع الثلاثة من طريقة التعامل مع المرضى وما ينتج عنها من نظرة الطبيب إلى نفسه قد يعيشها الطبيب الواحد في اليوم الواحد عند تعامله مع شخصيات متنوعة من المرضى، فبعض المرضى لا تشعر معهم إلا بالتوازن النفسي أنا أقوم بواجبي، ويأتي مريض آخر ويشعرك بالسعادة والرضا عن الذات، ثم يأتي مريض ثالث ذو مشكلات متشعبة وصعبة لا تكون علاقة الطبيب به موفقة فيسبب للطبيب شعوراً سلبياً من الفشل وعدم الرضى عن الذات. والطبيب الحاذق يحاول دائماً بذل الجهد لبناء علاقة جيدة مع مرضاه ، مهما كانت شخصية المريض ومهما كان التعامل معه صعباً.
* اكتفاء شر المريض: هذا آخر سبب قد يفكر فيه الطبيب كدافع يجعله يسعى إلى بناء علاقة جيدة مع مرضاه، لكنه سبب موضوعي ومنطقي، فبعض المرضى قد يسببون إزعاجاً شديداً للأطباء برفع الشكاوى الرسمية أو غير الرسمية على أطبائهم، أو بالتهجم المباشر بالقول أو بالفعل على الطبيب، إلا أن وجود علاقة جيدة بين الطبيب والمريض يشكل درعاً واقياً للطبيب يقيه شر هذه الأمور المزعجة، فتجعل المريض يتريث كثيراً ويضبط نفسه ولا يقدم على إزعاج طبيبه.
المصلحة العامة:
عدم قدرة الطبيب على معرفة حقيقة علة المريض وبالتالي عدم الوصول إلى التشخيص الصحيح، غالباً ما يتبعه معالجة غير صحيحة، من وصف أدوية أو طلب فحص أو إحالة المريض إلى طبيب آخر.. وفي كل هذا هدر للموارد الطبية، زيادة على الضرر المباشر على المريض. وفي أحيان كثيرة حين لا يشعر المريض بالاطمئنان من معالجة طبيبه، يضطر إلى البحث عن طمأنينته عند طبيب ثانٍ أو ثالث أو رابع.. حتى يجد ضالته. وخلال هذا التنقل بين الأطباء يزداد المريض قلقاً، وبالتالي تزداد طلباته للمداخلات الطبية غير الضرورية من فحص أو أدوية.. فبناء العلاقة الجيدة مع المريض، ليست فقط ضرورية لمصلحة المريض والطبيب على حد سواء، بل هي أيضاً ضرورية لحماية الموارد الطبية وترشيد استهلاكها.
اخوكم
Dr. Fahad
المواضيع المتشابهه 
الطبيب والمريض..... علاقه مهنيه تحكمها عوامل أنسانيه (مهم) 
العرض الشجري
