تشير الأبحاث في مجال علم النفس المعرفي إلى تأثر العمليات العقلية لدى الإنسان
(كالإدراك، والانتباه والذاكرة، والاستدلال والاستنتاج وغيرها من عمليات التفكير بمستوياتها المختلفة) بنطاق واسع من الأخطاء والتحيزات،
Errors and Biases،
لخصها نيزبت وروس Nisbett and Ross 1980
في كتابهما الكلاسيكي عن أوجه القصور والتحيزات في الاستدلال والتفكير.
ومن أهم العمليات التي تؤدي لأخطاء في التفكير الانتباه الاختياري
Selective attention
والذي يحدث عندما نواجه كماً متعدداً من المعلومات وننتبه لجزء منها ونتجاهل أجزاء أخرى قد تكون أكثر أهمية.
وهذا يعود، بشكل رئيس،
إلى محدودية قدرة الإنسان على التعامل مع تلك المعلومات،
والاستفادة منها للوصول لاستنتاجات صحيحة.
وهذا ما يحصل في أسواق المال، فالمعلومات ذات مصادر متعددة،
وأصبحت مع وسائل الاتصال الحديثة تصل بسرعة لا يمكن التعامل معها بشكل كامل،
فيتم الانتباه لبعضها، وقد يكون أقل أهمية، وتجاهل المعلومات الأخرى،
مما يؤدي لأحكام خاطئة ومتحيزة.
ويعتبر تحيز الإثبات Confirmation bias
من أهم التحيزات التي تقود أحكامنا وقراراتنا للخطأ،
حيث ينزع الإنسان للبحث عن المعلومات التي تؤكد وتثبت أفكاره المسبقة،
وفي نفس الوقت يتجاهل المعلومات التي تناقضها.
ويلاحظ هذا التحيز في سلوك المتعاملين في الأسواق المالية بما فيهم المحللين والخبراء،
فهم ينزعون في الغالب للبحث عن المعلومات التي تؤكد أفكارهم المسبقة وتؤيد توجهاتهم سواء في منتديات الأسهم، أو شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها، بينما يتجنبون المصادر التي قد تتعارض معها. وينطبق هذا أيضا على متابعة قنوات تلفزيونية أو محللين معينين.
ومن العوامل النفسية ذات العلاقة بالعمليات العقلية المؤثرة على القرارات وإدراك الأخطار
(ومنها بالطبع تلك المتعلقة بسوق الأسهم)،
ما أطلق عليه كانيمان وتفرسكي اسم استراتيجية الإتاحة،
The Availability Heuristic،
وهي تعني أن الأحداث البارزة في حياتنا يسهل استدعاءها من الذاكرة وخاصة في السياقات ذات العلاقة، وبالتالي فهي تؤثر على أحكامنا وقراراتنا حتى لو كانت احتمالات حدوثها ضعيفة جداً.
فأثناء متابعتنا لانخفاضات أسواق الأسهم،
يتبادر للذهن مباشرة الانهيارات التي حصلت عامي 2003 و2008،
وذلك لأنها كانت انهيارات دراماتيكية وقاسية، وبالتالي فإن تذكرنا لتلك الأحداث بسهولة يعزز من توقعاتنا أن انهيارات مشابهة ستحدث لا محالة، بالرغم من اختلاف العوامل الاقتصادية والأساسيات الآن عنها في الفترتين المشار إليهما.
وبالتالي يحدث الهروب الجماعي من السوق
بناءً على توقعات مستقبلية غير دقيقة اعتمدت على أحداث سابقة (الانهيارين)
وتجاهلت المعلومات الحالية.
وعلق د. حميد المزروع على ما طرحه د. على الحكمي بقوله:
٩٥٪ من المتعاملين بسوق الأسهم لا يدركون معني الاستثمار ،
ولا معايير تقييم الأوراق المالية ،
وبالتالي استسلموا لما يعرف بالتحليل الفني وتوصيات المنتديات ،
وهي غالبا ما تقاد بتوجهاتها لخدمة “الهوامير” ،
لذلك تجدهم يتأثرون بطريقة جنونية لأداء السهم اليومي ويتركون قيمته الحقيقية التي تحددها ما يعرف بمكرر السهم وأفاق نموه المستقبلي ،
ولهذا السبب يلعب الجهل والعامل النفسي في اتجاه السوق وتتجلي سمة السلوك الجماعي في اتخاذ القرارات المشتركة ، التي كما نلاحظ تؤدي إلي التذبذب العالي بالأسعار ،
سواء بالارتفاعات أو الانخفاضات الغيرة مبررة ، لا شك أن تفعيل الحوكمة الداخلية للشركات ،
وتطور أداء شركة تداول ، سيعزز مع الوقت توازن السّوق ،
ويُقصد هنا القرارات العقلانية بالبيع والشراء،
عموما ما زلنا نصنف ضمن الأسواق الناشئة.
كذلك فقد أشار د. مساعد المحيا إلى أن العامل النفسي هو ما يدعو للتدافع للبيع في أكثر الأحوال ..
لكن من المهم التأكيد على أن صناع الأسواق كثيرا ما يستثمرون تلك الحالات النفسية من خلال تلاعبهم بكل المؤثرات التي تقود لسلوك المستثمرين والمضاربين وتقودهم نحو اتجاه معين …
وفي أكثر الأحوال يستثمر في هذا ضخ عدد من الأخبار والمعلومات السلبية عبر مختلف وسائل الإعلام مع دعم للعديد من آراء المحللين الذين يقودون هذا الاتجاه أو يشاركون فيه ..
وعلقت د. عائشة حجازي بقولها: انهيارات سوق الأسهم تليها انهيارات نفسية حادة لازال بعض ضحايا الأزمة السابقة مودعين في المصحات وخسروا ما تبقى لديهم في العلاج.
واتفق د. علي الحكمي مع د. حميد المزروع في أن التحليل الفني وتوصيات المنتديات تخدم توجهات معينة في السوق وبالتالي المتضرر هم صغار المستثمرين، وهنا يأتي دور تداول في تقديم معلومات صحيحة وتتجاوب مباشرة مع أوضاع السوق وتقلباته.
كما أكد أيضا على ما ذهب إليه د. مساعد من أن هناك من يستفيد من بث حالة الرعب لدى المستثمرين باستخدام معلومات لا تأثير حقيقي لها على قيمة السهم العادلة.