كلمة جريدتنا الغراء في الأسبوع الفائت كانت مؤثرة وصاعقة في آن واحد. لم أصدق ما قرأته لأول وهلة. عدت إليه ثانية وثالثة كي أتأكد أن الرقم المهول حول الحوادث المرورية التي وقعت في السعودية عام 2015 (962 ألف حادث) رقم صحيح.
منظمة الصحة العالمية who لها جداول خاصة وتفصيلية بالحوادث المرورية في كل بلد في العالم. وآخر إحصائية متوافرة في الشبكة العنكبوتية كانت تخص عام 2013.
هناك عدة طرق لحساب الحوادث المرورية والخسائر التي تلحقها بالمجتمعات. وواحد من أبرز المؤشرات هو معدل الوفيات لكل 100 ألف شخص.
ومن المؤسف أن تكون نسبة الوفيات بسبب الحوادث المرورية لكل 100 ألف شخص في المملكة في قمة الجداول هذه. خسرت المملكة 27.4 شخص لكل 100 ألف نسمة في عام 2013.
وإن أخذنا نسبة الزيادة السنوية المهولة في حوادث المرور في المملكة في الحسبان، وكما وردت في متن المقال الافتتاحي الذي نحن بصدده، نكون أمام واقع مؤلم لا يجوز له أن يستمر مهما كانت الأعذار والأسباب.
وإن أخذنا في الحسبان ما نقله المقال عن شركة نجم لخدمات التأمين التي أكدت أن عدد الحوادث ارتفع بمعدل 33 في المائة كل سنة من السنوات الخمس الماضية، فإننا سنكون أمام أرقام كارثية حقا.
من المحزن أن تكون نسبة الوفيات بسبب حوادث المرور في المملكة هي الأعلى في العالم إن استثنينا دولة أو دولتين إفريقيتين.
لم أزر السعودية، ولكن السياقة في البلدان الخليجية أو الشرق أوسطية التي زرتها تفتقر في الغالب إلى اللياقة والكياسة. السائقون ومركباتهم يتصرفون وكأنهم يملكون الشارع برمته.
أغلب الحوادث المرورية سببها الشخص الذي يجلس وراء المقود. عند وجودي في الخليج، شخصيا أخشى، لا بل يقشعر بدني عند السير بالقرب من الشارع أو محاولة عبوره.
والكل تقريبا في سباق ويحاول الوصول وإن كان على حساب الآخر..
لدي تجربة سياقة سيارة في بلد خليجي. والله كل يوم صباحا قبل الانطلاق إلى الجامعة كنت أسلم أمري لله، وعند العودة أفعل ذلك أيضا. لا مجال للمقارنة بما يحدث في الشارع بين السويد مثلا وبين أي بلد خليجي أو شرق أوسطي آخر.
نسبة الوفيات لكل 100 ألف شخص بسبب الحوادث المرورية هي الأدنى في العالم في السويد، حيث بلغت 2.8 في المائة عام 2013، وهي في طريقها إلى الانخفاض.
ونسبة كبيرة من الحوادث المرورية والوفيات الناجمة عنها في السويد سببها احتساء الكحول من قبل سائقي المركبات. إذن، ما السبب وراء كارثة كهذه؟
قد يقول البعض إن السبب هو البنية التحتية من شوارع وجسور وغيره. هذا ليس صحيحا؛ لأن بعض ما أشاهده من بنى تحتية ولا سيما في الخليج يرقى إلى ما لدى السويد وأحيانا قد يبزه.
جذور المشكلة في رأيي تكمن في الذي يقود المركبة. المركبة ما هي إلا أداة صنعت كي تستجيب وتخدم صاحبها. هو يقودها وهي لا تقوده.
وليس السبب القوانين والعقوبات. بعض القوانين والعقوبات المرورية قد تكون أقسى وأشد مما هو متوافر لدى دولة أخرى.
وهذا لا يعني أن القوانين والعقوبات لا دور لها، على العكس.
بيد أن العبرة في التطبيق الصارم على الكل دون استثناء وفي كل الأوقات والأمكنة حيث تجعل المخالف، كل مخالف، يندم على فعلته.
وعلى المختصين، ولا سيما الأكاديميين في الجامعات، تسليط الضوء على نسبة الحوادث المهولة هذه، وشرح عواقبها على الاقتصاد والمجتمع والحاضر والمستقبل.
وعلى المختصين أيضا التفكير مليا في وسائل آنية وبعيدة المدى؛ لإيقاف نسبة الحوادث عند معدلاتها المؤلمة الحالية في أقل تقدير؛ لأن ارتفاعها بنسبة سنوية تصل إلى 300 في المائة، ستكون له عواقب كارثية على المجتمع.
ومن ثم العمل على تخفيضها كي تصل إلى النسب والمعدلات السائدة في الدول المتحضرة والمتمدنة وأبناء وبنات بلد الحرمين يستحقون ذلك حقا.
المواضيع المتشابهه 
مليون حادث مروري .. هل يعقل هذا؟ لا حول ولا قوة الا بالله 
العرض المتطور
